رسالة سياسية
عن الأحوال السورية والتطورات الجارية في محيطها الإقليمي والدولي
أولاً: أوضاع المناطق السورية:
أ-منطقة إدلب: منذ اتفاق آذار بين الروس والأتراك، لا تزال ما تسمى بمنطقة خفض التصعيد الرابعة، مسرحاً لجرائم طيران الاحتلال الروسي وهجمات النظام التي لم تتوقف. فالتصعيد الروسي المتكرر يأتي كرسائل نارية لجهات عديدة، لكنه يكشف عمق الأزمة مع تركيا، التي أججها احتدام التنافس العسكري بينهما سواء في ليبيا أو في شرقي المتوسط وصولاً إلى الصراع في إقليم (ناغورني كاراباخ)، كما كشف بوضوح خفايا العلاقة المفخخة بينهما، وفتح الباب أمام مقايضات جديدة قد تخدم مصالح الطرفين.
ب- المنطقة الجنوبية:شكّل انقلاب النظام على اتفاق التسوية الذي رعته روسيا في درعا تموز 2018، فاتحةً لسلسلة من التطورات الأمنية والسياسية اللاحقة، كانت من أبرز نتائج عودة النظام للسيطرة عليها، إضافة لتردّي الخدمات العامة ، وتدهور مستوى المعيشة مما أسهم في خلق أوضاع مأساوية دفعت العديد من المقاتلين لشن هجمات على مراكز النظام وفروعه الأمنية، وانتشار حوادث الاغتيال والخطف المتبادل باضطراد مع تحول مدن الجنوب إلى بؤرة لميليشيا حزب الله وإيران وما زاذ التوتر حدةً ؛ هو دخول الفرقة الرابعة وحصارها للمدن والبلدات واقتحام بعضها، وارتكاب المزيد من الجرائم ولاسيما بعد صراعها مع الفيلق الخامس . شكل هذا المشهد المضطرب البيئة المحفزة لانطلاق موجات من الاحتجاجات الشعبية شملت معظم بلدات الجنوب تنديداً بجرائم النظام وحزب الله وايران وتعبيراً عن تزايد الاحتقان والغليان الشعبي، مما شكل قلقاً كبيراً لروسيا التي باتت تخشى من خروجها عن السيطرة، ومن تزايد النفوذ الإيراني فيها، الأمر الذي يخل بالتزاماتها أمام إسرائيل ويفتح الباب لتطورات في غير صالحها.
ج-تطورات المنطقة الشرقية: تعكس التطورات الأمنية والسياسية في هذه المنطقة -بحكم موقعها الهام وغناها بالثروات الاستراتيجية- مزيجاً معقداً من الصراعات. فالقصف الإسرائيلي لمواقع إيرانية في بادية ديرالزور وعلى الممر الإيراني بين العراق وسوريا، يترافق مع مواجهات روسية إيرانية تمتد من “الميادين” حتى “البوكمال”، ومع هجمات لتنظيم الدولة ضد قوات “قسد” وميليشيا “الدفاع الوطني” في بادية “العشارة” وفي “عين عيسى” بريف الرقة والتي تشهد الآن مواجهات عسكرية بين فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا وقوات “قسد”، ويأتي ذلك بعد فشل مساعي الإدارة الأمريكية لتوحيد القرار الكردي، في توجه جديد لإخراج عناصر العمال الكردستاني من دائرة القرار.
د-مناطق سيطرة النظام: تسود مناطق سيطرة النظام حالة من الفوضى والفلتان الأمني تحت سطوة الميليشيات المتصارعة، حيث ترتفع فيها معدلات الجريمة من قتل وخطف وسطو مسلح واغتصاب وأعمال نهب وسلب مع انتشار واسع لأعمال السمسرة وتجنيد المرتزقة تمتد من السويداء جنوباً إلى طرطوس واللاذقية مروراً بدمشق. وماتزال تداعيات الصراع الداخلي ضمن الحلقة الضيقة للسلطة تلقي بثقلها في عموم المناطق الساحلية، إضافةً إلى كل مظاهر الصراع الروسي الإيراني الممتد من الجنوب حتى المنطقة الشرقية والذي يعبر عن نفسه بمواجهات مسلحة بين الفرقة الرابعة الموالية لإيران والفيلق الخامس المدعوم من روسيا.
ثانياً:شؤون العملية السياسية
١- لم يشهد الملف السوري تحركات جادة من أجل حل سياسي، وهناك حالة من الجمود والميوعة السياسة، وتضاؤل ملموس في الجهود الدولية لإنهاء الأزمة، أما الصراع بين قوى الاحتلال فيجري وفق حروب بالوكالة بين ميليشيات سورية نيابة عن القوى المتدخلة والتي يزداد حرصها على عدم التصادم المباشر فيما بينها، وبدا أن حل الأزمة السورية غير مرهون بالتوافق الدولي فقط، بل أصبح الملف السوري برمته مرتبطاً بنتائج الصراع الإقليمي في كل من لبنان والعراق واليمن وليببا، وبملف التطبيع مع إسرائيل .
٢-الضغط الدبلوماسي من قبل الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي “بيدرسون” لتفعيل عمل اللجنة الدستورية لا يتعدى إبقاء هذا المسار على قيد الحياة لمنع الروس من تجاوزه. فبعد جولات ثلاثة فاشلة انعقدت الجولة الرابعة للجنة الدستورية لبحث ( المبادئ الوطنية ) التي أصر عليها وفد النظام وقبلت بها بقية الأطراف وتحديد موعد الجولة الخامسة في كانون الثاني وأيضاً تحت عنوان مبادئ دستورية ، واللافت هو قبول ما يسمى بوفد المعارضة تقديم المزيد من التنازلات لوفد النظام لتمكينه من مواصلة تقطيع الوقت وإضفاء الشرعية على عمل اللجنة .
٣-عقب الإعلان عن سريان قانون قيصر (17 من حزيران الماضي) , باشر الروس حملة دبلوماسية وسياسية واسعة شكلت مجموعة من اللقاءات مع شخصيات سورية وممثلين عن الطوائف والإثنيات في العديد من المناطق السورية, وكذلك مع بعض رجال الدين المسيحي والاسلامي لتشكيل حاضنة سياسية داعمة لتوجهاتهم ومحاولة لتركيب بعض المنصات الإضافية لإدخالها في العملية السياسية . لقد عكست زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، خشية موسكو من توسع رقعة الاهتراء لسلطة حلفيها الأسد، ورغبتها في تثبيت مكاسبها الاقتصادية وتفعيل الاتفاقات المشتركة مع النظام، والعمل على ضبط أدائه سياسياً في حدود التحرك الروسي ، لكن الأهم هو حجز حصتها من مليارات الدول المانحة لإعادة الإعمار لصالح شركات روسية تدور في فلك مافيات السلطة بزعامة بوتين .
ثالثاً: تطورات أوضاع النظام
منذ عام 2019 صُنفت “سوريا الأسد” كأفقر بلد في العالم, ومع تعطل كافة قطاعات الاقتصاد واستمرار نزيف الموارد المحدودة, والانهيارات المتسارعة للعملة الوطنية وما خلفته من ارتفاع جنوني لأسعار السلع والخدمات وتدمير القدرة الشرائية للمواطنين, والانتشار الواسع لظواهر البطالة والفقر والجوع, لم يعد لنظام الأسد أية حوامل اقتصادية تساعده على البقاء في الحكم وإدارة شؤونه وتلبية احتياجات المواطنين في مناطق سيطرته. حدث كل هذا التراجع والتدمير الممنهج للبلاد والعباد ليس بفعل الحصار ولا من عقوبات قيصر التي يتذرع بها الاسد, بل تنفيذاَ لشعار (الأسد أو نحرق البلد) إن مجاعة السوريين وإذلالهم تجد وجهها الآخر في تركز ثروات البلاد بأيدي أزلام الأسد من تجار الحروب والأزمات وزعامات المافيا والشبيحة , بعد أن استبدل سيادة القانون بسيادة الفساد مما حدا بمنظمة الشفافية الدولية تصنيف (سوريا الأسد) في المرتبة “178” في قائمة تقريرها السنوي عن مؤشرات الفساد التي شملت “180: دولة حول العالم. أما سلطة الأسد فقد أصبحت في حالة من انعدام الوزن والفاعلية أكثر من أي وقت مضى. ومع ظهورعلامات التصدع في دوائر حكمه، أما علامات انهيار منظومته العسكرية فقد عكسها تهميش دوره العسكري والسياسي, بعد أن تحولت أدوات قمعه إلى ميليشيات متعددة الولاءات تتصارع فيما بينها حول الغنائم ،. ولعل في هذه المآلات ما يثبت حقيقةً باتت راسخة بأن التدخل العسكري الروسي الذي انقذ النظام من السقوط لم يتمكن من ابعاده عن دائرة الخطر، لكنه ثبته على حافة الهاوية .
رابعاً: الأوضاع المعيشية والانسانية
في ظل واقع البؤس المعيشي والانساني الذي يكتوي به السواد الأعظم من المواطنين وفي أعقاب انهيار اقتصادي و مالي عجز النظام حلفائه عن وقفه, يمارس النظام لعبته المفضلة في قلب الحقائق ويستميت اعلامه في اعطاء الانطباع بأن لديه دولة مؤسسات لها حضورها وفاعليتها ولم يمنعها الحصار من مواصلة تقديم خدماتها للمواطن, والمواطنون يجاهدون اليوم حتى للحصول على ربطة الخبز التي تضاعف سعرها عدة مرات في السوق السوداء وعلى علبة السجائر الوطنية التي بلغت قيمتها كثر من 1500 ل.س, مع انخفاض غير مسبوق في مداخيل الناس ووقوعهم في دائرة الفقر التي شملت 90% منهم و اصبحت معاناة السوريين مركبة ومعقدة وتنطوي على كل الوان الاذلال, جنباً إلى جنب مع اتساع دائرة الاصابة بجائحة الكورونا, والحرائق المستعرة التي تلتهم الاحراج والغابات والأراضي الزراعية, وقد أكد تقرير برنامج الغذاء العالمي مؤخراً أن السوريين يواجهون أزمة جوع غير مسبوقة, مع وصول التضخم الى مستويات عالية, وأن (9,300,000) منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي,
مؤخراً عادت إلى الواجهة من جديد أزمة المشتقات النفطية وخاصة مادتي البنزين المازوت بعد قرار وزارة النفط تخفيض مخصصات السيارات, وهو ما أعاد مشهد طوابير الانتظار لساعات طويلة أمام محطات الوقود في معظم محافظات القطر ، ويتحدث العارفون عن أزمة مازوت كبيرة على ابواب الشتاء القادم حيث تنعدم المؤشرات عن نهاية قريبة لأزمة المحروقات, بسبب احجام روسيا وايران عن تزويد النظام بها. إن مخاطر أزمة المحروقات كونها ستمتد إلى كل مفاصل الاقتصاد وخاصة قطاعات الزراعة والصناعة والنقل إضافة الى اهميتها في تغذية الافران وبعض المعامل الحيوية, ويؤدي تفاقمها لفترة طويلة الى هزة اقتصادية عميقة وعنيفة .
الوضع في الساحتين العربية والإقليمية
يتعقد المشهد السياسي في الساحة الإقليمية ويزداد توتراً وخطورة. ويعاني عالمنا العربي من فراغ سياسي كبير، وتدهور هائل في قدرته على الفعل في الشرق ألاوسط. والجيوش الميليشيوية الموالية للخارج تتغول على سيادة عدد من الدول العربية. يتصارع على تعبئة الفراغ العربي، واقتسام النفوذ فيه، لاعبون دوليون وإقليميون. فبالإضافة إلى اللاعب الإسرائيلي، منهمكة إيران بمشروعها التوسعي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكذلك تركيا تعمل على خطى طهران، وقد برزت روسيا على الساحة الإقليمية كلاعب إقليمي ودولي من خلال تدخلها النشط في سوريا. أميركا وبعض الدول الأوربية لا تتنازل عن مصالحها في منطقة حيوية ، وتزخر بثروات هائلة من النفط والغاز والممرات المائية الدولية. وبطبيعة الحال تبقى حماية إسرائيل ركناً حاضراً ودائماً في سياسات وتحركات الدول الكبرى بما فيها روسيا. استغل المتدخلون جميعهم ومن مواقع متناقضة ثورات الشعوب العربية على انظمتها القمعية، كذريعة لتدخلهم تحت يافطة محاربة التطرف والإرهاب، الذي كان لهم الدور الأكبر في زرعه في صفوف الثورات السلمية.
1-الوضع اللبناني: يترنح لبنان، تحت وطأة أزمة سياسية كبرى، وأزمة اقتصادية ومعيشية خانقة. ولقد تفاقمت هاتان الأزمتان إلى هذ الحد غير المسبوق بسبب سيطرة حزب الله على البلد وحكومته وعلى قرار الحرب والسلم فيه. فسلاح حزب الله خارج إطار الدولة هو العائق الأكبر أمام أي حل للقضية اللبنانية الراهنة. ولقد أدت هذه السيطرة في مجال السياسة الخارجية والداخلية والدفاع والاقتصاد، إلى انفجار انتفاضة شعبية عارمة، تطالب بالتغيير الجذري للنظام القائم على الفساد والمحاصصة الطائفية والإقطاع السياسي. وأوصل الانفجار الكبير في مرفا بيروت لبنان إلى حافة التلاشي والسقوط. ما حدث لم يكن سوى جريمة موصوفة، ارتكبتها الطبقة الحاكمة بحق الشعب والوطن، بغض النظر عن أسباب الانفجار ونتائج التحقيق.. وحتى الآن لم تفضِ المبادرة الفرنسية لخروح لبنان مما هو فيه إلى أية نتيجة. ولا تزال عُقَد حكومة الإخصائيين أو التكنوسياسيين، واقتسام الحقائب الوزارية، وتوريث “الحقائب الوازنة” أو تدويرها بين الطوائف، مسيطرة على جو التأليف إلى الأن. كان يُقَطَّع الوقت إلى ما بعد الانتخابات الأميركية والآن يستمر التقطيع إلى ما بعد استلام بايدن.
2-الوضع العراقي: تلوح في العراق إرهاصات تحرره من النفوذ الإيراني. ومن أهم معالم المرحلة العراقية الراهنة، خروج وتمرد الشعب العراقي على نظام المحاصصة الطائفية واستباحة هيبة وسيادة الدولة ونهب المال العام. فلم يعد يتحمل هذا الشعب زيف الطبقة السياسية، ورأى بأم عينه مألات ونتائج اختلافات وصراعات الهويات تحت الوطنية، واهتدى بعد تجربة سبعة عشر عاماً، على معالم الطريق التي تًخْرِج العراق، من مستنقعه السياسي والاقتصادي والمعاشي الغارق فيه. وكانت المفارقة أن يكون ميدان الانتفاضة في المناطق الشيعية في جنوب العراق ووسطه حتى بغداد. وهذا ما لم يكن يتوقعه حكام طهران، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يركز في خطابه السياسي على إعادة الهيبة والسيادة للدولة العراقية، والقضاء على السلاح الخارج عن إطار الدولة، ومحاربة الفساد ونهب المال العام، وعودة العراق لمحيطه العربي. إن تحرر العراق من النفوذ الإيراني المتغلغل سياسيا واجتماعياً وعسكرياً فيه، ليس بالمهمة السهلة ويتطلب خوض مواجهة شاقة وقاسية، ولكن لم يبق غيره خياراً وحيدا أمام شعب العراق.
3- الوضع الإيراني: يتعرض ملالي إيران لضغوط داخلية هائلة. ومن أهم أسباب هذا الغضب الشعبي المتواتر على النظام إضافة إلى استبداده المتوحش، إصراره على مواصلة مشروعه القومي الطائفي التوسعي، وسياساته الخارجية القائمة على تصدير الثورة والمد الحيوي الفاشي، وامتلاك السلاح النووي. فيعاني الشعب الإيراني كثيراً من جراء هذه السياسات المكلفة والتي تحتاج لأموال طائلة، ومن الحصار الخانق المضروب على إيران، ومن الأزمة الاقتصادية والمعاشية الطاحنة، ومن وباء الكورونا ، ولقد أدت هذه المعاناة إلى ازدياد الاحتجاجات الشعبية في المدن والأقاليم الفارسية وغير الفارسية. وتسود أيران ظاهرة الاغتيالات والانفجارات الضخمة والحرائق في مواقعها الأمنية ومراكز أبحاثها النووية، فيبدو أنها تعاني من اختراقات أمنية كبيرة. وكذلك تعاني دولة الملالي من الضربات الإسرائيلية لقواتها وميليشياتها في سورية. وهي على صراع غير معلن مع حليفها الروسي ، إيران تعرف تماماً مدى كلفة خسارتها للعراق وسورية وحزب الله خط دفاعها الأمامي في لبنان، التي تعني فشل مشروعها المذهبي القومي الشوفيني في المنطقة. ولذلك عادت تستخدم مجدداً لعبة داعش (جوكرها المفضل)، لإرباك الحكومة العراقية الحالية، وتبرير بقائها في العراق تحت يافطة “الحرب على الإرهاب”. وكذلك لجأت إلى استنفار موالينها من ميليشيات الإسلام السياسي السنية مثل حماس والجهاد الإسلامي وغيرها.
4-الوضع الخليجي: من أهم مستجدات المشهد الخليجي في الفترة الأخيرة عقد ما دعي باتفاق السلام والتطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين. وبالنسبة إلى الحرب في اليمن ، فهي في حال مراوحة وكرٍ وفر. والعلاقة بين كلٍ من السعودية والإمارات والبحرين مع قطر لا تزال على حالها رغم مشاريع الوساطة، تحاول الإمارات أن تلعب دوراً إقليمياً في المنطقة، وتعتمد في ذلك، مثل قطر،على نفطها وأموالها ومناطق تجارتها الحرة. فهي على توافق نسبياً في سياساتها الخارجية مع المملكة العربية السعودية، وتعبر أحياناً عن مواقف سياسية لا تريد السعودية أن تعلن عنها. أما فيما يتعلق بدوافع اتفاقي السلام بين كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل فلا تحملان الكثير من عنصر المفاجأة. ولا يعتقد أن هذين الاتفاقين قد تمَّا بدون التنسيق مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي. ولربما هناك دول عربية أخرى خليجية أو غير خليجية على هذا الطريق
5- الوضع الليبي : لا يزال حال ليبيا معقداً ومستعصياً على الحل السياسي إلى الآن. يتكاثر المتدخلون ذوو المصالح المتناقضة فيها ، فهي عدا عن امتلاكها للثروات النفطية الهائلة، تتميز بموقعها الاستراتيجي الهام، وقريبة جداً من قواعد حلف الأطلسي. ولقد تشابكت مع الأزمة الليبية أزمة أخرى جوهرها أيضاً الصراع على النفط والغاز والحدود البحرية في شرق المتوسط بين تركيا وقبرص واليونان ومالطة ومصر وليبيا. وسارعت تركيا إلى عقد اتفاقية مع حكومة الوفاق في طرابلس على رسم الحدود البحرية مع ليبيا، لتيسير تدخلها هناك.
لقد وصل الوضع الليبي إلى مستوى شديد الخطورة بعد التدخل التركي المدعوم بالمال القطري. حيث أخذت تركيا ترسل الطائرات والمرتزقة وانخرطت في المعارك العسكرية الدائرة هناك إلى جانب حكومة السراج وفصائل الإسلاميين المتطرفين. وهذا ما أدى إلى توتر شديد في كل من مصر وتونس وفرنسا واليونان. عقد الجانبان الكثير من الاجتماعات بحضور مندوبة هيئة الأمم المتحدة في بوزنيقة المغربية وبرلين وجنيف وتونس، وتوصلا إلى نقاط اتفاق على وقف إطلاق النار وحل الميليشيات وخروج القوات الأجنبية من ليبيا، وبحث الفترة الانتقالية والدستور وطبيعة النظام.
6- الوضع التركي: انخرطت تركيا في السنوات الأخيرة بشكل نشط في حملات وتمددات عسكرية، تحمل في طياتها طموحات توسعية وأمبراطورية في أكثر من منطقة في العالم العربي، وشرق البحر المتوسط والقوقاز. فإلى جانب تواجدها العسكري في شمال غرب سوريا، متورطة بتدخل شبه دائم في شمال العراق. ولتركيا قاعدة عسكرية في الصومال وقاعدة في قطر، وتحاول أن تجد لها موطئ قدم في كلٍ من اليمن وتونس ولبنان. ومنهكمة في دعم حرب بالوكالة في ناغورني كراباخ إلى جانب الأذربيجانيين ضد أرمينيا. وتلقى سياساتها الخارجية في ليبيا وشرق المتوسط معارضة شديدة من اليونانيين والقبارصة وموقفاً حاداً من الفرنسيين. وعلى العموم الموقف الأميركي من السياسة التركية ملتبس وغير واضح، يتراوح بين النقد والتفهم وغض النظر.
تطورات المواقف الدولية من القضية السورية
1-الموقف الأميركي
جعل قانون قيصر وإدخاله حيز التنفيذ في 17 حزيران 2020، القضية السورية في دائرة الاهتمام الأمريكي. فهل يؤشر هذا إلى تغيير جذري في سياستها تجاه سورية بعد اللامبالاة التي اعتمدتها الإدارتان الأمريكيتان السابقة والحالية؟ فالولايات المتحدة الأميركية لم تكن تعطي اهتماماً لما يجري في سورية ولم تجعله من أولوياتها. وكذلك يبدو أن مصلحتها لم تكن في تغيير النظام، وكانت سياساتها تنصب على إدارة الصراع فيها والتحكم بخيوطه وإطالة آمده . إن قانون قيصر الذي عملت عليه نخبة من السوريين في الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع مؤسسات أمريكية ذات صلة ومع أعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكيين هو التحرك الأميركي السياسي والحقوقي والإنساني الأهم منذ عام 2011 حتى اليوم .
يبدو أن واشنطن تسعى إلى ترسيخ تواجدها الدائم في سوريا لتكون لها اليد الطولى في رسم الخريطة الجيوسياسية الجديدة في سوريا مستقبلاً، وفرض إرادتها في الحل السياسي. فمؤخراً أنشأت مطاراً جديداً وقواعد عسكرية في المنطقة الشرقية، وعززت وجودها العسكري. وكذلك كانت هناك الصفقة الأمريكية المبرمة مع ” قسد” لاستثمار النفط بهدف إحكام سيطرتها على النفط السوري وإبعاد القوى المتنافسة في سوريا مثل روسيا وإيران وتركيا.
مع ذلك لا يزال الموقف الأميركي إلى الآن يسوده بعض الغموض ، لكنهم يركزون على عدم تغيير النظام وإنما تغيير سلوكه والضغط عليه وعلى حلفائه من أجل الدخول بالحل السياسي عبر جنيف وفق قرار مجلس الأمن 2254.. ونعتقد أن الوقت لم يحن بعد لحل الأزمة السورية، وأن كل ما يجري من اجتماعات وتصريحات هو لتقطيع الوقت ريثما تتسلم الإدارة الجديدة مهامها ويتم التفاهم على الحل السياسي.
2-الموقف الروسي
استطاعت روسيا منذ تدخلها العسكري في سورية في أيلول 2015، وحتى اليوم فرض إرادتها السياسية والعسكرية في القضية السورية؛ فأمسكت سياسياً بخيوط قرار النظام والتفاوض بدلاً عنه في المحافل الإقليمية والدولية . لكنها وصلت اليوم إلى نهاية الطريق، وتنتظر اليد الأمريكية لمباشرة الحل السياسي. فبالرغم من الدعم اللامحدود الذي قدّمته للنظام لمنع انهياره ، ورغم إصرارها على إعادة تأهيله ، إلا أنها فشلت في ذلك ، كما فشلت في اقناع المجتمع الدولي في تأمين الموارد المالية لإعادة الإعمار، وكذلك في مسألة عودة اللاجئين .
روسيا اليوم أمام واقع جديد، فهي تعاني من مأزق كبير في سورية، استشعرت خطره الحقيقي على مصالحها وعلى مستقبل وجودها في المنطقة، فالطريق أصبح أمامها مسدوداً في إعادة الشرعية لنظام الأسد، وللخروج من هذا المأزق يبدو أنها تحاول مواجهته بمقاربات جديدة في تعاملها مع الملف السوري، فهي تسعى لتلافي السقوط غير المحسوب للنظام، وبالتالي سقوط جميع أحلامها ومطامعها ومصالحها في سورية وخارجها. فتعمدت موسكو عدم إظهار إي خلافات مع حليفيها التركي والإيراني، وعدم تعليقها على تطورات مهمة مثل الاتفاق العسكري بين إيران ونظام الأسد، كما عينت سفيرها في سوريا “ألكسندر يفيموف” ممثلاً رئاسياً لبوتين في سورية، هذا ما يعني أنّ “سورية الأسد” أصبحت تحت الانتداب الروسي المباشر، والمفاوض على حاضرها ومستقبلها. وجاءت زيارة لافروف الأخيرة مع وفد اقتصادي كبير من أجل إنعاش نظام الأسد كي لا يموت، والحفاظ على المكتسبات، وأخذ الحصة الأكبر من الكعكة السورية. ومؤخراً عقدت مؤتمراً فاشلاً في دمشق من أجل عودة ” كريمة” للاجئين والهدف محاولة لجلب الأموال لإعادة الإعمار وبالتالي فك الحصار على نظام الأسد وتثبيت شرعيته.
في الجوهر لا يوجد أي تغيير في السياسة الروسية اتجاه الملف السوري، لكن هناك تغيير في الاليات لتمرير مخططاتها وفرض رؤيتها للحل السياسي في سورية. فالمراوغة الروسية أصبحت مستهلكة ومكشوفة ولن تجديها نفعاً. فهي أمام خيارين إما أن تستمر في دعمها لنظام الأسد المتهالك، وهذا ما يعني استنزاف وخسارة محتّمة لها وخاصة ما بعد قانون قيصر. أو أن تقود بنفسها وضمن تفاهمات دولية وإقليمية، عملية إنهاء حكم الأسد، والعمل على التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254.
3-تطور الموقف الأوربي
جدد الاتحاد الأوروبي، -في مؤتمر بروكسيل والرد على مؤتمر عودة اللاجئين،- تأكيده على أن “الحل المستدام للصراع السوري”، لا يمكن أن يقوم إلا على بيان جنيف (2012)، وقرار مجلس الأمن 2254.” ودعمه للجهود الدؤوبة التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، غير بيدرسون، من أجل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن. وإنه يجب ألا تمر الجرائم الجماعية التي ارتكبت في سورية بلا عقاب. وتهيئ هولندا ملف شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد نظام الأسد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية. ومؤخراً عبرت عن عدم شرعية أي “انتخابات” يجريها الأسد ولن تعترف بنتائجها
وإن الاتحاد سيواصل دعم وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب سوري والدول المجاورة لها التي تستضيف طالبي اللجوء. والعمل من أجل التوصل إلى حل سياسي في سورية.
دمشق 6 /12 / 2020
اللجنة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري