وقود وأسطوانات غاز، سكر وفواكه، قطع سيارات وغيرها… عينة من بضائع تنتقل عبر خطوط التماس بين أطراف النزاع في سورية الذين تفرقهم ساحات الحرب وتجمع بينهم الحركة التجارية عبر معابر داخلية تدر عليهم الملايين.
في سورية، كما في كل نزاع، نشأت فئة تعرف بـ «تجار الحرب»، هم أشخاص يستغلون الحرب والحصار وفقر الكثيرين ليراكموا ثروات طائلة. وينشط هؤلاء عبر المعابر التي تربط المناطق المتخاصمة.
ومن أبرز المعابر التي تتم عبرها هذه العمليات، معبر مورك بين محافظة إدلب (شمال غرب) الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى، ومحافظة حماة (وسط) الواقعة بمعظمها تحت سيطرة قوات النظام.
ويقول أبو الهدى الصوراني، مسؤول المعبر الذي افتتح في تشرين الأول (نوفمبر) الماضي: «يُعتبر مورك أقوى المعابر بين الفصائل والنظام من ناحية حركة التجارة»، مضيفاً: «إنه معبر رسمي معترف به منّا ومن النظام، ورؤوس الأموال هي التي تحرك الأمور عليه». وأوضح أنه «جرى افتتاحه بوساطة تجار لهم علاقات مع النظام. المعبر من جهة النظام مُحتكر من شخص واحد» لم يذكر اسمه، إلا أن مصادر عدة، بينها مسؤول في أحد الفصائل وآخر مطلع على حركة مورك، قالت إن هذا الشخص يُطلق عليه اسم «غوار».
وتحدث المصدر المطلع على حركة التبادل التجاري في مورك عن عملية معقدة يقودها «غوار» الذي يُعد «واجهة لتجار كبار ولمسؤولين أمنيين» من جهة النظام.
ويدفع «غوار»، وفق المصدر، بموجب عقد، ما يوازي مليون دولار كحد أدنى لقوات النظام للحصول على حق حصري باستخدام المعبر للتجارة لأشهر عدة. وخلال هذه المدة «تنحصر به كل عمليات التبادل التجاري» على المعبر. ويترتب عليه تحديد الرسوم التي يأخذها كل حاجز للنظام أثناء مرور شاحنات البضائع عبرها.
ووفق المصدر المواكب لعمل المعبر، تدخل إلى مناطق قوات النظام في شكل أساس منتجات محلية مثل الخضار والكمون والكزبرة والفستق واللوز، وأخرى تركية مثل الألبسة والبسكويت. وتمنع الفصائل إخراج بضائع معينة مثل أنثى المواشي للحفاظ على الثروة الحيوانية في إدلب التي تدخلها في شكل أساس المحروقات وأسطوانات الغاز والسكر، بالإضافة إلى بضائع متنوعة من قطع السيارات إلى الفواكه الساحلية.
في الجهة المقابلة، تأخذ «تحرير الشام» حصتها من الضرائب على البضائع المتنقلة. وتحتكر «الهيئة» تجارة السكر الآتي من مناطق النظام، وفق المصدر الذي يقول: «يُمنع على أي أحد تجارة السكر من غير المحسوبين على الهيئة بسبب مردوده الكبير»، كونه مادة لا يستغنى عنها.
في الثامن من تموز (يوليو)، تظاهر أصحاب مقالع الحجارة قرب المعبر احتجاجاً على زيادة الرسوم التي تفرضها الهيئة على شاحنات تقل الحجارة من إدلب إلى مناطق النظام من 400 دولار إلى 1500 دولار للشاحنة الواحدة، ما أجبرها على مراجعة قرارها وتخفيض الضريبة.
ويقول مدير «مركز الدراسات الإستراتيجية» في دمشق بسام أبو عبدالله «في سورية كما في كل الحروب، تنشأ شبكة مصالح بين الأطراف المتنازعة بسبب المنفعة الاقتصادية»، مضيفاً: «نشأت طبقة من المتمولين سواء من هذا الطرف أو ذاك، أو ما يمكن أن نسميه أمراء الحرب».
ويوضح الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي ومقره إسطنبول، إن «تجارة المعابر تعود بمنفعة مشتركة على فرقاء الصراع ممن تحالفوا مع رجال أعمال استغلوا الوضع القائم ليزيدوا من نشاطهم التجاري»، مضيفًا: «من الطبيعي أن تدر الملايين على القوى المسيطرة عليها والتجار الذين يتعاملون عبرها».
وتشكل المعابر، وفق دسوقي، مصدراً مالياً بالنسبة إلى الفصائل المعارضة «خصوصاً مع تراجع الدعم الخارجي لها»، كما للنظام «نتيجة الأرباح التي تحصل عليها قواته والميليشيات الموالية له ليضمن بالنتيجة ولاءها، إضافة إلى استفادة شخصيات تجارية كبيرة مقربة من النظام من عقود الأتاوات».
على بعد نحو 30 كيلومتراً من «مورك»، ثمة معبر آخر حاولت «حركة أحرار الشام» توسيع العمل التجاري عبره للاستفادة من مردوده، لكن هيئة تحرير الشام كانت لها بالمرصاد خصوصاً بعد الاقتتال الداخلي الذي شهدته إدلب بين الطرفين وانتهى بتوسيع الأخيرة نطاق سيطرتها.
ويقع المعبر في ريف حماة الشمالي المؤدي إلى إدلب، ويُعرف بكونه الطريق الذي مرت عبره قافلات مقاتلين ومدنيين تم إجلاؤهم من مناطق عدة إلى الشمال السوري. وتقتصر العملية التجارية عند قلعة المضيق على بضائع تنقلها سيارات صغيرة. ويقول مسؤول أمني في فصيل في المنطقة: «تمنع الهيئة وصول الشاحنات الكبيرة الى المعبر، ليبقى مورك الأول تجارياً».
في الشمال، يُعد معبر الحمران في ريف حلب الشمالي الشرقي الأبرز في المنطقة. ويقع في منبج بين مناطق تسيطر عليها قوات سورية الديموقراطية «قسد»، وأخرى تابعة لفصائل «درع الفرات» المدعومة من أنقرة. ويسيطر فصيل «الجبهة الشامية» على المعبر من جهة «درع الفرات»، لكن الكلمة الفصل لأنقرة.
ويقول مسؤول في الفصيل المعارض على المعبر: «أكثر ما يأتي من منطقة الأكراد الوقود الخام الذي يجري تكريره في منطقتنا»، إذ يدخل يومياً بين 50 و60 صهريجاً، فيما تدخل بضائع تركية على أنواعها إلى مناطق الأكراد.
ويحتفظ الفصيل بلائحة من تركيا بمواد يمنع إدخالها الى مناطق الأكراد وبينها الإسمنت، والحديد، والسماد. فالأخير يتضمن، وفق المسؤول، «مواد كيماوية ويمكن استخدامه في صناعة متفجرات». أما الإسمنت والحديد فلأنهما «يستخدمان في بناء المكعبات الإسمنتية الكبيرة التي توضع كعوائق وللحماية خلال المعارك».