بيان إلى الرأي العام في الذكرى الثانية عشرة لانطلاقة الثورة السورية العظيمة
في الثامن عشر من آذار من كل عام، تتجدَّد ذكرى انطلاقة الثورة السورية، حاملةً معها في كل مرة، بارقة أمل جديد بقدرة شعبنا على تحقيق تطلعاته المشروعة والعادلة، ومؤكِّدةً عزم السوريين وتصميمهم على انتزاع حريتهم وكرامتهم، وإصرارهم على التخلُّص من حكم الاستبداد المديد، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وطناً يحتضن جميع ابنائه دون إقصاء او تمييز.
تأتي هذه الذكرى في هذا العام، والمشهد السوري يجلِّله السواد والحزن والألم، بعد أن توَّجت كارثة الزلزال المدمر – فجر السادس من شباط – كل مآسي السوريين ونكباتهم، التي ألحقها بهم نظام الأسد وحلفاؤه الغزاة منذ 2011.
لقد أتاحت الكارثة للنظام وحماته من الاحتلالين الروسي الإيراني، الفرصة للاستثمار في محنة الشعب السوري، ليس بالتقاعس عن نجدتهم وإنقاذ أرواحهم فحسب، ولا في منع وصول الإغاثات إلى المنكوبين والسطو عليها، كما كان متوقعًا، بل في استغلال المأساة بحثاً عن منفذٍ لإنهاء عزلته السياسية والدبلوماسية، على مختلف الصعد الدولية والإقليمية والعربية، واتخاذ مصيبتهم مطيَّةً للمطالبة برفع العقوبات عن نظامه المجرم، تحت ذريعة أن استمرارها في ظل الكارثة سيفاقم من نتائجها وتداعياتها.
سجلت الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، فصلاً جديداً من فصول تخاذلها أمام محنة السوريين، بانتهاج سياسة التمييز في إغاثة المناطق المنكوبة، فقد سارعت نحو مناطق النظام وإهمال المناطق الخارجة عن سيطرته، بحجَّة عدم مخالفتها للقرارات الدولية، بذات الوقت الذي علق فيه الرئيس الأميركي العمل بقانون قيصر لمدة ستة أشهر، لتسهيل وصول المواد الإغاثية للنظام، علمًا بأن القانون لم يكن يشمل الحاجات الإنسانية، الأمر الذي استغله النظام أيضًا للترويج لدى مواليه، بأن الانفتاح على نظامه قادم..
شكَّلت ظاهرة الاندفاع العربي نحو النظام، و زيارات وزراء خارجية كل من مصر و الاردن والامارات، و وفد البرلمانيين العرب للأسد، تطوراً لافتاً رغم ارتدائها اللبوس الإنساني، الأمر الذي يعكس حماس هذه الدول للانفتاح على النظام وإنهاء عزلته، بذريعة إبعاده عن الهيمنة الإيرانية، واغتنام الفرصة التي أتحاتها الكارثة، لإحياء محاولات إعادة تأهيله بعد أن لجمها الفيتو الأمريكي وأعاد التأكيد عليها، ولئن كانت محاولات الانفتاح هذه على الأسد، خطوة على طريق التطبيع مع نظامه بصرف النظر عن مبرراتها، فإننا نعتقد أن مصيرها لن يختلف عن مصير محاولات التقارب التركي مع النظام، التي تجري بضغوط ومصالح روسية, وسوف تنتهي إلى الفشل أيضًا, لأن الأسد الذي لم يعد يملك قراره، لن يستطيع تلبية أي من استحقاقات هذا التطبيع من جهة, ونظراً لحجم التناقضات، و صراع المصالح الدولية والاقليمية حول سوريا من جهة أخرى.
في ملف التطورات السياسية، ما يزال الاستعصاء سيِّد الموقف على صعيد حل الأزمة السورية، بعد انسداد الآفاق أمام التسوية السياسية، نتيجة احتدام الصراع الدولي والإقليمي، واستمرار حالة الجمود والتجميد السياسي الطويلة لمسار جنيف، في ظل غياب أية مبادرات مؤثرة وخاصة من الولايات المتحدة، ومن المجتمع الدولي عموماً، فالإدارة الأمريكية المنهمكة في خضم الصراع مع روسيا في أوكرانيا، والمنشغلة بالرهان على الانتفاضة الإيرانية، لدفع طهران للتراجع عن شروطها وتقديم التنازلات المطلوبة، من أجل إنجاح صفقة الاتفاق النووي، وتوظيف نتائجها ضد روسيا. هذه الإدارة لا تجد ما يضطرها إلى إحداث أي تغيير في سياستها، إزاء الملف السوري حتى الآن، الذي مازال وسيلةً، تستخدمه لممارسة الضغوط على روسيا و إيران، و ورقة رهان في بازار مقايضاتها, فهي مكتفيةٌ بإشهار لاءاتها في وجه الأسد, وإصدار المراسيم والتشريعات، التي تقِّيد نظامه كقانون الكيبتاغون وغيره، لكنها مازالت تتحكم في تطبيقها وفقاً لمصالحها، ومتخذةً من تواجدها في شمال شرق سورية ودعمها لقوات قسد، وسيلةً لتجميد الأزمة وإدارتها, ومنع تمرير الحلول السياسية التي تعمل عليه روسيا، من خلال التفافها على القرارات الدولية ذات الصلة، مع إبقاء الملف السوري بحمولته الثقيلة بعيداً عن أولوياتها.
أما روسيا التي استغرقتها الحرب الأوكرانية واستنزفت جهودها ومواردها، فقد اضطرت إلى تقليص نفوذها في سوريا, و أوكلت بعض مصالحها السورية إلى الحليف الإيراني، الذي زوَّدها بالأسلحة من صواريخ ومسيرات, كما وطَّدت دعائم شراكتها و تحالفها مع أنقرة، عبر ربط مصالحهما المشتركة في الملف السوري, الأمر الذي عزَّز من مكانة تركيا في المنطقة، وفي الأزمة السورية على وجه الخصوص, وجعلَ الدور الإيراني أكثر قوة ونفوذاً أيضاً, أما في سوريا فقد بلغ مستوى التوغل الإيراني على كافة الأصعدة حدَّاً، يجعل من الصعوبة بمكان إجبار طهران علي التراجع عنه.
في ضوء ذلك, يزداد المشهد السوري بؤساً ومأساوية، على مختلف الصعد والمستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, والإنسانية على وجه خاص, وتزداد معه مظاهر الفقر والجوع والتشرُّد والإذلال، مع تزايد انزلاق الدولة أشواطاً جديدة نحو مزيد من الفشل والتفكك, أما على صعيد القضية الوطنية, فالمشهد يبدو أكثر مأساوية بعد تعمق مظاهر اليأس والتبدُّد، وكل حالات التشتُّت السياسي والاجتماعي, في ظل غياب أي دور فاعل للسوريين في الدفاع عن قضيتهم, الأمر الذي يدفع بإلحاح أكثر من أي وقت مضى، للإسراع في بلورة حامل سياسي جامع و فاعل، يعبِّر عن تطلعات السوريين، ويعمل على جمع شملهم وتوحيد كلمتهم, بما يمكنهم من إعادة قضيتهم الوطنية إلى مكانتها، التي تليق بها بعد تضحيات أسطورية, وإلى دوائر الاهتمام الدولي والعربي والإقليمي.
تحية لأرواح الشهداء
عاشت سورية حرة وديموقراطية.
دمشق في 17/ 3 /2023
الأمانة العامة لإعلان دمشق
للتغيير الوطني الديموقراطي