إسطنبول ـ «القدس العربي»: يرى مراقبون أن التطورات الأخيرة المتعلقة بالملف السوري يمكن أن تدفع تركيا إلى إعادة ترتيب تحالفاتها من جديد لا سيما في ظل عودة الحديث عن إمكانية دعم أمريكا لإقامة منطقة آمنة في سوريا، والكشف عن أن الدستور الذي صاغته روسيا لسوريا يتضمن منح الأكراد حكما ذاتيا على حدود تركيا.
فرفض إدارة أوباما المطلق طوال السنوات الماضية لمقترح تركيا إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا للاجئين والمدنيين كان أبرز أسباب الخلافات التي وصلت إلى ذروتها بين واشنطن وأنقرة التي ترى أن «التخاذل الأمريكي» هو السبب فيما وصلت إليه الأمور في سوريا وانقلاب الموازين لصالح روسيا ونظام الأسد.
لكن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي أعلن سابقاً نيته إقامة منطقة آمنة في سوريا أكد، الخميس، عزمه إقامة منطقة آمنة لحماية المدنيين. وأشار ترامب في لقاء تلفزيوني، مع قناة «إيه بي سي» الأمريكية، أنَّ أوروبا ارتكبت خطأ كبيرا بالسماح لملايين اللاجئين بالدخول إليها، قائلاً: «حتما سأقيم منطقة آمنة في سوريا».
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، الأربعاء أن ترامب بصدد «تمهيد الأرض لتصعيد التدخل الأمريكي في سوريا عن طريق الإيعاز إلى وزارتي الدفاع والخارجية بوضع خطة لإنشاء مناطق آمنة للمدنيين الهاربين من الصراع في سوريا».
وعلى الرغم من أن تركيا تمنت هذا الموقف الأمريكي منذ سنوات، إلا أن أنقرة ترى طرحه الآن «متأخرا جداً»، وسوف يضعها في موقف صعب ومعقد مع روسيا التي بذلت جهداً غير مسبوق على طريق ترميم العلاقات معها من أجل التوصل إلى صيغة لإنهاء الأزمة في سوريا والتي أنهكت تركيا سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
الخارجية التركية وفي أول تعقيب لها على القرار أكدت أنها دافعت منذ بداية الأزمة السورية عن فكرة إقامة مناطق آمنة في هذا البلد، وقال حسين مفتي أوغلو المتحدث باسم الخارجية في مؤتمر صحافي بأنقرة: «المهم كيف ستكون نتائج هذه الخطوة؟ وما هي المعلومات والتوجيهات التي ستصدر عن المؤسسات الأمريكية في هذا الشأن؟».
واعتبر المتحدث التركي أن عودة آلاف السوريين إلى مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، بعد بسط الأمن فيها عقب عملية «درع الفرات»، تعدّ من أبرز الأمثلة على أهمية إنشاء المناطق الآمنة في سوريا.
منطقة آمنة
وتقول تركيا إنها أنشأت فعلياً منطقة آمنة في المناطق التي طردت منها مسلحي تنظيم «الدولة» في شمالي سوريا لا سيما في منطقة جرابلس التي عاد إليها عشرات آلاف السوريين وشكلت فيها جهازا للشرطة المحلية بعد أن أخرجت منها الفصائل العسكرية المسلحة. ومن المتوقع أن تتوسع هذه المنطقة حيث أعلن الجيش التركي في بيان له، الجمعة، أن تنظيم «الدولة» بدأ يتجهز للانسحاب من مدينة الباب التي يحاصرها شمالي سوريا وذلك في ظل غطاء جوي روسي جاء بعد امتناع التحالف الذي تقوده واشنطن عن تقديمه لتركيا.
ويرى مراقبون أن العملية العسكرية التركية المتواصلة في شمالي سوريا «درع الفرات» تتم بتوافق كامل مع روسيا وبشكل غير مباشر مع النظام السوري، وإن دعم تركيا لأي مخطط أمريكي لمنطقة آمنة جديدة يعني اضطرارها لتغيير تحالفاتها السابقة، إلا إذا جاءت الخطوة الأمريكية بتوافق مع روسيا.
لكن ذلك يبدو أنه لن يحدث، ففي أول تعقيب روسي على مخطط ترامب، قال الكرملين، الخميس، إن خطط الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة مناطق آمنة في سوريا لم يتم التشاور حوله مع روسيا وينبغي أن ينظر فيها بدقة. وشدد المتحدث باسم بوتين «على أهمية الحساب الدقيق لكافة العواقب المحتملة» لهذا الإجراء.
وتم تدارس المناطق الآمنة، التي اقترحت من قبل ترامب ومنافسته هيلاري كلينتون خلال حملتهما الانتخابية، من قبل إدارة أوباما قبل سنوات وتم استبعاد الأمر خوفا من أن يضع الولايات المتحدة في صراع مباشر مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وروسيا، التي تشن حملة جوية لمساعدة قوات الأسد منذ أيلول/سبتمبر 2015. وفي تشرين الأول/أكتوبر، حذر الجيش الروسي الولايات المتحدة تحديدا من ضرب القوات الحكومية السورية، قائلا إن أسلحة دفاعاته الجوية في سوريا ستردع أي هجوم.
دستور سوريا الجديد
في سياق آخر، كشفت مصادر إعلامية روسية عن تفاصيل المقترح الروسي لدستور سوريا الجديد، الذي اقترحه الوفد الروسي على فصائل المعارضة في محادثات أستانة، مطلع الأسبوع الماضي، وقال الموقع الإخباري الروسي «آر بي سي» إن المقترح الروسي مكون من 27 مادة، وتنص المادة الأولى فيه على تغيير اسم «الجمهورية العربية السورية» إلى «الجمهورية السورية» بحذف كلمة العربية. وبينما نص الدستور على منح الحكم الذاتي للأكراد، يعترف بحق المناطق الإدارية في اختيار لغتها الرسمية. وهو ما يفتح الباب أمام اعتماد اللغة الكردية في مناطق الحكم الذاتي الكردي التي يقترحها الدستور.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه النقطة إلى خلافات روسية تركية جديدة لا سيما وأن أنقرة ترفض منح أكراد سوريا حكم ذاتي وترى في ذلك «خطراً على أمنها القومي» وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية «منظمة إرهابية» والذراع السوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي في تركيا.
وفي حين استجابت موسكو لضغوط تركيا باستبعاد الوحدات الكردية من محادثات أستانة حول مستقبل سوريا، أكد حزب الاتحاد الديمقراطي أبرز فصيل كردي معارض في سوريا تلقيه دعوة للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو، في خطوة من المتوقع أن تثير غضب أنقرة.
إعادة غولن
وكانت أنقرة أعربت عن أملها في أن تمتلك الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب رؤى لتأسيس السلام في الشرق الأوسط، وقال المتحدث باسم الحكومة نعمان كورتلموش: «نأمل في عدم معاودة الأخطاء المتكررة خلال فترة الإدارة السابقة وخاصة من ناحية العلاقات التركية الأمريكية».
وأكد المتحدث أن تركيا تتطلع لأن تعيد إدارة ترامب النظر في مسألتين من أجل تعزيز العلاقات مجددًا بين البلدين «أولاها، إعادة غولن (إلى تركيا) فهو رئيس عصابة قطاع طرق ارتكبوا جريمة ضد هذا الشعب بأسره من خلال محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو الماضي، والثانية يتمثل في وقف الدعم المقدم لـ «ب ي د» (الوحدات الكردية في سوريا)». مضيفاً: «ضمن إطار علاقات الصداقة والتحالف بيننا، نطرح بكل إصرار في كافة المحافل طلباتنا المتعلقة بتسليم غولن، ونأمل في أن نحصل على نتائج بهذا الخصوص».