ما الذي يريده رامي مخلوف وممن؟
في فيديو – انتشر بسرعة وبشكل كبير بين السوريين – ظهر رامي مخلوف مرتدياً ثوب التواضع والمسكنة والمظلومية، محاولاً تقديم نفسه في لبوس المواطن الصالح، الذي يكد ويجهد من أجل الوطن وخدمة الناس والإخلاص للدولة والتزام القوانين ودفع الضرائب المترتبة، حتى كاد يستجدي عطف المشاهدين ويستجر نخوتهم لمساعدة رمز من رموز البراءة والاستقامة والعمل الصالح. واجتهد كثيراً ليظهر نفسه بمظهر رجل الخير والعطاء الذي أمضى عمره على طريق البر والتقوى، دون أن ينسى ترداد التعابير الدينية؛ ليضفي على شخصه مسحة من الإيمان وهي عدة النصاب لخداع الناس، وكغلاف للرسالة التي أرسلها للمعنيين فردد عدة مرات “بما يرضي الله”
و”العاطي هو الله ” حتى يخيل للسامع أنه في حضرة رجل أفنى عمره في المحراب وعلى سجادة الصلاة، يدعو الله لمصلحة الآخرين، ويعمل من أجلهم.
يتوجه اللص الكبير المحترف إلى شريكه وحاميه وولي نعمته بشار الأسد ” شخصياً ” بنداء: ” أرجوك “، لأنه تعب من ” الطاقم الموجود”. بينما هو المسكين الملتزم “بالتوجيهات والأوامر ” وقام بشرح “الملابسات” وإيضاح ” المعاناة ” التي يعانيها المسكين كرجل أعمال و ” دافع ضرائب ” وقائم بالأعمال” الخيرية الإنسانية” بمواجهة من أبقاهم مجهولين تحت ضمير الغائب (هم). لكنه عندما قال مخاطباً ابن عمته ” السيد الرئيس ” المعني الأول بالرسالة قائلاً ” لن أحرجك ” بدا وكأنه يشير إلى هؤلاء الكبار والمؤثرين في بطانة الحكم وعصابته، أو في مركز القوة الأكبر في القرار السلطوي من الخارج، والذين لا مدخل لهم ولا تأثير عليهم إلا عبر رأس النظام شخصياً.
أثار الفيديو اهتمام السوريين والمعنيين بالقضية السورية واستجر متابعتهم، لا لأنه يكشف جديداً، إنما لأنه يؤشر إلى وضع ما في بطانة العصابة الحاكمة بين جناحيها العسكري / الأمني والاقتصادي / المالي. ويعبر – إلى جانب مؤشرات أخرى عديدة – عن احتدام الأزمة المصيرية التي يواجهها النظام واستفحالها، ووصول ذلك إلى داخل الأسرة. ويظهر اليوم أن لصوص الدول مثل لصوص الحارات، يتفقون عند السعة والراحة واستلاب الغنائم، ويختلفون – إلى درجة العداء والتصفيات – عند الأزمات واقتسام الغنائم. وليس لأحد أن ينفي امتدادات ما يجري على هذا الصعيد باتجاه الخارج والمحتل الروسي على وجه الخصوص. الذي كما يبدو بدأ باعتصار النظام، بعد أن شعر بتهتكه وثقل حمولته، وانعدام إمكانية الاستمرار في تغطيته دون ثمن.
وعندما يتحدث شريك المسار والمصير لبشار الأسد وابن خاله كرجل أعمال على مبعدة من نظام الحكم عن القانون ودعم الاقتصاد وخدمة الناس وإغاثة الفقراء ” بعيداً عن السلطة وإشكالاتها. يبدو وكأنه نسي أنه صاحب التصريح الشهير مع بداية الثورة عندما جعل ” أمن إسرائيل من أمن النظام ” معبراً عما يعرفه الجميع من أنه أحد ذئاب السلطة وأركانها، بعد أن كان أبوه محمد مخلوف، يلعب دور العراب لها بعيداً عن الواجهة.
إن استغاثة لص الجيوب السورية الأكبر بهذه الطريقة وعبر الوسائل العلنية على الهواء، تشي بتعرقل وسائل الاتصال الأخرى أو انقطاعها أو انعدام جدواها. وهو ما يبدو طبيعياً ومفهوماً في ظل الاستحقاقات القادمة أمام النظام، التي تنضح صعوبة ومرارة وخطورة داخلياً وخارجياً. فالغيوم السوداء ما برحت تزداد تلبداً في أجواء النظام ومن حوله في الأجواء الدولية المؤثرة على مصيره.
دمشق في 5 / 5/ 2020