جحيم إدلب!
يحتدم الصراع الإقليمي والدولي في مناطق شمال غرب سوريا (محافظة إدلب وريف حلب الغربي)، بين أطراف محور أستانا، تركية من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى، وذلك على حساب دم الشعب السوري ومستقبله . وهم يتلاعبون بمصير البلاد والعباد بصورة فظة، بما يخدم أجنداتهم الخاصة. ويمارسون بحقّ السوريين إلى جانب النظام أبشع الجرائم وحشية والتي لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً. مستخدمين كافة صنوف الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً في قتل البشر واقتلاع السكان من بيوتهم وتدمير القرى والمدن والبلدات الخارجة عن سيطرتهم. فعلى مدى أشهر تعرض ريف إدلب الجنوبي والشرقي لحملة إبادة جماعية غير مسبوقة، نفذتها غارات العدوان الروسي والأسدي. بحيث تواصلت عمليات القتل والتدمير والقصف، وتوالى سقوط الشهداء والجرحى من المدنيين، ولوحق المهجرون الذين فرّوا من الموت واستهدفوا بالطائرات على الطرقات، وفي المخيمات، وحتى الأضرحة والقبور لم تسلم من النبش والتدمير، وتم حرق جثث الشيوخ بعد قتلهم على أيدي قطعان النظام والميليشيات الإيرانية الطائفية الحاقدة.
وسط هذا الجحيم تتواصل معاناة المدنيين ويصبح المشهد الإنساني أشدّ كارثية متجاوزاً حدود الوصف بعد أن انهارت كلّ مقومات الحياة، حيث دمرت المشافي والمدارس والأسواق الشعبية ومراكز الدفاع المدني ودور العبادة ولم تنجُ حتى الرموز الدينية والثقافية من هذا المصير، كما تستمر المأساة الإنسانية بتهجير مئات الآلاف من أهالي ريفي إدلب وحلب، في أكبر عملية نزوح منذ بداية الثورة قبل تسع سنوات، وسط بربرية وهمجية طيران الاحتلال الروسي والنظام، اللذين يطبقان سياسة الأرض المحروقة على تلك المناطق بمئات الغارات ومئات البراميل المتفجرة يومياً مخلفين قرى وبلدات ومدن مدمرة بشكل كامل. ما يدفعُ آلاف العائلات نحو المجهول والعراء مفترشين الطرقات وتحت الأشجار التي باتت تضيق بهم، وسط البرد والصقيع والجوع وانعدام وسائل التدفئة. ما أدى إلى موت العشرات من الرضع والأطفال من شدة البرد.
لقد تماهى الروس مع النظام بكلّ ممارساته الوحشية، بل تفوقوا عليه، حيث لم يتركوا واحدة من جرائم الحرب الموصوفة إلا وبرعوا في ارتكابها. حتى أصبحت إدلب مرادفاً للموت والجحيم.
تجري حملة بوتين على ادلب تحت نظر وسمع العالم، غير مبالٍ بأي رد فعل على جرائمه المرتكبة، وفي ظلّ صمت وتواطؤ المجتمع الدولي، وعجز وخذلان العالمين العربي والإسلامي رسمياً وشعبياً. وموقف باهت من أوربا ومؤسسات الأمم المتحدة يتراوح ما بين التنديد والقلق مما يجري في إدلب. لكنه من الناحية العملية يبقى كلاماً في الهواء، غير ذي فاعلية لوقف المذبحة المفتوحة.
يجري كلّ هذا الإجرام والتوحش الروسي بقيادة وتوجيه من بوتين بذريعة تطبيقه لتفاهمات آستانا وسوتشي ومحاربة الإرهاب، بينما هو في الواقع استهداف للمدنيين لقتل أكبر عدد منهم وتهجيرهم وتدمير مدنهم وبلداتهم أملاً في أن يفتح ذلك مجالاً للتغيير الديموغرافي في إدلب الذي يعمل عليه في الواقع محور الأسد وملالي طهران. لكن هدف الروس ليس السيطرة على الطرق الدولية M4وM5 فحسب، بل السيطرة على كامل جغرافيا المنطقة عبر سياسية القضم التدريجي، وبالتالي تحجيم الدور الإقليمي التركي في سوريا، وهو جوهر الصراع الروسي التركي الآن، أملاً في إنهاء دورها السياسي في القضية السورية، ومن هذه الزاوية يفهم التصعيد الإعلامي والسياسي والعسكري التركي دفاعاّ عن مصالحه وأمنه القومي في المقاوم الأول.
ونظراً للجرائم التي يرتكبها الاحتلال الروسي والإيراني وعصابة الأسد في سوريا، وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لابد ن مطالبة الرأي العام العالمي ومنظماته الحقوقية والأمم المتحدة بضرورة مساءلتهم وإحالتهم إلى المحاكم الدولية، واتخاذ التدابير العملية لإنقاذ شعبنا من هذه الوحشية التي لم يتعرض لها شعب في التاريخ المعاصر. وهذه مسؤولية أممية نادى بها المتظاهرون في إدلب مؤخراً.