إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
أخيرا” دخل الروس بسلاحهم وعسكرهم إلى الأرض السورية، بعد أن اكتفوا طوال السنوات الأربع الماضية بإمداد النظام بالسلاح والخبراء وأمنت له حماية سياسية غير مسبوقة في المحافل الدولية، ليعلنوا غزواً جديداً للأرض السورية، ينضاف إلى الغزو الإيراني، وسيكون أكثر فتكاً وتدميراً واستقطاباً بسبب إمكاناتهم العسكرية قياساً بما فعلته وقدمته إيران، وسوف يزيد الحالة تعقيداً ويطيل من أمد الصراع ، ويخلف تداعيات تطرح جدياً الشك في قدرتهم على تحملها.
إن الانخراط الروسي المباشر في الصراع الدائر في سوريا، سيضعهم في حالة عداء مع غالبية العالمين العربي والإسلامي عاجلاً أم آجلاً، وهم لم يتخلصوا بعد من عقدة أفغانستان، كما أن تورط الروس في أوكرانيا مازال قائماً، ووضعهم الاقتصادي صعب وينوء تحت ضغط العقوبات الغربية وتدهور أسعار النفط، فهل هي مغامرة؟. لقد أقدم الروس على مغامرة محسوبة تكتيكيا لكنها غير محسوبة استراتيجيا في منطقة حساسة لاتتحمل المغامرات خاصة من الدول الكبرى. فهل استطاع الغرب بتردده وسياساته الغامضة والمقصودة تجاه القضية السورية أن يجر الدب الروسي إلى المستنقع السوري لإرغامه على التنازل في المساومات الإستراتيجية على مستوى العالم؟.
يبدو واضحاً من التدخل الروسي حتى الآن أنه جاء إنقاذاً للنظام السوري الذي انهارت قواته في الأشهر الأخيرة وعانت الهزيمة تلو الأخرى. والتردي في معنويات مواليه، ليس أدل عليها من اعتراف رأس النظام بهذه الحقيقة بعد معارك جسر الشغور، وبعدما فشلت إيران وميليشياتها الطائفية من انقاذه. فهل حماية المصالح الروسية في سوريا وهي على كل متواضعة، أوحتى إخلاص روسيا للنظام السوري حليفها التاريخي توازي التكلفة العالية المتوقعة لهذا التدخل؟ .
ثمة حقائق أولية واضحة رافقت الغزو الروسي لسوريا وتفرض نفسها على تداعياته ومنها:
أولاً: تدعي روسيا في تبرير غزوها للأراضي السورية أنها جاءت لمحاربة داعش وهي بذلك، تمارس كذباً صفيقاً . فهي تستهدف كل قوى المعارضة المسلحة خاصة في النطاق المجاور”لدولة الأسد المفيدة ” في محاولة لإنهاكها أو إبعادها، وهي لم تستهدف داعش وليست من أولوياتها، ثم أن هناك حلفاً دولياً يضم ستين دولة لهذه الغاية، وروسيا ليست واحدة منه .
لقد كان الرئيس الروسي واضحاً باعتباره أن كل من يعارض الأسد هو داعشي أو مشروع داعشي، وهو بذلك يعطي داعش ولاشك فرصة ثمينة لاستقطاب المزيد من المتطرفين. إن قصف الطيران الروسي للمدنيين في ريفي حمص وحماه وقتلهم ودفعهم للهجرة، يساهم في التغيير الديموغرافي الذي يعمل عليه النظام في نطاق” دولته المفيدة ” .
ثانياً: بهذا التدخل فقدت روسيا دورها كوسيط، وهو الدور الذي كانت تروج له في سعيها لحل سياسي، ومن أجله دعت أطياف متنوعة من المعارضة السورية، وعقدت مؤتمرات موسكو 1 وموسكو2 وكانت تستعد لموسكو3 وجنيف3. لقد أصبحت روسيا طرفاً في الصراع معادياً للشعب السوري وجيش احتلال من الواجب الوطني مقاومته .
ثالثاً: لعل أول ضحايا التدخل الروسي هو الحل السياسي الذي كان عنواناً لكل الحراك السياسي دولياً وإقليمياً وللمجتمع الدولي. فهذا التدخل رمى مبادرة ديمستورا خلفه، ولم يعد هناك من مناخ للعصف الفكري الذي أراده ديمستورا ولجانه مادامت سماء سوريا تزدحم بالطيران وأرضها تلتحف الدمار.
رابعاً: الأخطر في التدخل الروسي أنه يشكل إخلالاً خطيراً بالتوازنات الدولية القائمة في منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، وسوف تكون له تداعيات خطيرة ومفاجآت يصعب تحديدها،لأن ردود الفعل للدول صاحبة النفوذ والدول الإقليمية المعنية لم تعلن بعد، وكل ماصدر عن هذه الدول حتى الآن لايعدو كونه تحذيرات ونصائح مبهمة، لا تعبر بالضرورة عن مدى حضور إرادة الدفاع الجدي عن المصالح الحيوية لتلك الدول.
لاشك أن الغزو الروسي سيقتل مزيداً من المدنيين العزل لتعمده استهدافهم، وهذا يتطلب من قوى الثورة العسكرية، أن تتجه لتوحيد صفوفها وتنسيق عملياتها ميدانيا، وأن تجترح أساليب مواجهة نوعية وجديدة، تواكب تطورات الصراع وأدواته، وعلى قوى المعارضة السياسة وفي مقدمتها ائتلاف قوى الثورة والمعارضة أن تطور من أدائها بما يمليه الواجب الوطني الملقى على عاتقها في خدمة الثورة وأن تلاقي قوى الثورة العسكرية بما يؤمن الفاعلية والتناغم بين الجهود السياسية والعسكرية في مواجهة الغزاة، ومن المهم أيضا التوجه نحو المجتمعات الغربية وحثها على الضغط على حكوماتها من أجل دعم الشعب السوري الذي يواجه القتل والتهجير .
إن الشعب السوري العظيم الذي صمد في وجه قوة النظام العاتية وقوة إيران وميليشياتها الطائفية وهزمهما، على الرغم مما عاناه من خذلان وتجاهل، لقادر على هزيمة الغازي الجديد مهما عظمت التضحيات وجاءت البطولات الأسطورية التي سطرها الثوار في أرياف حماه وجبل الأكراد وجوبر في الأيام الماضية، رسالة صمود في وجه المحتل الروسي من شعب قرر أن يفوز بحريته وكرامته التي ثار من أجلها.
تحية لأرواح الشهداء
عاشت سوريا حرة وديمقراطية
دمشق في 11 /10/2015 الأمانة العامة لإعلان دمشق
للتغيير الوطني الديمقراطي