ويهدف النظام من خلال الهجوم الأخير، إلى قطع الطرقات الواصلة بين مدينتي داريا ومعضمية الشام، بغرض إحكام الحصار على داريا، ونشر قوات برية وإقامة نقاط متقدمة جنوبي الساتر الترابي الفاصل بين المدينتين. وقد عملت قوات النظام طوال الأشهر الأخيرة على تضييق الحصار على مدينة داريا لمنع وصول المواد الغذائية لمن تبقى فيها، ومنع وصول المؤازرات العسكرية للمعارضة من معضمية الشام.
وكان النظام قد فرض على أهالي مدينة معضمية الشام، في تموز/يوليو 2015، إقامة ساتر ترابي يفصلها عن داريا، وهددهم في حال الرفض بالقصف بالبراميل المتفجرة ومنع إدخال المساعدات الغذائية. وتحت ضغط المدنيين في المعظمية، اضطرت المعارضة للقبول بوضع الساتر، حفاظاً على حياة عشرات الألاف من المدنيين في المعضمية.
وتهدُف عملية قوات النظام الأخيرة، إلى إبعاد قوات المعارضة عن محيط مطار المزة العسكري. وذلك بعد أن تقدمت المعارضة في الجهة الشرقية من داريا، في آب/أغسطس، خلال عملية “لهيب داريا”، والتي استعادت فيها كتلاً سكنية متاخمة للمطار، كانت قوات النظام قد سيطرت عليها.
ولم يتوقع النظام أن يكون المقاتلون في داريا قادرين على الوقوف مجدداً في وجه تصعيده العسكري الجديد رغم استخدامه لأسلحة متطورة من مثل الإسطوانات شديدة الإنفجار والصواريخ الموجهة من قبل الطيران الروسي الذي يغطي المعركة جواً.
وكانت قوات النظام قد كثفت خلال الشهور الثلاثة الماضية، غاراتها على المناطق المتاخمة للمطار، مستعملة النابلم الحارق، وملقيةً عشرات الحاويات المتفجرة والبراميل، لتدمير تحصينات المعارضة.
قائد “لواء شهداء الإسلام” في داريا النقيب أبو جمال، قال لـ”المدن”: “المعركة صعبة جداً في ظل ظروف الحصار القاسية، ما صنع مقاتلين أبطالاً مبدعين مدربين على خوض أشرس المعارك في مختلف الظروف”. وأكد أبو جمال أن معنويات مقاتلي المعارضة مرتفعة رغم الظروف الكارثية، بينما “معنويات ميليشيات الأسد في الحضيض”.
أبو جمال توقّع استمرار محاولات قوات النظام لاقتحام داريا، مؤكداً أن النظام لم يتعلم من فشله في دخول المدينة على مرّ سنوات: “ميليشيات النظام ستعاود الكرّة، وسترمي بالجنود والضباط في المحرقة غير آبهة لمصيرهم”.
ويذكر بأن مدينتي داريا ومعضمية الشام، محاصرتان منذ ثلاث سنوات، ولم تصل إليهم أي مؤازرة عسكرية من الجنوب السوري، أو بقية مناطق الريف الغربي، على الرغم من إعلان عشرات المعارك لفك الحصار، التي كانت بمجملها وهميّة، ولم تُقدم للمدينتين شيئاً.
أبو جمال توجه إلى المعارضة المسلحة في ريف دمشق الغربي، قائلاً: “التاريخ يسجّل ويؤرّخ معارك الشرف والبطولة على أرض الشام، وعليكم أن تحجزوا مكاناً مشرفاً لكم في هذا التاريخ، وإلا فإنّ وجودكم وعدمه واحد. إخوانكم المحاصرون في داريا والمعضمية بأمسّ الحاجة لفك الحصار عنهم”.
وداريا هي أكبر مدن ريف دمشق الغربي، وتمتلك موقعاً استراتيجياً لالتصاقها بدمشق، وتتمركز حولها أهم الوحدات القتالية في قوات النظام كـ”الفرقة الرابعة” و”الفرقة الأولى” وعدد من ألوية المشاة والمدفعية التابعة لـ”الفرقة السابعة”. كما أن المدينة ملاصقة لمطار المزة العسكري و”إدارة المخابرات الجوية” والطريق الدولي درعا-دمشق، وفروع لـ”الأمن العسكري” وعشرات الحواجز ومساكن الضباط. ما جعل النظام لا يوفّر جهداً للسيطرة على المدينة، وقد عرض على مسلحيها الهدنة أو الخروج على غرار ما حصل في حمص، لكنهم رفضوا لعدم ثقتهم بالنظام ولأنهم يعتقدون بأن هذه العروض هي حيل للسيطرة على المدينة فحسب.
الناشط المدني في داريا، معتز مراد، قال لـ”المدن”: “لم تكن المصالحات حلاً سياسياً أبداً إنما كانت فترات زمنية لتسكين المناطق ريثما يحسم النظام الأمور عسكرياً في مناطق أخرى أكثر إشتعالاً”. وأضاف مراد بأن حلول النظام أمنية بحتة، بقيادة أجهزة الأمن لا من قبل جهات الدولة السياسية، ويظهر ذلك جلياً في التخويف واستغلال حاجات الناس الأساسية كالطعام والأمان.
وتعيش في مدينة داريا قرابة ألف عائلة حتى الآن، تقضي أغلب أوقاتها في الملاجئ والأقبية نتيجة القصف المكثّف، في أوضاع كارثية نتيجة الحصار والنقص الشديد في الطعام والأدوية. علماً أنّ عدد سكان المدينة قد انخفض من 250 ألفاً حتى 12 ألفاً جرّاء الحرب.