تقرير هيومان رايتس ووتش
مُلخص
صاحَب توسع تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”) في العراق وسوريا انتهاكات علنية مروعة. كانت أكثر عمليات الاعتقال والاختطاف الواسعة النطاق على يد الجماعة غير مرئية، ولكن بنفس فظاعة تلك المعلن عنها – خُطف الآلاف من منازلهم، وسياراتهم، وعند نقاط التفتيش، ليُصبحوا في عداد المفقودين. رغم عدم معرفة العدد الكلي للمفقودين، أبلغت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عن أكثر من 8,143 حالة لأفراد اعتقلهم داعش وما يزال مصيرهم مجهولا.
يسلط هذا التقرير الضوء على 27 حالة لأفراد أو مجموعات من الأشخاص الذين اعتقلهم داعش. آخر المعلومات عنهم كانت أثناء احتجازهم لدى داعش، قبل الهزيمة العسكرية للتنظيم. يوثق التقرير حالات نشطاء وموظفي العمل الإنساني، والصحفيين، والمقاتلين ضد داعش من مجموعات مختلفة حكومية ومناهضة للحكومة، بالإضافة إلى السكان المقيمين في المناطق الخاضعة لداعش. في بعض الحالات، رأى الأشخاص عناصر داعش يعتقلون أقاربهم، وفي حالات أخرى، قال محتجزون سابقون إنهم رأوا الشخص المفقود في معتقلات التنظيم.
تنبثق أنماط مختلفة عن هذه الحالات. استهدف عناصر داعش من اعتبروه عقبة أمام توسعهم أو مقاوما لحكمهم. يتضح ذلك في حالة اختفاء نشطاء في الرقة في 2013 أثناء تحضيرات داعش للسيطرة على المدينة. بث اختطاف واختفاء هؤلاء النشطاء الخوف والارتباك، فحيّد ذلك المعارضين العلنيين، وشكّل عبرة لمن فكروا في المقاومة. كما استهدف داعش الصحفيين وكل من اعتُبر قادرا على انتقاد ممارسات “دولة الخلافة” أمام العالم الخارجي.
نادرا ما تلقى الأقارب الذين تواصلوا مع مسؤولي داعش أو زاروا المعتقلات للاستفسار عن أحبائهم أي معلومات، وفي أسوأ الحالات، احتُجزوا هم أنفسهم.
فبراير 11, 2020 Video
ضحايا “داعش” المفقودين
الأولوية لمشاركة المعلومات وحماية المقابر الجماعية
استهدفت عمليات إخفاء أخرى أشخاصا اتهمهم داعش بالعمل أو التجسس لصالح التحالف الدولي للقضاء على داعش بقيادة الولايات المتحدة، أو الحكومة السورية، أو الجماعات التي يقودها الأكراد، بما فيها “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يشكل غالبية “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” (الإدارة الذاتية) بقيادة الأكراد؛ و”مجلس سوريا الديمقراطية”، وهو الهيئة المدنية للسلطات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا؛ و”قوات سوريا الديمقراطية”، الجناح المسلح لمجلس سوريا الديمقراطية، وهو تحالف من القوات المحلية بقيادة الإدارة الذاتية والذي كان مسؤولا حتى أكتوبر/تشرين الأول 2019 عن إدارة المناطق الخاضعة سابقا لسيطرة داعش.
اختفى العديد من الضحايا خلال هجمات داعش العسكرية، خصوصا في 2014 عندما وسّع التنظيم مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرته كثيرا. اعتقل داعش مئات الجنود من القواعد الحكومية بالقرب من الرقة، ورجالا أكراد من قرى بالقرب من كوباني، ورجالا من عشيرة الشعيطات الذين قاوموا التنظيم.
غالبية الذين اعتقلهم داعش كانوا من الرجال، لكن وثّقت “هيومن رايتس ووتش” عدة حالات لنساء اختفين أيضا، منهن ناشطات محليات.
بينما اختفى عدد كبير من غير السوريين على يد داعش، يركز هذا التقرير على السوريين الذين فُقدوا، مع السعي لإبراز أن معاناة العائلات الناتجة عن الغموض وقلة الإجابات تتجاوز الجنسية أو الانتماء السياسي أو العرقي، وأنها مصدر قلق على مستوى البلاد.
ماذا فعل داعش بالأشخاص بعد اعتقالهم أو اختطافهم؟ في بعض الحالات، صور داعش أعضاءه أثناء تنفيذهم إعدامات خارج القانون بحق المحتجزين لديهم. في حالات أخرى، قُصفت المنشآت التي استخدمها داعش كمعتقلات – على يد التحالف الدولي للقضاء على داعش أو التحالف العسكري السوري-الروسي – ما أودى بحياة الجميع باستثناء من فروا أثناء الفوضى التي أعقبت القصف. بالنسبة للآلاف الذين فُقدوا على يد داعش، لا يزال مكانهم ومصيرهم مجهولين.
قالت عائلات المفقودين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا يأملون في أن تؤدي هزيمة داعش على الأرض إلى الحصول بسرعة على معلومات عن أقاربهم. لكن سلسلة من التأخيرات، وانعدام الإرادة السياسية، والتغييرات في سلطات الأمر الواقع وضعت عقبات كبيرة في طريقهم.
في تعقيد إضافي لمجريات الأمور، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، شنت تركيا والأطراف المسلحة السورية غير الحكومية التي تدعمها هجوما على شمال شرق سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد بهدف مزعوم يتمثل في تطهير المنطقة الحدودية التركية-السورية من العناصر الكردية الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين. جاء الهجوم عقب قرار الإدارة الأمريكية بسحب قواتها، ما مثّل ضوءا أخضر لتركيا لبدء الهجمات. بالإضافة إلى النزوح واسع النطاق، أدى الهجوم إلى تغيير في السلطات المسيطرة على الأرض.
في 13 أكتوبر/تشرين الأول، توصل مجلس سوريا الديمقراطية والحكومة السورية إلى اتفاق برعاية روسيا يسمح لقوات الحكومة السورية بدخول مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لدعمها ضد التوغل التركي. في الوقت نفسه، تمكنت تركيا والفصائل التي تدعمها من الاستيلاء على جزء من المنطقة الحدودية الخاضعة سابقا لسيطرة الإدارة الذاتية، بين رأس العين وتل أبيض. سمح اتفاق بين إردوغان، رئيس تركيا، وبوتين، رئيس روسيا في 22 أكتوبر/تشرين الأول لتركيا بالاحتفاظ بهذه المناطق، وألزم القوات بقيادة الأكراد على الانسحاب. كما عزز وجود الحكومة السورية في جميع المناطق الأخرى.
لم يكن واضحا عند كتابة هذا التقرير مدى سيطرة الحكومة السورية، وتركيا، والإدارة الذاتية، والتحالف بقيادة الولايات المتحدة للقضاء على داعش في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، ما صعب أكثر على العائلات معرفة مع من يجب أن يتكلموا، وهدد جهود التعافي.
بغض النظر عمّن يسيطر على هذه المناطق، تظهر هذه التطورات الأهمية القصوى التي يجب أن توليها السلطات لأي خيوط متاحة من شأنها أن توصل إلى الأشخاص الذين أخفاهم داعش.
حتى الآن، لم تُنسق السلطات على الأرض الجهود المحلية المحدودة لتولي هذه القضية الأولوية حتى بين مختلف المناطق التي تقع تحت سيطرتها وضمن صلاحياتها المحدودة. في المناطق التابعة لسيطرة الاكراد على سبيل المثال، أنشأ المجلس المحلي الكردي في كوباني لجنة للمختفين، بينما في الرقة، قال أعضاء “المجلس المدني” التابع للمحافظة إن أجهزة المخابرات كانت مسؤولة عن التحقيق في القضية. تواصلت عدة عائلات مقيمة في مخيمات نازحي الداخل مع أجهزة الأمن والمخابرات الكردية، المعروفة بـ “الأسايش”، لكن الأجهزة لم توجههم إلى السلطات الأخرى ولم تجمع أو تسجل معلومات متعلقة بقضاياهم. غياب نظام أو هيئة مسؤولة لتسجيل ومتابعة حالات المفقودين عند توفر المعلومات يعني اضطرار أفراد العائلة إلى اللجوء إلى معارفهم في مناصب السلطة، والمستشفيات المحلية، والمسعفين المسؤولين عن حفر المقابر الجماعية، أو إلى أطراف غير رسمية. في العديد من الحالات، لم تستجب قوات سوريا الديمقراطية والأسايش لطلبات الأسر للحصول على المعلومات. في بعض الحالات، قدمت هذه الجهات ردودا متضاربة أو غامضة زادت من إحباط العائلات. قال الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن مصادرهم الوحيدة للمعلومات تأتي غالبا من سجناء سابقين رأوا أقاربهم في المعتقلات، أو من أنباء وإشاعات محلية غير مؤكدة.
اكتُشف أكثر من 20 مقبرة جماعية تحوي آلاف الجثث في المناطق التي كانت يسيطر عليها داعش. في بعض المناطق، لا سيما الرقة، بدأت الفرق المحلية باستخراج الجثث، لكن الدعم والموارد المخصصة لجهودها لم تكن كافية. لا تتوفر حماية للمواقع وفقا لأفضل الممارسات الدولية، ما يضر بفرص الأسر في التعرف على أقاربها. في 2018 و2019، قابلت هيومن رايتس ووتش أعضاء من “فريق الاستجابة الأولي” في الرقة، وهو المجموعة المسؤولة عن فتح المقابر الجماعية وانتشال الجثث في جميع أنحاء المحافظة، وراقبوا منهج عملهم وهم يفتحون مقبرة جماعية في ملعب الرشيد في مدينة الرقة. مع أن الفريق يعمل بجد وعناية، فإن أساليبها البسيطة وغياب إجراءات موحدة كان من شأنها أن تهدد معلومات قيّمة تساعد في تحديد هوية المفقودين. في مناطق سيطرة الحكومة السورية، كان بحث العائلات عن أحبائها غير مُجدٍ، رغم احتجاز الحكومة للآلاف من أعضاء داعش واكتشافها مقابر جماعية في مناطق سيطرتها. من بين الذين ما زالوا ينتظرون إجابات من السلطات عائلات مئات من جنود الجيش السوري.
عبّر الأقارب عن معاناتهم من الملاحقة العقيمة للإشاعات، وتلقّيهم وعودا بالحصول على معلومات من وسطاء مشبوهين مقابل المال، وزيارة المعتقلات السابقة على أمل العثور على بعض الأدلة. قال أولئك الذين التقوا بالمسؤولين السوريين إنهم لم يتلقوا أي معلومات، وإنما تكهنات بأن داعش قتل جميع أسراه، أو إنكار شامل لأي معرفة. قالت العائلات لـ هيومن رايتس ووتش إنه إذا قُتل أقاربهم، فهم يريدون دفنهم بشكل لائق لطيّ الصفحة.
كما لم يعالج التحالف بقيادة الولايات المتحدة للقضاء على داعش مسألة المفقودين أو يعطها الأولوية. رغم زيادة الدول المانحة تمويلها لاستخراج الجثث، بما فيها الولايات المتحدة وألمانيا، وإعلان الولايات المتحدة عن مكافأة لمن يمتلكون معلومات بشأن مكان خمس شخصيات دينية سورية بارزة اختطفهم داعش، خصص التحالف موارد قليلة لدعم العائلات لتحديد مصير أقاربها. اعتقل التحالف وقوات سوريا الديمقراطية آلاف المشتبه بانتمائهم إلى داعش وأفراد أسرهم، بمن فيهم الكثيرون في مناصب السلطة، والذين قد يمتلكون إجابات على هذه الأسئلة، ولكن إذا كانت لديهم هذه المعلومات، فلم يشاركوها مع العائلات.
كيفية المضي قُدما
ينبغي لسلطات الأمر الواقع[1] في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى المجالس المحلية المدنية وقوات الأمن تشكيل هيئة مدنية مكلّفة بجمع المعلومات في مناطق سيطرتها عن المختفين تحت حكم داعش. يجب أن تحتفظ الآلية بقاعدة بيانات للمفقودين، بما فيها معلومات الاتصال بالعائلات لتسهيل التحديثات، والتنسيق مع المسؤولين عن حماية المقابر الجماعية وفتحها في المنطقة وكذلك مع سلطات الاستخبارات المسؤولة عن استجواب أعضاء داعش السابقين ممن يمكنهم الوصول إلى الوثائق أو الأدلة. يجب أن تُركّز الهيئة على التواصل مع العائلات داخل سوريا وخارجها. لكل سلطة من سلطات الأمر الواقع، ينبغي لهذه الهيئة التنسيق ومشاركة المعلومات الاستخبارية مع المجموعات الأخرى المسيطرة لإتاحة حصر شامل للمفقودين. حيثما وُجدت مثل هذه الآليات، يجب أن تتحلى بدعم السلطات المحلية لتمكينها من أداء عملها بشكل شامل.
تميّز النزاع السوري بالاعتقال التعسفي المطول والاختفاء القسري لعشرات الآلاف على يد جميع أطراف النزاع. كانت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد مسؤولة عن أغلب حالات الاختفاء هذه. انتهى الأمر بمعظم المحتجزين لدى الحكومة بالاختفاء القسري، ورفضت الحكومة تزويد العائلات بمعلومات عن أماكن أحبائهم أو رفاتهم. تتواصل هذه الانتهاكات رغم استعادة الحكومة جزءا كبيرا من الأراضي التي كانت تسيطر عليها سابقا. كما اختطفت جماعات مسلحة، بما فيها “جيش الإسلام” و”هيئة تحرير الشام”، واعتقلت عددا كبيرا من المدنيين والمقاتلين. حيثما كان ممكنا، ينبغي للسلطات المسيطرة بذل جهود مماثلة لمعرفة مصير الأشخاص المخفيين على أيدي الجماعات المسلحة الأخرى.
في حين لا ينفرد داعش بالممارسة التعسفية المتمثلة باحتجاز، وإخفاء، وإعدام الأفراد خارج القانون، فإن النطاق الذي ارتكب فيه التنظيم هذه الأفعال قد يصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية. يتيح فقدان داعش للسيطرة على الأراضي فرصة لمجموعة من السلطات في سوريا لمحاسبة أعضاء التنظيم على هذه الجرائم وتقديم إجابات للعائلات حول مصير أحبائهم.