في الثامن عشر من آذار تدخل ثورة الكرامة والحرية عامها العاشر، وهي ثابتة على أهدافها العظيمة والمشروعة على الرغم مما واجهه الشعب السوري الثائر من قتل وتدمير وتهجير، على يد نظامه الاستبدادي وحلفائه الاقليميين والدوليين، بشكل لم يتعرض له شعب أخر منذ الحرب الكونية الثانية، ومن خذلان وتجاهل لمآسيه من المجتمع الدولي ودوله الفاعلة، تجاهل لم يعد كافيًا أو مقنعًا تبريره بتدويل الصراع وتعقيداته وتضارب المصالح والنفوذ، ولا حتى بضعف المعارضة واستقطاباتها وتحالفاتها. فانتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي والقانون الدولي الانساني فاقت أي حالة معروفة.
خرج السوريون في ثورتهم طلبًا للحرية والكرامة في مواجهة نظام استبدادي، أذاقهم على مدى عقود شتى صنوف القمع والتضييق والفساد والإفساد والإفقار الممنهج، ثورة غير نمطية، بدأت سلمية بأهداف وشعارات وطنية جامعة، قابلها النظام ومنذ أيامها الأولى بخيار أمني عنيف، وسعى لتدويل الصراع باستدعائه ايران وأذرعها الميليشياوية من لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية ثم الروس بالعام 2015.
إن توجه النظام هذا كان من أهم عوامل دفع الثورة نحو التسلح والعسكرة، وبمقدار ما كانت ترتفع وتيرة عنف النظام وحلفائه، كانت تغيب الفاعليات المدنية للثورة لصالح العسكرة، ومع توسع دائرة الدول المتدخلة في الصراع على الجانبين، ازداد الصراع تعقيدًا، وتحول إلى صراع في سورية وعليها بين الدول المتدخلة على مناطق النفوذ والسيطرة ، حتى باتت سورية فريسة أربعة احتلالات، غيرت في طبيعة الصراع ومآلاته، وتحول السوريون في المآل إلى أدوات في صراع الوكالات الدائرة بين الدول المتدخلة.
منذ البداية اختلفت أهداف وأجندات الدول التي باتت تحتل سورية في الصراع الدائر، فإيران أرادت منذ تدخلها المبكر والواسع هزيمة الثورة، وتثبيت النظام كما كان، لأنها ترى فيه ضمانة مصالحها في سورية، ويخدم مشروعها التوسعي في المنطقة، في حين أن الروس الذين تأخر تدخلهم العسكري والمباشر بعد أن عجز الإيرانيون والنظام عن هزيمة الثورة، فقد جاء بحثًا عن مقايضات مع الغرب في الملفات الشائكة بينهما بخاصة الملف الأوكراني وملف العقوبات و عن نفوذ على قدر ما تسمح به صراع الإرادات الدولية، وقد حاول الروس تثمير انجازاتهم العسكرية منذ استعادة حلب الشرقية نهاية العام 2016، إلى إنجاز سياسي من خلال انجاز تسوية تلائم رؤيتهم وأهدافهم عبر مساري أستانة وسوتشي وتعطيل مسار جنيف لكن دون جدوى، نظرًا لمعارضة الولايات المتحدة والغرب ولهشاشة تحالفها مع الطرفين الايراني والتركي، أما الطرف التركي الذي حاول أن يكون طرفًا فاعلًا في المعادلة السورية حاضرًا ومستقبلًا، فإن ارتباكاته وتردده وتقلباته السياسية وهاجسه الكردي المبالغ فيه، قد أفقدته لحد كبير الدور الذي كان يطمح له، وهو ماض في حالة تراجع منذ حلب إلى مناطق خفض التصعيد وأخيرًا إدلب، التي اصبحت نقطة محورية في الصراع وموضع اهتمام القوى المتصارعة على الساحة السورية وفقًا لنتائجها وتداعياتها.
أما الولايات المتحدة وهي أكثر الدول تدخلًا في الملف السوري على عكس ما يوحي به ظاهر الأمور، فقد حدد رئيسها السابق باراك أوباما استراتيجيتها التي اتسمت بالغموض في التعامل مع الثورة السورية، عندما وضع قاعدته الأثيرة والقاتلة أن لا حسم عسكري للصراع، الأمر الذي وسع في مدى الصراع وتداعياته المأساوية، وهي إذ غضت الطرف عن التدخل الإيراني وتاليًا الروسي، بغاية استنزاف الأطراف الداخلية والخارجية والتحكم قدر الإمكان بالحل النهائي، اكتفت حتى الآن بتعطيل الخيارات الايرانية والروسية كأستانة وسوتشي، ودون أن ترمي بثقلها لتفعيل مسار جنيف المستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة وآخرها القرار 2254.
عند هذا المنعطف من مسار الصراع، لا يبدو أن الحل السياسي بات قريبًا، ليس لتعقيدات الصراع وترابط ملفات المنطقة المفتوحه وحسب، بل لأن الطرف القادر على تسهيل الحل ليس مستعجلًا من أمره، مادامت عملية استنزاف بقية أطراف الصراع لم تستنفذ بعد، ويرى بداية ضرورة إخراج بقية أطرافه من معادلاته واحدًا تلو الآخر، وقد بدأ وشريكته إسرائيل عملية الضغط الاقتصادي المكثف والعسكري المتواتر على إيران لإجبارها على الانسحاب من سورية، بعد أن استنفذت مرحلة غض الطرف عن تدخلها غرضها.
عند هذه العتبة من الصراع بات السوريون موضوعًا للصراع، فالنظام أضحى رهينة داعميه الروس والإيرانيين وهو عاجز عن التحكم والسيطرة بدونهم، وكذلك المعارضة رهينة داعميها، لدرجة أن الأتراك يرسلون السوريين للقتال في ليبيا، وذات الأمر يفعله الروس دون اعتراض النظام، وبذلك يتحول هؤلاء موضوعيًا بقرار تركي وروسي إلى مرتزقة، كما أن المعارضة التمثيلية ليست بأفضل حال وهي في حالة تراجع وفقدان وزن، منذ أن ارتضت المشاركة في مسار أستانة، حيث فقدت تدريجيًا قرارها المستقل وبالتالي شرعيتها الداخلية، بذات القدر الذي فقدت فيه اهتمام الدول الفاعلة، عندما عجزت أو تاهت بفعل مشكلاتها البنيوية وأنانية بعض أطرافها عن التمييز بين التحالف والتبعية، ولعل الأسئلة الملحة باتت تدور حول الكيفية التي يمكن أن تواجه بها استحقاقات المرحلة، سواءً بإعادة النظر بآليات عملها ومراجعة تحالفاتها، أو بفتح الطريق أمام قوى تمثيلية بديلة وهو الأجدى وفي مصلحة الثورة، فلربما تستطيع القوى الجديدة استعادة بعضًا من قرارها، وأن تدير تحالفاتها وطرائق عملها وعلاقتها بالشعب الذي خرج بالثورة بطريقة مختلفة.
إن من يعتقد بفعل حملة التيئيس التي تقودها قوى الثورة المضادة أو بفعل مراوحة الصراع وانعدام المخارج، بأن الثورة قد هزمت، هو واهم، فصحيح أن الثورة وبفعل إرادة دولية ظالمة، مازالت بعيدة عن تحقيق أهدافها، على الرغم من التضحيات الأسطورية التي قدمها هذا الشعب على طريق حريته، إلا أن ما تحقق ليس بالقليل، وسوف تظهر نتائجه مستقبلًا، وأن سورية لن تعود إلى ما كانت عليه تحت وطأة الاستبداد وتغوله، وأن الشعب الذي كسر حاجز الخوف وثار في وجه أعتى نظام استبدادي، سوف يبقى وفيًا لسيرته الأولى في الثورة حتى تحقيق أهدافه بالحرية والكرامة في سورية ديمقراطية لكل مواطنيها.
تحية لأرواح الشهداء
عاشت سورية حرة وديمقراطية
دمشق في 17/3/2020 الأمانة العامة لإعلان دمشق
للتغيير الوطني الديمقراطي