الامانة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري
تشهد المدن الجزائرية، منذ أسابيع، حراك شعبي وانتفاضة زاخرة بحشودها الهائلة، أتت شرارتها حينما رشحت ما يسميها الجزائريون ” جماعة الصندوق الأسود” المتسلطة بوتفليقة المشلول على كرسيه لعهدته الخامسة.
إن ما يجري في الجزائر منذ شهرين، حدث تاريخي بكل المقاييس. يهدف إلى رحيل منظومة الحكم المستبدة والفاسدة التي حرمت الشعب الجزائري منذ استقلاله حقوقه وحرياته ونهبت ثرواته وخيراته الهائلة، ورفع المنتفضون شعار التغيير الجذري للنظام والتأسيس للجمهورية الثانية ودولة المواطنة والقانون دولة الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة.
إن التقدم السريع والمتنامي لانتفاضة الشعب الجزائري، ينبع من حفاظها على وحدتها وسلميتها، ومن نأيها عن العصبوية والتخندق الأيديولوجي، ورفضها للخطاب الديني، وتركيزها على الخطاب الوطني الديموقراطي. وعلى الرغم من وحدة وتقاطع المنطلقات والأهداف والمعاناة التاريخية بين الانتفاضة الجزائرية وأخواتها في البلدان العربية الأخرى، إلا أنها استلهمت الكثير من دروسها وصيروراتها وأخطائها. فتمسكت بالخيار السلمي وعدم الانزلاق إلى العنف، وحرصت على وحدة الشارع المنتفض خلف مطالبه في التغيير. وعدم إفساحها في المجال للتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وبقدرتها على إغلاق الباب أمام محاولات النظام لتقسيم الشارع، وتصديها لكل مناوراته للالتفاف عليها وإجهاضها. وكذلك تمكنت من استقطاب معظم الشعب الجزائري في كل مدنه وأنحائه رجالاً ونساءً، شباباً وكهولاً وشيوخاً، وحظيت بدعم ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات، حيث كان دورها بارزاً وقوياً في الانتفاضة.
لقد نجحت الانتفاضة حتى الان في تحقيق بعض أهدافها؛ فتمكنت من فرض الكثير من التراجعات على النظام، كما نجحت في إحداث الانقسامات في صفوفه وتوسيع الانشقاقات في دوائره والأحزاب الموالية له. وهي ما تزال تتصدى لمناورات والتفافات النظام على الانتفاضة التي ما تزال قائمة ومستمرة، ومتمسكة برحيل النظام ورموزه عن المشهد السياسي والتوافق على مرحلة انتقالية وهيئة رئاسة مؤقتة لتشكيل حكومة كفاءات تحضر لانتخابات تشريعية وفق قانون انتخابٍ جديد وهيئة مستقلة للإشراف عليها. وكان آخر إنجازاتها بيان استقالة بوتفليقة. ولكن تبقى الخشية قائمة من احتمال تدخل المؤسسة العسكرية التي تتمسك بالخيار الدستوري المزعوم لمواجهة الحل السياسي التوافقي. وعليه يجب أنهاء دور الجيش الوطني في الصراعات السياسية، وأن تكون مهمته حماية حدود وأمن البلاد، وحماية الدستور ومؤسسات الدولة. في كل الأحوال ما يسر الخاطر في المشهد الجزائري حتى الآن هو عدم الانجرار إلى العنف لا من قبل المنتفضين ولا حتى من قبل النظام الحاكم. فيبدو أن الطرفين ماتزال أمام أعينهما ذكريات عنف نهايات القرن الماضي المرعبة. إن الشعوب العربية تنظر الآن إلى مشهد جزائري حضاري مدني يجري فيه حوار وتبادل الرسائل السياسية بشكل سلمي بين الشعب ونظام الحكم. عسى أن يكون هذا المشهد درساً مفيداً لكل شعوب منطقتنا وأن يكون تركيزها في نضالاتها على تأسيس المجتمعات المدنية الطاردة لمجتمعات القبيلة والعشيرة والعائلة والنابذة الاستقطابات الدينية والمذهبية والإثنية المولدة لحروب الهويات والتطرف.
إننا في حزب الشعب الديمقراطي السوري نعلن تضامننا ووقوفنا مع انتفاضة الشعب الجزائري، وقبلها انتفاضة شعب السودان، حيث يشكلان معاً انطلاقة جديدة وواعدة للربيع العربي. فقد فتحت موجته الثورية الثانية بزخمها العارم الآفاق واسعةً، أمام نضالات الشعوب العربية من أجل تحقيق أهدافها في بناء الدول الديموقراطية الحديثة. ولقد خيب ما يجري في هذين البلدين من مظاهرات سلمية مليونية ظن الكثير من المحللين السياسيين، الذين بشروا بانكفاء هذا الربيع وشككوا بأهدافه الموضوعية والتاريخية. ويُمثِّل هذان الحدثان الكبيران ضربةً كبيرة لقوى الثورة المضادة، التي بذلت كل ما بوسعها بمساعدة حلفائها الإقليميين والدوليين، لوأد وإطفاء جذوة هذا الربيع وإبقاء الاستبداد جاثماً على شعوب المنطقة.
دمشق أوائل نيسان 2019
الأمانة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري