عندما وضعت مجلة غربية صورة أسماء الأسد على غلافها الخارجي تحت عنوان وردة في الصحراء كانت تشير من طرف خفي إلى تصحر سوريا، ولعل هذا المعنى اللازم عن المعنى المباشر لم يكن موضع اختلاف بين عاقلَين بخصوص الجدب الذي أصاب سورية بفعل نظام الأسد الأب ووريثه، ولكن هذا المعنى المستنبط من العبارة يطرح القضية الأهم، وهي رغبة السيدة الأولى بوصف مملكتها الجديدة بأنها صحراء قاحلة وبتصوير بشائر الربيع بتبرعمها هي كوردة في هذا الجدب.
لعل سليلة البرجوازية المدينية تعرف في أعماقها المستنقع الذي تحولت إليه سورية بسلوك العائلة الأسدية، وتملك يقينًا بتفوقها الحضاري على الشخص الذي ارتبطت به ولا يغير من هذا اليقين كونه رئيسًا ابن رئيس.
ولكن سلوك البرجوازية المدينية الذي كان عبر المراحل المختلفة سلوكًا تتغالب فيه الوطنية مع الانتهازية أصبح مع وردة الصحراء سلوكًا لا محلّ فيه سوى للانتهازية الصرفة بعد أن بعدت الشقة بين الأجيال وغابت القيم الو طنية لمصلحة الثقافة الاستهلاكية، وبعد أن فرضت قوانين الطبيعة على النبت الجديد أن يتكيف مع طبيعة التربة التي استنبت فيها وهي طبيعة مسمومة لا تفرز إلا نتنًا.
وبعيدًا عن حقيقة نجاحها في الاستيلاء على موقع القرار بعد ر حيل منافستها شديدة البأس أنيسة مخلوف وبعد استغلالها أول فرصة سانحة لفرض وجودها بعد مقتل الحريري وتقديمها خدماتها للنظام باستثمارها علاقاتها وعلاقات أسرتها من أجل تخفيف الضغوط الهائلة التي فرضت على زوجها ونظامه وبعد تمكّنها من إقصاء رامي مخلوف عن موقع النفوذ الاقتصادي بتخطيط يثير الإعجاب.
نقول بعيدًا عن كل هذا، فإن سلو ك وردة الصحراء بعد انطلاق ثورة السوريين جعل تصنيفها يستعصي على قدرة أي مصنف، فقد أبقت من السلوك البرجوازي الموروث فقط على سمته التافهة في الاستهلاك التبذيري، بينما أُشربت جذورها التي ترسخّت في التربة الجديدة عفن هذه التربة عندما أيدت كل جرائم قرينها، ولم يرفّ لها جفن والبراميل تقع على رؤوس الأبرياء والقتلى تحت التعذيب يتحدث عنهم القاصي والداني.
ولم تكتف بذلك بل لقد عبثت بالمفاهيم العصرية من ديموقرا طية وريادة، وجعلت منها جسرًا لتلميع صورة قبيحة، ولجني ملايين الدولارات من الجهات المانحة لمشاريع لا يمكن لها أن تعيش في مكان واحد مع نظام ابتلع الدولة والمجتمع.
في الجهة المقابلة كان الوافد الجديد الى عالم السياسة قد قدم من بيئة شعبية فقيرة ومن أرومة قبلية كان ديدن أنظمة البعث المتعاقبة تهميشها وتشويه صورتها وتد جينها.
كان قد بزغ من وسط الصحراء القا حلة وكان تبرعمه بفعل معاناة عاشها مع قاطني هذه الصحراء،ولم يكن بفعل نفوذ مالي وشركة علاقات عامة تصنع الأوهام وتبيعها، وقد صد ح صوته المفتوح الجميل بأناشيد الكرامة والحرية وسط ساحات الثورة السلمية وحلّق في آفاق أبعد عندما استمر يغني لثورة الكرامة في ساحات القتال التي قضى فيها شهيدًا ثابتًا على إيمانه بالثورة وغاياتها النبيلة.
وبينما تصدرت صورة أسماء غلاف مجلة غربية غطت صورة الساروت جدران شوارع في مدن غربية، وبينما دخل الساروت التاريخ كثائر يغني للحرية خر جت أسماء من التاريخ بمسخ صورة البرجوازية الوطنية بعد أن دنّستها في وحل الفساد والجريمة.
تحوّلت من سمّت نفسها وردة الصحراء إلى نبت سرطاني يبدع في اختراع أساليب النهب، وتحوّل نبت الصحراء الطبيعي إلى وردة تنشر عبقها في وجدان كل ثائر، وقد كان تبيّن الفرق بين روح عظيمة تبحث عن الخلاص وروح فقيرة تلوّثها المصلحة المادية واضحًا لكل متأمل، فقد فجّر الصدق أناشيد خالدة عبّر عنها البدوي البسيط، بينما رشح عن الزيف خطاب لا يكاد أحد يذكر جملة واحدة منه.
ماتت النبتة الطبيعية في أرضها، وهي تغني لسوريا الحرة وتناشد من أنبتتها أن تزفّها بثوب الشهادة، وعاشت الوردة الشيطانية على جثث الأطفال المختنقين بالكيماوي، وعلى آهات الثكالى اللواتي فقدن فلذات أكبادهن في أقبية الجريمة.
رئيس التحرير