أعلنت أنقرة أمس «إمكانية» قبولها ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة لمرحلة انتقالية٬ مشددة على ضرورة وجود «ضمانات ثابتة وأكيدة برحيله عند انتهائها»٬ نافية وجود «تغيير في الموقف التركي الذي كان وما يزال لا يرى مستقبلا للأسد في سوريا بعد كل ما ارتكبه»٬ لكن مصادر تركية رفيعة المستوى شككت بإمكانية قبول الأسد وداعميه هذا الحل. وانتقدت أنقرة بشدة «التخاذل الغربي» في التعاطي مع ملف الأزمة السورية٬ لكنها بدأت مؤخرا في إبداء ليونة في هذا الموقف «تجاوبا مع مساع من حلفائها» في إشارة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة التي تسوق لهذه الفكرة. وأكد مصدر في رئاسة الوزراء التركية لـ«الشرق الأوسط»٬ أن مسألة بقاء الأسد في السلطة «غير وارد في إطار أي حل»٬ معتبرا أن الشعب السوري الذي وقف بوجه الظلم خمس سنوات ودفع الثمن من حياته وأمنه لا يمكن أن يقبل بذلك. لكن المصدر رأى أن التسوية السياسية قد تفرض بعض التنازلات٬ وقد يكون من بينها بقاء الأسد في السلطة لمرحلة انتقالية. وأشار المصدر إلى أن الاتصالات التي جرت مع أنقرة في الفترة الماضية٬ تركزت على ضرورة الخروج بحل للأزمة٬ ورغم أن أنقرة لا ترى في بقاء الأسد لفترة انتقالية «أي فائدة»٬ إلا أنها لن تعارضها إذا كانت مفتاح الحل للأزمة السورية. وأشار المصدر إلى أن أنقرة لم تحدد موقفا نهائيا بعد٬ لكنها ترى إمكانية لذلك إذا كانت ثمة ضمانات أكيدة لرحيل الأسد. وأكد المصدر أن أنقرة «دعمت السوريين في ثورتهم ضد النظام الظالم٬ ولن تتخلى عنهم٬ وهي ستقبل ما يقبلونه وترفض ما يرفضونه٬ ولن تساهم في فرض أي موقف عليهم»٬ مشيرا في المقابل إلى أن ثمة اتجاها دوليا لافتا نحو القبول به (الأسد) لمرحلة انتقالية ونحن لن نقف في وجه أي إجراء يضمن الحل السلمي للأزمة السورية. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين كبيرين في الحكومة أن تركيا مستعدة لقبول انتقال سياسي في سوريا يظل بموجبه الرئيس بشار الأسد في السلطة بشكل رمزي لمدة ستة أشهر قبل تنحيه٬ وأن أنقرة تناقش الخطة مع الحلفاء الغربيين. وقال أحد المسؤولين شريطة عدم الكشف عن هويته: «العمل على خطة لرحيل الأسد جار.. يمكن أن يبقى ستة أشهر ونقبل بذلك لأنه سيكون هناك ضمان لرحيله». وأضاف: «تحركنا قدما في هذه القضية لدرجة معينة مع الولايات المتحدة وحلفائنا الآخرين. لا يوجد توافق محدد في الآراء بشأن متى ستبدأ فترة الستة أشهر هذه٬ لكننا نعتقد أن الأمر لن يستغرق طويلا». وقال أحد المسؤولين التركيين إن الولايات المتحدة ستطرح الاقتراح على روسيا.

وكان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قال أمس أمام مجلس العموم٬ إن بريطانيا تريد أن يرحل الأسد «في إحدى المراحل ضمن أي اتفاق تبرمه القوى العالمية لإنهاء الحرب السورية» التي بدأت قبل أكثر من أربع سنوات. ونقلت رويترز٬ عنه قوله٬ إن اقتراحا بإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا لاستخدامها كقاعدة لقتال تنظيم داعش اقتراح غير عملي. وأخبر هاموند نواب المجلس٬ أن عدد مقاتلي المعارضة غير المنتمين لـ«داعش» ولا لجبهة النصرة في سوريا٬ نحو 80 ألفا. وأكدت روسيا على لسان فالنتينا ماتفيينكو رئيسة المجلس الأعلى بالبرلمان الروسي٬ أول من أمس٬ أن روسيا تفضل دائما المحادثات أيا كانت٬ في إطار ردها على خطة اقترحتها الولايات المتحدة لعقد اجتماع بشأن سوريا تحضره روسيا والسعودية وتركيا والأردن. وقالت ماتفيينكو إن الروس يتفقون مع الرأي القائل بأن هناك حاجة ملحة للتوصل إلى حل سياسي. وفي وقت سابق أمس ذكرت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء٬ أن روسيا تبحث اقتراحا تقدم به جون كيري وزير الخارجية الأميركي لعقد محادثات متعددة الأطراف. إلى ذلك٬ ندد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمس بالتزام المجتمع الّدولي الصمت حيال ما يجري في سوريا من انتهاك لحقوق الإنسان والقضاء على المعالم الأثرية لهذا البلد وممارسة الظلم الاضطهاد بحق الشعب السوري الذي يطالب بالحرية والديمقراطية. وقال إردوغان خلال كلمة ألقاها في افتتاح مؤتمر للأمم المتحدة حول مكافحة ظاهرة التصّحر إنه «لا يمكننا وقف ظاهرة التصحر الحقيقي في ظّل امتداد تصّحر النفوس والوجدان العالمي. ففي حين خرج الشعب السوري من أجل نيل حريته٬ رأت بعض الّدول الغربية أّن هذا الحق كثير على السوريين». وتطّرق إردوغان إلى أزمة اللاجئين والسياسة التركية الُمّتبعة في هذا الّصدد٬ مشيًرا إلى أّن القيادة التركية فتحت أبوابها منذ اليوم الأول لموجة النزوح وأنها أنفقت 8 مليارات دولار من خزانتها لتلبية احتياجات اللاجئين على كافة الأصعدة. وانتقد سياسات الّدول الغربية التي تكتلك اقتصادات قوية٬ منّوًها في الوقت ذاته إلى أّن حجم المساعدات التي وصلت إلى تركيا من تلك الّدول٬ لم تتجاوز 450 مليون دولار٬ في حين بلغت أعباء إيواء النازحين السوريين على الحكومة التركية 8 مليارات دولار. وكان إردوغان أثار الشهر الماضي عاصفة من الجدل عندما نقل عنه أنه «يمكن الحديث عن مرحلة انتقالية بوجود الأسد٬ ولكن الأصل الأساس أنه لا يمكن القبول ببقاء ديكتاتور بأي حال٬ وخاصة من قبل الشعب السوري»٬ لكن مقربين من إردوغان عادوا لينفوا تغييرا في الموقف التركي٬ مشيرين إلى أنه قال هذه الجملة في معرض تأكيده أنه يمكن لأي كان الحديث عن مرحلة انتقالية بوجوده٬ لكن هذا لن يحدث.

الشرق الاوسط:21/10/2015