نيويورك تايمز: ترجمة مركز الشرق العربي
صور الأطفال الهزيلين الغائرة عيونهم في جماجمهم في ثلاث من البلدات السورية دفعت إلى أن يعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون- الحذر دائما- بصورة علنية أن الأشخاص الذين يجوعون الناس في أرض المعركة يرتكبون جرائم حرب.
حذر بان كي مون بأنه “غدا يجب أن يكون هناك تحمل للمسئولية لجميع أولئك الذين يلعبون بحياة الناس وكرامتهم بهذه الطريقة”.
ولكن يبدو أن سوريا انتقلت بعيدا عن ما هو مقبول في الحرب, والفرص في تحميل المسئولية لأي جهة تبدو بعيدة أكثر من أي وقت مضى.
الدول الأكثر نفوذا في العالم سيست فكرة العدالة الدولية لتعنيف اعدائها وحماية حلفائها – وهناك في الواقع دول قوية تدعم بعض المسلحين, من طرف الحكومة والمتمردين على حدء سواء, وهم الذين يمنعون الطعام من الوصول إلى الجائعين في سوريا.
مجلس الأمن الدولي, الذي يملك الصلاحية في تحويل ما يجري إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي, لم يعلق مطلقا على إمكانية حصول ذلك في الجلسة الطارئة التي عقدها يوم الجمعة بعد الظهر.
ليس مستغربا أن الولايات المتحدة وشركاء غربيين آخرين استخدموا التقارير الأخيرة حول الوفيات التي حصلت بسبب التجويع للضغط على الحكومة السورية. استغلت روسيا الفرصة لتوجيه الاتهام إلى الجماعات المتمردة وذهبت إلى أن تقول أن لفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية “مجرد إزعاج لا مبرر له” وفقا لما قاله نائب ممثل روسيا في الأمم المتحدة, فلاديمير سافرنكوف, في جلسة مجلس الأمن, حيث إن ذلك ربما يعرقل محادثات السلام المزمع عقدها في 25 يناير في جنيف كما قال.
هذه المحادثات, التي سوف تعقد بوساطة الأمم المتحدة, سوف تجمع ممثلين عن بعض الأطراف التي اتهمت باستخدام التجويع كسلاح في الحرب.
شجع بان كي مون الأطراف المتصارعة على رفع الحصار كإجراء لبناء الثقة قبل المحادثات. ولكنه لم يذكر أن ذلك يجب أن يكون شرطا لبدء هذه المحادثات.
التجويع ما هو إلا شكل واحد من العديد من أشكال الفظائع التي اتسمت بها الحرب في سوريا. وثقت لجنة كشف عن الحقائق تابعة للأمم المتحدة عمليات تعذيب في السجون السورية ومراكز الاعتقال الحكومية, وعمليات قتل خارج نطاق القانون ارتكبتها جماعات معارضة واستعباد جنسي مارسته الدولة الإسلامية. كما أن الغارات الجوية استهدفت عددا كبيرا من المستشفيات والمراكز الصحية.
يمكن القول إن المساءلة في سوريا أصبحت أكثر بعدا من أي وقت مضى, بالنظر إلى أن كلا من روسيا والولايات المتحدة حريصتان على دفع الأطراف المتصارعة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق مع ما يراه الطرفان على أنه تهديد وجودي والمتمثل في الدولة الإسلامية. سوريا ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية, ما يعني أن مجلس الأمن فقط هو المخول في تحويل الوضع في سوريا إلى المحكمة.
آخر مرة تم اقتراح ذلك في مجلس الأمن عام 2014 اعترضت عليه كل من روسيا والصين. عدد قليل من أعضاء مجلس الأمن, بمن فيهم فرنسا, التي اقترحت ذلك, تعتقد أن المجلس يمكن أن يتبنى مثل هذا القرار. لقد كان وسيلة لإحراج الحكومة السورية, وبالتالي سوف ينعكس على أكبر داعمي الحكومة, روسيا.
المحكمة الجنائية الدولية ليست الطريقة الوحيدة للحصول على المساءلة عن جرائم الحرب. المحكمة السورية يمكن أن تحاكم المشتبه بهم, ولكن غالبا ما ينظر إلى المحاكم التي تعقد بعد الحرب على أنها محاكم منحازة للجانب المنتصر, كما حصل في العراق بعد إسقاط صدام حسين. أيضا, وفي ظل مبدأ الولاية القضائية الدولية, فإن المشتبه فيهم في ارتكاب التعذيب أو جرائم أخرى ضد الإنسانية يمكن أن يعتقلوا ويحاكموا خارج بلدانهم, كما حصل مع حاكم تشيلي السابق أوغستو بينوشيه.
تم تسليط الضوء على استخدام التجويع كسلاح للحرب في سوريا هذا الأسبوع مع ورود تقارير وصور مروعة ظهرت للمدنيين الجائعين في مضايا, التي تخضع للمتمردين وتحاصرها القوات الحكومية وميليشيات موالية للنظام.
قالت وكالات الإغاثة التي حركت قافليتين من الطعام والدواء يوم الجمعة بأن 23 مدنيا على الأقل ماتوا بسبب سوء التغذية. قالت منظمة أطباء بلا حدود مساء الجمعة إن خمسة أشخاص ماتوا هذا الأسبوع, منذ أن بدأت القوافل الإنسانية بجلب الطعام إلى مضايا.
أصدر ناشطون سوريا, من بينهم جماعات بحث وإنقاذ تعمل في المناطق الخاضعة للمعارضة, نداء يوم الجمعة لكي يتم إسقاط الغذاء عبر الطائرات.
قال وسام طريف وهو من منظمة آفاز الحقوقية بأن “روسيا والولايات المتحدة وإيران والسعودية هم من يحرك اللاعبين في سوريا, وإذا كان العالم جادا في رفع الحصار, فإنه يتوجب على بان كي مون أن يزيد الضغط الدبلوماسي عليهم”.
وأضاف ” مفاوضات السلام في جنيف سوف تعقد في وقت متأخر من هذا الشهر, ولكن السلام هو مجرد أضغاث أحلام بينما يجوع الأطفال إلى حد الموت دون أن يكون هناك أي مساءلة”.
سكان مضايا ال 40000 هم من بين 400000 سوري عالقون خلف خطوط القتال دون الحصول على طعام بصورة منتظمة. لقد أصبح الحصار أمرا روتينيا وممنهجا في الصراع المستمر منذ 5 سنوات, كما أخبرت نائب الأمين العام للأمم المتحدة لشئون الإغاثة العاجلة كيونغ كانغ الصحفيين يوم الجمعة.
وأضافت :” لا يمكن السماح بوفاة المزيد من الأشخاص تحت نظرنا”.
وفقا لما ذكره بان كي مون, فإن من بين ال 400000 شخص الذين لا يحصلون على شحنات منتظمة من الطعام, فإن أكثر من 180000 شخص تحاصرهم القوات الحكومية وميليشيات تابعة لها. وهناك 12000 آخرين محاصرون من قبل المتمردين, من بينهم جماعة أحرار الشام القوية التي تدعمها السعودية وقطر. وتقول الأمم المتحدة إن هناك 200000 سوري تحاصرهم الدولة الإسلامية في مدينة دير الزور.
انزعاج روسيا من التجويع كتكتيك حربي بدا واضحا يوم الجمعة بصورة غير عادية. حيث ذكرت وزارة الخارجية على تويتر :” نطالب السلطات السورية بالتعاون بصورة بناءة مع وكالات الأمم المتحدة”.
وأعلنت أنها سوف تقوم بإلقاء الطعام فوق جزء من دير الزور, حيث تمنع الدولة الإسلامية وصول الغذاء إلى الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.