منهل باريش
«القدس العربي»: فشلت جهود الصلح التي بذلتها «الجبهة الشامية» وحركة «أحرار الشام» الإسلامية في مدينة حلب، والهادفة إلى فض النزاع في مدينة حلب الشرقية المحاصرة بين «تجمع فاستقم» من جهة و»حركة نور الدين الزنكي» و»كتائب أبو عمارة» وأمنيي جبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً) من جهة أخرى.
وفي تسجيل صوتي ساخر حصلت «القدس العربي» على نسخة منه، اتهم قائد غرفة عمليات «فتح حلب» العسكرية، الرائد ياسر عبد الرحيم، قائد حركة نور الدين الزنكي في حلب، عمار سلخو، و»كتائب أبو عمارة»، بتفريغ مستودعات الذخيرة ومستودعات الغذاء والمستودعات الطبية والمحروقات التابعة للتجمع في اليوم الثاني لبدء الاقتتال.
ويعتبر «تجمع فاستقم» ثاني أكبر فصائل مدينة حلب التابعة للجيش الحر، بعد «الجبهة الشامية»، ويقدر تعداد مقاتليه بـ 2500 مقاتل، ويرابط على أكثر من 100 نقطة تقريباً في حلب المحاصرة.
ومن المتوقع أن يتجه الوضع العسكري في حلب الشرقية إلى حالة انهيار بسبب رفض «حركة نور الدين الزنكي» و»كتائب أبو عمارة» إعادة الذخيرة إلى «تجمع فاستقم» الذي يعتبر الفصيل الوحيد الذي عزز مستودعاته الحربية والإنسانية داخل المدينة، في حركة استباقية لتوقعات بسيطرة النظام على طريق الكاستيلو وحصار المناطق الشرقية المحررة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة العسكرية.
وعلمت «القدس العربي» من مصدر خاص، أن القائد العام لـ»حركة نور الدين الزنكي»، توفيق شهاب الدين، رفض طلب «حركة أحرار الشام الإسلامية» و»الجبهة الشامية» بإعادة الذخيرة التي سلبها مقاتلوه من مستودعات «التجمع»، والرضوخ لمحكمة شرعية لحل الخلاف، طالباً «عدم ربط الذخيرة بأي حل شرعي للخلاف الحاصل في حلب الشرقية». واقترح في المقابل على وفد «أحرار الشام» نوعاً من التبادل يقضي بأن يسلم كميات الذخيرة في المدينة المحاصرة، على أن يقوم «التجمع» بتسليمه الكمية نفسها في ريف حلب الغربي، معقل الزنكي الرئيسي، وهو وما رفضته حركتا «أحرار الشام» و»التجمع» على حد سواء. وجاء تأكيد ذلك على لسان نائب قائد «التجمع» ملهم عكيدي، في تسجيل مصور بثه المكتب الإعلامي في «التجمع» وحصلت «القدس العربي» على نسخة منه.
وتشير التقديرات إلى نقص كبير في الذخيرة لدى أغلب الفصائل العسكرية في حلب المحاصرة، مما قد يمنعها من الصمود كثيراً خصوصاً مع الاضطراب الحاصل وعدم الثقة المتبادلة بين فصائل الحصار الرئيسية (أي الجبهة الشامية، الزنكي، أحرار الشام، تجمع فاستقم، كتائب ابو عمارة).
وبدأت الفصائل الصغيرة بالإنضمام للفصائل الكبرى في حلب الشرقية بعدما تهددت بنفاد ذخائرها التي استهلكتها في محاولات صد تقدم النظام، فالتحقت كتيبة «أحفاد حمزة» بـ «حركة نور الدين الزنكي» في حلب الشرقية.
وعلمت «القدس العربي» من مصدر مقرب في الفوج الأول، المدعوم من غرفة الـ»موم» أن قطاع الفوج في المدينة سيندمج بدوره بـ»حركة نور الدين الزنكي»، بسبب قرب نفاد ذخيرته أيضاً. فالمبالغ المالية التي يتلقاها لن تمكنه من الصمود فترة أطول، مع نقص الذخيرة وانتهاء المواد الغذائية المخزنة خصوصاً وأن شح الأغذية من أسواق حلب قد يجبر الفصائل الصغيرة أمام مهمة البحث عن طعام لمقاتليها وعوائلهم.
ومن الواضح أن سلوك الفصائل العدائي تجاه بعضها البعض في حلب الشرقية، وشدة القصف الجوي الروسي، واطباق الحصار ومحاولات التقدم اليومية لقوات النظام على كافة المحاور، كلها أسباب ستعجل في حالة الانهيار على جبهات حلب الشرقية. ويأتي غلاء الأسعار الفاحش الذي استفحل في المدينة ليزيد الوضع سوءاً في ظل الفوضى الأمنية واحتراب الفصائل المتنازعة وغياب أي جهة رقابية تلزم التجار بقوائم الأسعار أو تحديدها.
ومن المرجح أن يؤدي نقص المواد الغذائية والطبية أيضاً، وعدم مقدرة الدفاع المدني على الإستجابة لحاجات المدنيين في مناطق كثيرة سيزيد من حدة الكارثة الإنسانية، ويرفع أرقام الجرحى والحالات المستعصية خصوصاً لدى كبار السن.
ويحدث ذلك في وقت أدى تضييق الحصار من الجهة الشمالية إلى إخراج المساحات الزراعية الصغيرة عن السيطرة، حيث بات أغلبها يقع تحت نيران قصف النظام وقرب خطوط الاشتباك، ما يهدد بأن تفقد حلب المحاصرة آخر سلة غذائية محتملة على رغم قلة المساحات الصالحة للزراعة في المدينة.
وعلى غرار ما حدث في الغوطة الشرقية، تعتبر مساحات الأراضي الصالحة للزراعة وإن صغيرة، من أهم مقومات التأقلم مع الحصار. ففي الغوطة ساعدت البساتين وبعض الماشية فيها على صمود الأهالي طوال أربع سنوات من الحصار المطبق، إلى أن تقدم النظام أخيراً بعد اقتتال «جيش الإسلام» و»فيلق الرحمن»، وسيطر على أغلب الأراضي الزراعية في الغوطة الشرقية.
سيناريو اقتتال الفصائل يتكرر اليوم في حلب، مع فارق إن المساحة الزراعية الكبيرة في الغوطة التي أخرت انهيارها، هي اليوم غائبة عن حلب. وإن صمدت الغوطة كل تلك السنوات فان حلب الشرقية بوضعها الداخلي الحالي وهزالة قادتها واقتتالهم ورغبة روسيا الجامحة بحسم المعركة فيها، لن يجعلها تقوى على الصمود شهوراً كثيرة، بحيث لا يبقى أمام الفصائل إلا التفكير في كسر حصارها من خارجها.