بالأمل والألم، نستقبل الذكرى العاشرة لانطلاقة ثورة شعبنا المجيدة ضد عصابات القتل والإجرام والفساد التي يديرها سفّاح دمشق وحلفاؤه من الغزاة والمحتلين. ورغم المآسي والأهوال التي يكابدها شعبنا في كل مكان، لا يسعنا، ونحن نحتفي بهذه الذكرى الغالية على قلوب السوريين، إلّا أن نجدد العهد بالوفاء لدماء شهدائنا، مؤكدين لهم تمسُّكنا بقيم الثورة وأهدافها، وإصرارنا على المضيّ قدماً في دروبها الوعرة مهما طال الزمن وعَظُمَتْ التضحيات، حتى تحقيق تطلعات شعبنا بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
نستقبل هذه الذكرى اليوم بعد مضي عقد من الزمن، وشعبنا ما يزال يتعرض لأبشع جرائم الإبادة والتدمير والتهجير، ويُسامُ أبناؤهُ كل ألوان القهر والظلم والإذلال، على يد نظام الكيماوي والبراميل المتفجرة. فما زال يتفنَّنُ في إجراءات حرمان شعبنا من فرص البقاء على قيد الحياة، وسط انهيار اقتصادي ومالي كارثي أوصل الملايين من السوريين إلى لُجَّة الفقر والعوز والبرد والمرض وحافة مجاعة حقيقية، إلى جانب كل أشكال التنكيل وصولاً لسرقة لقمة عيشهم وسحق كرامتهم. بات السوريون عشية هذه الذكرى ينظرون بقلقٍ بالغ للمآلات التدميرية التي وصلت إليها البلاد على أيدي تحالف الطغاة والغزاة، ويستشعرون مخاطر مستقبلٍ محفوف بالمزيد من المآسي والنكبات، وهم يواجهون التحديات المصيرية التي تحيط بهم وببلدهم من كل حدب وصوب، مهدِّدةً وحدة البلاد ووحدة شعبها أيضاً.
أما ما تبقى من نظام آل الأسد، فقد قطع شوطاً عميقاً في منحدر الاهتراء والتآكل الذاتي، وانتهى إلى عصابة حولت سورية إلى دولة فاشلة تتصارع فيها المافيات حول مصالحها المتضاربة. وتحولت السلطة من عصابةً لإدارة أجهزتها القمعية، إلى واجهة سياسية لقوى الاحتلال، بعد أن باع ورَهَنَ أصول البلاد ومرافقها، ووضع مواردها ومقدراتها في أيدي الاحتلالَيْن الروسي والإيراني. لقد أصبح يدور في حلقة مفرغة بعد أن وصل إفلاسه النقدي إلى درجة عجزه عن حل مشكلة حتى رغيف الخبز. ها هو اليوم يصدر أوامره السلطانية في كل اتجاه، بحثاً عما تبقى في جيوب من سحقهم، عبر قرارات ومراسيم هَمَايونيِّة، يسعى من ورائها إلى تأمين مستلزمات بقائه في مواجهة السوريين جميعاً، بعد أن أدرك أن انقاذ الشعب السوري من محنته، يتطلب انصياعه لعمليةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ تستوجب رحيله.
تأتي هذه التطورات، وسط حالة مزرية تعيشها فصائل المعارضة السياسية والعسكرية، بعد أن فقدت شرعيتها الشعبية والتمثيلية، بسبب إضاعتها البوصلة الوطنية والثورية. فتحولت إلى أداة لتنظيم المصالح الفئوية والشخصية وإدارة تقاطعاتها مع الأجندات الدولية والإقليمية، بعد أن نَخَرَ الفساد والمحسوبية جميع مؤسساتها التي باتت تعمل لخدمة المشاريع الخارجية بعيداً عن أهداف الثورة وتطلعات الشعب السوري، وتحول بعض فصائلها العسكرية إلى ميليشيات مرتزقة، وبندقية للإيجار، لزَجِّها في صراعات إقليمية، ألحقت الأذى بمصالح السوريين وثورتهم. تأتي أيضاً هذه التطورات، بالتزامن مع حالة من الاحتقان والغليان الشعبي الذي يسود معظم مناطق سيطرة النظام وحلفائه حيت الفوضى والفلتان الأمني، لاسيما في الجنوب السوري، ويخشى حليفه الروسي من أن يشكل هذا التطور تهديداً لمخطط الأسد الانتخابي، الأمر الذي دفعهما لتوفير أجواء التهدئة عبر جولة جديدة من التسويات والمصالحات الخلَّبية، وتقديم الوعود الكاذبة بتحسين مستوى الخدمات ووقف الملاحقات الأمنية وإطلاق المعتقلين في كل من درعا والسويداء. بالتوازي مع تشديد القبضة الأمنية لمنع الناس من تنظيم الاحتجاجات ضد ترشيحه. كما يتولى الحليف الروسي مهمة تسويق نتائج انتخاباته عبر البوابة الإسرائيلية، لتأمين استمراره في السلطة مقابل استعداده لتقديم كل أشكال التنازل.
لقد شكلت البيئة الدولية والاقليمية، حافزاً مغرياً للأسد وحلفائه للإمعان في التمادي على حقوق الشعب السوري، والإصرار على تعويم حكمه بمهزلة انتخابات تبقيه على صدر السوريين سبعة أعوام أخرى. فما زال التخلي الدولي والتواطؤ الأممي، وحجم الخذلان المخزي للشعب السوري، يشكل القاع العميق لاستمرار نظام الأسد، وإطالة أمد الصراع. ومن الواضح أن لدى الإدارة الأمريكية الجديدة ما يشغلها من ملفات داخلية كثيرة، حيث لا مكان للأزمة السورية في أولوياتها. ولئن كان من المبكر الحكم على توجهاتها التي لم تتبلور بعد، إلّا أنها تبدو وكأنها تحذو حذو الإدارات السابقة، الاستمرار قي محاربة داعش واستنزاف أطراف الصراع ومنع الروس من تحقيق أهدافهم، وتطبيق القرار 2254، الذي يسعى الروس لتجاوزه. وما زال هناك غياب للإرادة الدولية لحل الأزمة، ما يسمح للأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع على سوريا –وخاصة محور “استانا“-، بالاستمرار في سياسة توسيع مصالحها، الأمر الذي يزيد من مخاطرها وتداعياتها، وينذر بفصول جديدة من الصراع وربما يولد حروباً متجددة يدفع فواتيرها الشعب السوري. كما يعتبر الروسي، أن اي تنازل أمام الولايات المتحدة في الملف السوري، يشكل خسارة استراتيجية لهم، مما يفقدهم فرصتهم في إعادة الاعتبار لملفاتهم الخلافية مع الغرب، وهم يتمسكون بـ “الأسد” بعد أن أصبح بقاء نظامه واحداً من مرتكزات حضورهم في المنطقة.
بقي أن نقول: عشية هذه الذكرى، ونحن نستحضر ما يعانيه أبطال الحرية من ألوان العذاب والموت في مسالخ النازية الأسدية منذ عشر سنين ونستذكر أيضاً معاناة ملايين المهجرين واللاجئين والنازحين في المخيمات، أننا ما زلنا مدفوعين بالفخر والاعتزاز لانتمائنا لثورة شعبنا العظيم، ومدعوين أكثر من أي وقت مضى للعمل على كل الصعد والمستويات لإيلاء هذين الملفين الإنسانيين المزيد من الاهتمام والمتابعة، ونتوجه بالتحية للناشطين والحقوقيين الذين يوثقون جرائم الأسد وتقديمها للمجتمع الدولي، لملاحقة المجرمين وتقديمهم للعدالة، مؤكدين للعالم عدالة قضية شعبنا وأهداف ثورته.
صحيحٌ أن المخاطر والتحديات تتربصُ بالبلاد والعباد، لكن أبواب الأمل لن تغلق بوجه الشعب السوري الأبيّ، بعد أن قال كلمته التي لن يعود عنها، وهي إسقاط النظام المجرم، ولن تتوقف مسيرة شعبنا حتى بناء النظام الديمقراطي، ودولة المواطنة والقانون، ولا سبيل إلى التراجع مهما اشتدَّت التحديات وطال الطريق أمام تحقيق أهدافه، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بتوحيد كلمة السوريين على اختلاف انتماءاتهم، عبر خطاب وطني جامع، يلم شمل البلاد والعباد، وبناء مشتركات وطنية تعبر عن ضمير الشعب، من خلال كتلة وطنية تاريخية تعكس آلام وآمال السوريين جميعاً، وتعيد إلى الصدارة قضيتهم وطناً وشعباً، وتكريس قرارهم الوطني المستقل، مسترشدةً بقيم الثورة السورية وأهدافها، بعد أن أيقن السوريون –على اختلاف أطيافهم و مواقعهم–، بأن بقاء “الأسد” في السلطة يعني استمرار الكارثة السورية وتعمقها نحو حروب لا تنتهي في سوريا والمنطقة، وأنه كائناً ما يكون شكل الحل السياسي فإن خلاص سوريا يبدأ بإزاحة “الأسد” وعصابته من السلطة ومحاسبتهم كمجرمي حرب، فهذا وحده سيفتح الباب أمام مستقبل السوريين نحو دروب الحرية والتحرير.
المجد للثورة السورية المباركة
كل التحية والوفاء لشعبنا السوري الصامد
دمشق 15 أذار 2021
الأمانة المركزية
لحزب الشعب الديمقراطي السوري
بيان بالذكرى العاشرة للثورة