لم يبق مؤمن بروسيا إلا وحاول أن يسوّق أكذوبة ساذجة تقول إن روسيا غزت سورية لتضعف إيران، وتبعد الأسد عن السلطة. ولكن، بعد توطيد قدميها في سماء وأرض الشام، وإنها لا تريد، غير الفوز بامتنان السوريين وشكرهم، ولا تتطلع إلى نيل الحصة الكبرى من الغنيمة السورية، مع أنها هي التي ستفرض الحل المنشود الذي طال انتظاره.
وقد روّجت آلة دعائية قوية لهذه الأسطورة، بعد الزيارة التي أوصلت فشار الأسد إلى موسكو، واستبق محللون كثيرون (لا يحللون ولا يحرّمون) الأحداث، ليؤكدوا أن ورقة الأسد قد سقطت روسياً، والدليل المعاملة الفظة التي خصّه بوتين بها، والكلام التقريعي الذي خصّه به، وأفهمه أن عليه إعداد نفسه لترك السلطة، وأن رحيله صار وشيكاً… إلى آخر ما يبدو أن هؤلاء سمعوه بأنفسهم، وكأنهم شاركوا في الجلسة التي جمعت محب السوريين بوتين وفشار المسكين، الممسوك من رقبته الطويلة.
وقد أكد هؤلاء صحة “تحليله” ببرهان قاطع، هو اتصال بوتين مباشرة بعد اللقاء بقادة السعودية وتركيا ومصر وأميركا، ليزف لهم النبأ السعيد، وإلا لماذا يتصل بهم، إذا كان لا يريد أن ينقل لهم بشرى طال انتظارهم لها (!). وزاد من اقتناع المروجين بصحة أضاليلهم دعوة وزراء أميركا وتركيا والسعودية إلى لقاء مع لافروف في فيينا، حيث سيبلغهم بحدوث الاختراق المنشود للحل السياسي، أعني رحيل الأسد، وتاليا بالاستجابة “للاتفاق” مع واشنطن الذي أدخل الروس عسكرياً إلى سورية، بإذن أميركي، كي يطبقوه، وينص على إضعاف إيران وترحيل الأسد.
ومع أن بوتين صرح، بعد لقائه فشار، أن بحث وضعه غير ممكن، قبل تحقيق انتصار على الإرهاب، أي على الجيش الحر، وأضاف إلى تعقيدات الموقف الروسي من الحل السياسي قوىً زعم أن نجاح هذا الحل يرتبط بموافقتها هي “القوميات والأقليات السورية”، وبدد جميع أوهام الذين يعلقون آمالهم على تبدلٍ يصيب موقف الكرملين من الأسد ونظامه، فقد اعتبر بعض من حضر مؤتمري الحوار السوري/السوري في موسكو كلامه ضرباً من تغطية مقصودة، من غير الجائز التوقف عندها على حقيقةٍ لا يرقى إليها شك، هي قراره ترحيل فشار، وتلبية مطلب السوريين في الحرية والأمان.
واليوم، وبعد أن أكد لقاء وزراء الخارجية في فيينا عكس ما يروجه المضللون بشأن موقف روسيا، وبعد أن ظهر جليا تمسك موسكو بفشار ونظامه، وإصرارها على إنقاذه بأي ثمن روسي، لا يبقى من خيار أمام المدافعين عن وطنهم من السوريات والسوريين غير التمسك بأولويتهم الوطنية، المتمثلة في صد وردع الاحتلال والعدوان الروسي، وتدمير مقوماتهما وركائزهما في بلادهم، بالنظر إلى أن صدهما وردعهما شرط الوصول إلى حل سياسي، يتفق مع وثيقة جنيف ومطالب الشعب السوري المشروعة في التخلص من الاستبداد ونيل الحرية. وبالتالي، شرط أي تغيير في موقف بوتين وحاشيته السياسية من التدخل العسكري في سورية، ومن الحل السياسي الذي دأبت موسكو على رؤيته من ثقب ضيق جداً، ربط القضية السورية بتشعباتها وتعقيداتها بمصير الأسد، أولويتها المطلقة التي تعلو على أية أولوية أخرى، وضمانتها التي لا ضمانة لديها غيرها التي تكفل مصالحها، وتفسر إقدامها على غزو سورية، وانتهاكها القوانين والأعراف الدولية، وضربها عرض الحائط بمعارضتها الشرسة في مجلس الأمن أي تدخل خارجي في سورية.
تمسك بوتين بأولويته: إنقاذ الأسد ونظامه. ولم يترك لنا غير التمسك بأولويتنا: صد عدوانه وإخراجه والأسد من بلادنا.
العربي الجديد 25/10/2015