على الرغم من واقع تواصل خسارة تنظيم الدولة للمزيد من أراضي سيطرته ومقاتليه؛ لكنّ نهاية التنظيم تبدو بعيدة زمنياً. قد يخسر التنظيم المزيد من الأراضي والمقاتلين، وقد يغادر المناطق المأهولة بالسكان إلى مواقع ريفية أو صحراوية خالية أو شبه خالية؛ لكنّ التنظيم سيبقى فاعلاً وقادراً على ضرب أهدافه المنتخبة في المنطقة وخارجها حالما وجد ثغرةً أمنيةً في المناطق المحمية يستطيع النفاذ منها. لذلك يبقى الحديث عن هزيمة نهائية للتنظيم أمر مستبعد وفق ما بين أيدينا من معطيات مؤيَّدة من واقع التنظيم؛ لكنه بالتأكيد سيخسر ما تبقى له من مدن واراضي في العراق وتستمر خساراته في سوريا، خاصة في شمال حلب بعد التدخل التركي لدعم فصائل سورية متحالفة مع تركيا تهدف في المقام الأول إلى منع قيام دولة كردية في شمال حلب غرب نهر الفرات، وإبعاد تهديد تنظيم الدولة عن المدن التركية على الحدود السورية، واحتمالات إقامة منطقة عازلة دعت إليها تركيا قبل عدة سنوات واصطدمت بعدم موافقة التحالف الدولي الذي ابدى اعتراضه على الفكرة؛ من جهة ثانية، يُعتقد ان التدخل التركي سيتجه نحو اخلاء التواجد الكردي غرب الفرات، خاصة من مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة امريكيا، لكن احتمالات الصدام المسلح مستبعدة على الأقل في المرحلة الراهنة لاعطاء المزيد من الوقت للولايات المتحدة التي سبق ان قدمت تعهدات بالضغط على قوات سوريا الديمقراطية للعبور إلى شرق الفرات.
وفي العراق، شكَّل تدخل التحالف الدولي العامل الحاسم في خسارة تنظيم الدولة لأراضٍ ومقاتلين، وما كان لأطراف يخوض التنظيم معها صراع وجود أنْ تحقق ما تحقق لها في غياب دعم التحالف الدولي؛ هذا المعطى سيضعه تنظيم الدولة الإسلامية في جوهر صياغة استراتيجياته المستقبلية التي ستضع ضرب أهداف داخل دول التحالف الدولي من أولويات سياساته معتمداً بالدرجة الأساس على المقاتلين العائدين إلى بلدانهم، أو الذين تمّ أو سيتم تجنيدهم دون أنْ يخوضوا تجربة السفر إلى أراضي سيطرة التنظيم في العراق وسورية بالدرجة الأولى؛ لكن كل هذا قد لا يأتي وقت العمل به إلاّ بعد ان يخسر التنظيم ما تبقى له من حواضر في العراق وسوريا لينتقل بما تبقى من جنوده خارج تلك الحواضر.
مشهد ما قبل العبادي طائفية صريحة:
شهد العراق بعد الانسحاب الأميركي نوعاً من الاستقرار الأمني النسبي في العامين 2012 و2013. لكنّ سياسات حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بصبغتها الطائفية الإقصائية دفعت بالعرب السُنّة إلى تبني خيار حق التظاهر طيلة العام 2013 للمطالبة بشراكةٍ عادلةٍ في إدارة الدولة العراقية وتقاسم السلطات والموارد. كان من تداعيات عدم الاستجابة لمطالب المحتجين استثمار تنظيم الدولة الإسلامية لمشاعر السخط والغضب السُنّي من تعاطي حكومة نوري المالكي مع تلك المطالب.
تمثلت أبرز مطالب الحركة الاحتجاجية في إطلاق المعتقلين والمعتقلات وإلغاء المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب وإلغاء قانون المساءلة والعدالة، وإعادة التوازن في شَغِل المناصب السيادية بمؤسسات الدولة؛ لكنّ هذه المطالب وغيرها لمْ يتم الاستجابة لها بما يكفي لبناء الثقة بالحكومة، وخلقْ نوع من الرضا السُنّي بأنّهم شركاء حقيقيون في الدولة العراقية.
بعد حادثة اعتقال أحد أهم قيادات الحركة الاحتجاجية في الأنبار، النائب أحمد العلواني فجر 28 ديسمبر/ كانون الأول 2012 ومقتل شقيقه وعدد من أفراد حمايته، تمّ “عقد اتفاق بين أطرافٍ حكوميةٍ وأخرى فاعلة في الأنبار على فض ساحة الاعتصام في الرمادي سلمياً مقابل سحب الجيش خارج المدن واطلاق سراح العلواني”[1]؛ لكن قيام القوات الأمنية بفض الاعتصام بالقوة العسكرية فجر الاثنين 30 ديسمبر/ كانون الأول 2013 ومقتل عدد من المعتصمين، حال دون تنفيذ بنود الاتفاق، ما أرغم العرب السُنّة على حمل السلاح ومواجهة القوات الحكومية التي فضلت الانسحاب خارج مركز المدينة.
بدت المواجهات في صورتها العامة مواجهات سُنّية شيعية مهدت الطريق لفصائل المعارضة المسلحة السابقة للظهور ثانيةً تحت مسمى المجلس العسكري الذي ضمّهم إلى جانب ثوار العشائر؛ ومن ثمّ كان الظهور الأبرز تاريخياً لتنظيم الدولة الإسلامية الذي فرض كامل سيطرته على الفلوجة في 2 يناير/ كانون الثاني 2014 بعد ثلاثة أيامٍ فقط من سيطرة المجلس العسكري عليها؛ مستغلاً حالة السخط التي سادت أوساط المجتمع السُنّي بعد “تحول نوري المالكي إلى زعيمٍ طائفي” واستثمار الدولة الإسلامية في العراق والشام واقع “عداء المالكي للسُنّة في تنصيب نفسها حاميةً لأهل السُنّة المغضوب عليهم”[2] من الحكومة العراقية؛ واعقب ذلك سيطرته على أجزاء من مركز مدينة الرمادي مهدت له فرض سيطرته على الطريق الدولي الرابط بين بغداد وكل من عمّان ودمشق ليحول دون تدفق المقاتلين والسلاح المقدم من إيران لدعم الحكومة السورية، والاستعاضة عن ذلك بجسر جوي باهض التكاليف بكفاءة تقل كثيرا عن استخدام الطريق الدولي برا من مدن وسط إيران إلى ديالى ثم الانبار وصولا إلى منفذ التنف السوري على الحدود مع العراق ثم إلى دمشق أو بيروت عبر صحراء حمص.
تنظيم الدولة الصعود الأخير:
يكافح تنظيم الدولة الإسلامية من أجل إقامة “دولة الخلافة الإسلامية” التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي في 29 يونيو/ حزيران 2014 من أحد أكبر المساجد في مدينة الموصل بعد أسبوعين فقط من سيطرة التنظيم على المدينة. واتسعت مساحة سيطرة التنظيم في العام 2014 على جانبي الحدود العراقية السورية لتشمل أجزاءً في محافظة ديالى شرق العراق إلى ريف محافظة حلب شمال غرب سورية مروراً بمحافظة نينوى العراقية ضمن رقعةٍ جغرافيةٍ متصلةٍ إلى حد ما؛ كما سيطر على مساحاتٍ واسعةٍ من مناطق غرب العاصمة بغداد ومناطق أخرى غرب العراق في الأنبار إلى الحدود السورية اللبنانية عبر صحراء محافظة حمص السورية.
من بين جملة من العوامل التي ساعدت في بروز تنظيم الدولة وقوته، انه لمْ تكنْ هناك قوة عسكرية نظامية مؤهلة لمواجهته وهزيمته؛ فالولايات المتحدة انسحبت من العراق نهاية العام 2011 تاركةً ورائها قوةً أمنيةً وعسكريةً ضمن مؤسسات ينخرها الفساد المالي والإداري كانت سبباً في الانهيار الكبير أمام عدة مئات من مقاتلي تنظيم الدولة في الموصل.
كما أن الولايات المتحدة انسحبت دون أنْ تعمل على بناء قوة محلية ثابتة رديفة للقوات الأمنية التي تعلم ضعفها وعدم قدرتها على هزيمة دولة العراق الإسلامية، حسب تسميتها للفترة بين عامي 2006 و2013 حيث أسست فرعا لها في سوريا لتحمل اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
يمكن للقوة الرديفة أنْ تكون على غرار قوات البشمركة الكردية أو مجالس الصحوات التي أسستها الولايات المتحدة في العام 2007 ولعبت الدور الأول في هزيمة “دولة العراق الإسلامية” وإخراجها من المدن التي كانت تسيطر عليها؛ لكنّ مجالس الصحوات فقدت قدرتها على المواجهة بعد أنْ تخلت عنها الولايات المتحدة في العام 2009 عندما سلمت ملفها إلى الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي عمل على إنهاء أيّ دور لها، كما أخلّ بالقسم الأكبر من الوعود التي تعهد بها للولايات المتحدة بدمج نسبةً منهم في الأجهزة الأمنية وإحالة الآخرين إلى دوائر الدولة المدنية.
ساعد تفاقم الوضع الأمني على ظهور قوي لتنظيم الدولة في العراق وانتقاله من معسكراته الصحراوية إلى مراكز المدن بعد قمع نوري المالكي للحركة الاحتجاجية في المدن السُنّية باستخدام القوة العسكرية ضد المعتصمين في مدينة الرمادي في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2013 باقتحام ساحة الاعتصام وحرق خيم المعتصمين.
وامتدت فترة بقاء “دولة العراق الإسلامية” في معسكرات صحراوية إلى بدايات العام 2014 التي مثّلت الظهور الأقوى له بعد انحساره الأول في أعقاب خسارته معركة الفلوجة الثانية خريف العام 2004 عندما كان يحمل اسم جماعة التوحيد والجهاد، وانحساره الثاني بعد ظهور مجالس الصحوات وتمكنها من هزيمته بحلول ربيع العام 2008 عندما كان يحمل اسم دولة العراق الإسلامية.
تنظيم الدولة وانخراط السُنّة في القتال ضده:
لعبت السياسات الطائفية للحكومة العراقية دوراً في تغذية الشعور بالاضطهاد والظلم والحرمان السياسي من قبل العرب السُنّة، وانعكس ذلك على زيادة الإقبال على تنظيم الدولة، أو على الأقل العزوف عن قتاله على غرار ما حصل بين عامي 2006 و 2008.
ترتبط رغبة المجتمع السُنّي بالانخراط في قتال تنظيم الدولة الإسلامية بسياسات الحكومة المركزية بوجهيها الطائفي أو الوطني. كانت طبيعة السياسات الحكومية خلال فترة الاحتلال تمثل العامل الغائب في المرحلة التي استطاعت فيها الولايات المتحدة تجنيد حوالي 100 ألف من أبناء العشائر السُنّية لقتال تنظيم القاعدة في فترة قياسية خلال خريف عام 2006 وحتى ربيع 2007؛ لكن انسحاب الولايات المتحدة وهيمنة الشيعة على القرار في العراق وبروز السياسات الطائفية بشكل ممنهج ساهم في ظهور عامل السياسات الحكومية ودخوله في معادلة علاقة تنظيم الدولة بالمجتمع السُنّي المحيط به، وهو المجتمع الذي لم يجد ثمة ما يدعوه إلى قتال تنظيم الدولة في مراحل مبكرة من ظهوره مطلع العام 2014 قبل ان تجييش الولايات المتحدة تحالفا دوليا عمل باتجاه كسب قيادات بارزة في المجتمع السُنّي إلى خندق قتال تنظيم الدولة، كما ان السلوك الذي اتبعه التنظيم في تعامله مع المجتمع السُنّي ساهم كثيرا في القبول بقتال التنظيم بالتعاون مع التحالف الدولي والحكومة العراقية من خلال تأسيس ما يعرف باسم الحشد العشائري الذي هو نسخة مكررة لما كان يعرف باسم مجالس الصحوات العشائرية؛ وتلقى متطوعو الحشد العشائري المشكل من أبناء العشائر السُنّية حصرا تدريبات على يد مدربين أمريكيين لتعزيز قدراتهم القتالية ضمن البرنامج الأمريكي لتدريب المقاتلين السُنّة؛ وقد عانت الولايات المتحدة الكثير في بداية برنامجها لجذب مقاتلين عشائريين منذ تشكيل التحالف الدولي في أغسطس/ آب 2014، لكنها نجحت في استحداث نسخة جديدة لمجالس الصحوات التي أنشأتها في العام 2007 مع الأخذ بالمتغيرات التي طرأت على الواقع العراقي الأمني والسياسي والاجتماعي الذي يشهد انقساماً طائفياً بشكلٍ أكبر مما كان عليه في تلك الفترة.
كما ان هناك سبب آخر في عدم الاقبال على قتال تنظيم الدولة في بدايات سيطرته على المدن السُنّية كنتيجة للشرخ في العلاقات السُنّية الشيعية الذي قلّص إمكانيات التعايش بينهما في اطار مجتمع متجانس تحكمه هوية واحدة بمرجعية وطنية جامعة، وغياب المصلحة المتحققة للمجتمع السُنّي من انتصار الحشد الشعبي الذي بات يشكل القوة الأكثر سيطرة ونفوذاً في المدن المستعادة، وهو الأكثر ضلوعاً بارتكاب “جرائم حرب وخروقات أخرى للقانون الدولي الإنساني وانتهاكات لحقوق الإنسان، وفي معظم الأحيان ضد مجتمعات سُنيّة في مناطق تخضع لسيطرة الدولة الإسلامية”[3]؛ لذلك رات قيادات في المجتمع السُنّي الذي “لا صلة له بتنظيم الدولة الإسلامية بأنه سيكون من الغباء المشاركة في الحرب على إرهاب داعش الذي يعني فتح جبهة قتال داخلية سُنّية سُنّية تمهد الطريق لذبح العرب السُنّة”[4].
تعميق الشعور السُنّي بالإقصاء والتهميش عزّز حالة فقدان الثقة المفترضة بالحكومة المركزية في حكومتي المالكي وبعده العبادي على حدٍ سواء، الأمر الذي سهّل على تنظيم الدولة كسب تأييد وتعاطف قطاعات أوسع من المجتمع السُنّي بدت واضحة في إعلان مجموعات عشائرية في الأنبار “وقوفهم وتضامنهم مع تنظيم الدولة الإسلامية ومبايعتهم زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي”[5]، وفي نينوى المعقل الأهم له في العراق، وفي مدنٍ عدة أخرى عراقية وسورية.
التحالف الدولي العامل الحاسم:
يواجه تنظيم الدولة تحالفا دولياً يشنّ عليه حرباً متعددة الجوانب؛ كما انه على الصعيد الداخلي يواجه تحديات كبرى على الأرض من قبل قوات محلية مدعومة من التحالف الدولي؛ عراقية كالبشمركة الكردية والحشد الشعبي والقوات الأمنية ومقاتلي العشائر السُنّية في العراق؛ وقوات محلية سورية كوحدات حماية الشعب الكردية والجيش السوري الحر وفصائل المعارضة المسلحة الإسلامية وجبهة النصرة والجيش السوري، بالإضافة إلى ميليشيات إيرانية وحزب الله اللبناني ومقاتلي عشائر سُنّية ضمن الوحدات الكردية أو خارجها.
أثبتت ضربات التحالف الدولي الجوية، خلال المعارك أو أثناء فترة التمهيد لها، أنها عامل الحسم الوحيد في عمليات استعادة المدن؛ وسعى رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى إبعاد الحشد الشعبي عن بعض المعارك مثل معركة استعادة تكريت لضمان الدعم الجوي للتحالف، لكن الحشد الشعبي رفض الانسحاب من محيط تكريت مع خسارته لأكثر من “ستة آلاف مقاتل خلال أربعة أسابيع”[6] قبل أنْ “يتدخل طيران التحالف الدولي بطلب من الحكومة العراقية”[7] في 25 مارس/ آذار 2015 ليتم حسم المعركة بعد أسبوع فقط. لا يمكن إدراج قوات الحشد الشعبي ضمن القوات البرية التي تخوض حرب الوكالة بدعم أمريكي؛ لكنْ ثمة مقاربة في الحرب على تنظيم الدولة تشير إلى دعم التحالف الدولي للحشد الشعبي من دون تنسيق مباشر بينهما.
برزت قوات الحشد الشعبي كقوة أساسية في عملية استعادة المدن السُنّية من تنظيم الدولة؛ كما أثبتت أنها القوة الأكثر قدرة على مواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. لذلك سعى حيدر العبادي، إلى تجنب الخلافات بين مؤسسة الجيش والحشد الشعبي لأسباب على صلة بضعف قدرات الجيش العراقي.
خسارة تنظيم الدولة ما تبقى له من مدن في العراق سيجعل الحشد الشعبي الذي تدعمه إيران في موقع القوة التي أنجزت مهمتها في العراق، لكن مشروع الحشد الشعبي الذي تنفق عليه إيران أموالا طائلة وتقوم بتسليحه وتدريبه هو رهن تنفيذ ما تبقى من المشروع الإيراني في سوريا.
أعلنت الحكومة العراقية بدء العمليات القتالية لاستعادة مدينة الموصل الساعة الواحدة فجر 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بعد عدة ساعات من قيام البيشمركة الكردية بشن هجوم واسع على المدينة من محورها الشرقي ومن شمال شرقي المدينة؛ ونقلت سي ان ان العربية عن ان 102 الف مقاتل يشاركون في العملية العسكرية إضافة الى آلاف اخرين يمثلون فصائل الحشد الشعبي باسناد جوي من طيران التحالف الدولي؛ حجم القوات التي تشن الهجوم على الموصل يثير جدلا حول حقيقة المعركة واهداف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية من المشاركة فيها بهذا الحشد العسكري غير المسبوق لمواجهة أقل من 5000 مقاتل يتحصنون في مدينة الموصل ومحيطها؛ لهذا فان خسارة التنظيم لمعقله في مدينة الموصل ستكون حتمية نظرا للخلل في موازين القوى العسكرية بين تنظيم الدولة من جهة والقوات العراقية والبيشمركة والقوى الأخرى بما فيها قوات خاصة اجنبية مدعومة بغطاء جوي كثيف وقصف مدفعي أمريكي وفرنسي بعيد المدى.
يرى مراقبون، ان تنظيم الدولة سينقل معظم مقاتليه من الموصل إلى سوريا بعد أو خلال المعركة، لكن ثمة عقبات تواجه عملية نقل مقاتليه، منها ان الطريق المؤدي إلى الأراضي السورية تفرض فصائل من الحشد الشعبي ومقاتلين من حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الشعبية على معظمه، كما ان منفذ اليعربية يخضع لسيطرة هذه القوات بالتنسيق مع وحدات من البيشمركة الكردية؛ كما ان تنظيم الدولة قد لا يفكر بالانتقال إلى سوريا في المرحلة الراهنة حيث لا زالت أولوياته في العراق كما هي، كما ان خسارته المناطق الحضرية لا تعني الكثير في رسم استراتيجياته التي هي أصلا مبنية على التواجد في المعسكرات الصحراوية في صحراء نينوى والانبار على الحدود السورية.
غياب تنظيم الدولة عن المدن لا تعني نهايته من خلال متابعة مراحل تكوينه وتوسعه، فقد سبق للتنظيم ان خسر معركة الفلوجة الثانية خريف العام 2004 عندما كان يطلق على نفسه اسم التوحيد والجهاد، لكنه عاد إلى الظهور ثانية منتصف 2005 ليسيطر على أجزاء كبيرة من مدن وقرى في ديالى والانبار بما يشكل الظهور الثاني له والذي انتهى في العام 2008 على يد مجالس الصحوات العشائرية التي شكلتها ودعمتها قوات الاحتلال الأمريكي والتي تمكنت من إخراجه من جميع مدن ومناطق سيطرته ليتخذ من المعسكرات الصحراوية مقرا لمقاتليه الذين عادوا إلى الظهور مرة ثالثة مطلع العام 2014 بعد سيطرتهم على مدينة الفلوجة وأجزاء من الرمادي ثم سيطرتهم على مدينة الموصل في يونيو/حزيران 2014 ومعظم مدن ومناطق محافظتي صلاح الدين والانبار؛ والملاحظ ان جميع حالات عودته إلى الظهور ثانية كانت تتميز عن سابقتها على الأقل في القدرات القتالية، لذلك من المتوقع ان يعود التنظيم إلى الظهور مرة رابعة في غضون سنوات بعد ان ينتهي دور التحالف الدولي الباهض الاكلاف على الدول المشاركة فيه، وإعادة التنظيم بناء قدراته التي انهكتها حرب غير متكافئة من حيث العدة والعدد الذي لا يتجاوز 20 الف حسب تقديرات أمريكية بمواجهة عشرات الدول والمجموعات المسلحة التي لا يقل تعدادها عن مائتي الف في سوريا والعراق مدعومة بتحالف جوي من عشرات الدول، من بينها دول عظمى.
في مقابل الاحتمالات الضعيفة لانتقال أو هجرة كبيرة لمقاتلي تنظيم الدولة إلى الساحة السورية، فمن المؤكد ستكون هناك هجرة جماعية لمقاتلي الحشد الشعبي الذي يرتبط بشكل وثيق بالمشروع الإيراني وينفذ السياسات الإيرانية في العراق وسوريا طالما ان إيران ترى ان حماية النظام السوري ومنع سقوطه أولوية من أولوياتها السياسية والأمنية الاستراتيجية.
نتائج وخلاصات:
مع الإقرار بواقع خسارة تنظيم الدولة أكثر الأراضي التي كان يسيطر عليها في سورية والعراق عند تشكيل التحالف الدولي صيف العام 2014، لكنّ التنظيم استطاع الحفاظ على وجوده وسيطرته على بعض المدن والمناطق على الرغم من وجوده في بيئة معادية له، وافتقاره إلى حلفاء دوليين، أو منظمات خارجية داعمة له.
تراجع تنظيم الدولة في العراق وخسارته مدن ومناطق مهمة في إطار زمني متسلسل يقابله خسارات متشابهة في سورية، وإنْ كانت على نطاقٍ ضيق ومحدود.
يستمر تنظيم الدولة بخسارة أراضي سيطرته ومدنه الواحدة تلو الأخرى في العراق؛ في ذات الوقت يقوم التنظيم بالعودة إلى التكتيكات التي كان يتبعها إبَّان فترة تواجده في المعسكرات الصحراوية والتي تعتمد السيارات المفخخة والضربات الخاطفة لأهداف منتخبة داخل المدن أو الهجوم على ثكنات عسكرية أو استهداف شخصيات معادية له في إطار سياسة استنزاف وإرباك خصومه وفرض حالة من عدم الاستقرار الأمني.
يخوض تنظيم الدولة حرب استنزاف يراهن عليها فيما يتعلق بإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية وإيقاع أكبر قدر من الخسائر المادية في الآليات والمعدات محاولا استنزاف الموارد الأساسية التي تراجعت بشكل كبير بعد خفض أسعار النفط الذي يشكل المصدر الأساس لإيرادات الدولة العراقية.
فشل التحالف الدولي بعد عامين من الضربات الجوية والدعم والتدريب والتسليح للقوات الحليفة على الأرض في القضاء على التهديدات الخارجية لتنظيم الدولة التي صعدت وتيرة هجماتها العنيفة، ربيع وأوائل صيف العام 2016، بالعمليات الانتحارية والهجمات المنظمة بالأسلحة الخفيفة في دول عربية وإقليمية وغربية في تسريع واضح في التوقيتات الزمنية لتنفيذ عملياته خارج العراق وسورية.