قال للعسكري الذي اقتحم بيته: اقتلنا كلّنا، ولا تنتهك شرفنا، فأصرّ الأخير على اغتصاب الفتاة أمام أبيها.
وصرخت المعتقلات في الأقبية الموبوءة قائلات: تعالوا اقتلونا خلّصونا من أولاد العار.
وفقد الشابّ قدرته على الحركة بركلة أوقعته على حرف حادّ على رأسه بركلة من الركلات التي كان يتسلّى بها السجان بمعصوبي الأعين.
وفُقئت عينا طبيب، وهو حيّ، قبل أن يُقتل.
وعندما اشتكى أحد المتعقلين للسجان من ألم يقضّ مضجعه، قال له اقترب من نافذة السجن لأحدثك، فلما دنا من النافذة غرز أداة حادة في عينه، أذهبت نورها.
حوادث مؤكدة حصلت في ثمانينيات القرن الماضي في أقبية الإجرام الأسديّ، أقبية الظلم والعار.
لا يمكن لعاقل أن يصدق أن ما كان يجري في الأقبية الموبوءة للأجهزة الأمنية لنظام الأسد كان خافيًا على العالم، فأن يُحكم بالإعدام على مئات الأشخاص في يوم واحد في سجن تدمر الرهيب في ثمانينيات القرن الماضي، ويظلّ العالم صامتًا غيرَ آبه، لا يُتصور أن ردّ فعله هذا، سببه عدم المعرفة، ولكنّ القيم الإنسانية التي صدّع الغرب بها رؤوسنا ليست في موقع الصدارة إذا كان منافسها في الموقع مصالح الدول، وحرصها على حلفائها، أو عملائها حتى لو كانوا رؤساء أنظمة، هي عصابات مجرمة في لَبوس أنظمة سياسية.
ولهذا فإن علينا، ونحن نعرب عن التقدير للتقرير الذي يكشف جرائم نظام بشار الأسد، أن ندرك أن انتهازية العالم كانت عاملًا قرينًا للاستبداد، سهّلت له انتهاك آدميتنا من دون خشية من المساءلة، وأنه إذ يكشف نزرًا يسيرًا منها اليوم، فإنّ كشفه لها ليس إلا إخراجًا لمخبوء لديه؛ لمصلحته هو، وليس انتصارًا للأبرياء، ولا دفاعًا عن القيم الإنسانية.
لا شك أننا ينبغي أن نفيد من هذا الفضح لجرائم القتل، ولكنْ ليس بأسلوب النوح والتذمر من صمت العالم، فلقد كان هذا الصمت ديدنه طوال عهود حكمنا بالحذاء العسكري، وإنما بالتحرك عبر القنوات الرسمية لمحاكمة المجرمين.
ولا ينبغي أن يُلام من تعتمل في داخله عاطفة الحقد على نظام ضيّع عافيته، وزهرة شبابه في ظلمات الأقبية، ولكننا في الوقت عينه لا يجوز أن نسمح لعاطفة الحقد أن تكون ديناميّة محركة للفعل الأساسيّ الواجب اتّخاذه؛ لأن للحقد ميكانيزمًا يشوّه الإدراك، وقد يُفقد حامله البوصلة، وليس ببعيد أن يجعله يستهدف بدائل لهدفه إذا لم يستطع تحصيل حقّه منه.
ولا يبعد عندنا- بسبب تجربتنا الأليمة مع انتهازية مدّعي الدفاع عن القيم الإنسانية- أن يكون من أهداف كشف هذه الجرائم في هذا الوقت تصعيد عاطفة الحقد، التي تّحيل صاحب الحق إلى موتور باحث عن تنفيس حقده بأي وسيلة، فيمسخ قضيته العادلة، ويصبح منظورًا إليه كطرف غير متفوق أخلاقيًا على جلاده.
حسنًا فعلتم إذ كشفتم قتل ثلاثة عشر ألف معتقل، ولكن ألم يكن ملء أسماعكم وأبصاركم قتل مئات الآلاف في حرب يشنّها نظام الإجرام على البشر والحجر؟
ألم يكن ملء أسماعكم وأبصاركم حرماننا من حرياتنا طوال عقود الاستبداد، وامتهان كرامتنا، والدفع ببلادنا خارج التاريخ؟
فلنأخذ حِذرنا من ادّعاءات رفع الغطاء عمّا يعرفونه، ويزعمون اكتشافه الآن، فإننا لما نصبح بعد في نظر الكثيرين في الغرب -في أنظمته ومؤسساته- مؤهلين للتمتع بأبسط حقوق البشر.
رئيس التحرير