الفودكا ممزوجة بالدم
تفاصيل الاتفاق غير المعلنة بين الروس والأمريكان، تشي بأمر دُبر بين الدولتين، ليس من الصعب التكهن به في ضوء مؤشرات عديدة، أهمها التصريح أن الاتفاق لا يتحدث عن مرحلة انتقالية، ولا عن مصير بشار الأسد.
ويُشتق من هذا الإغفال لأهم أولويات المعارضة السورية السماح للنظام بقصف الفصائل المصنفة إرهابية، الأمر الذي يعني الاتفاق على عدّه شريكا في الحرب على الإرهاب.
واضح ان الاتفاق يصب في مصلحة الحليف الروسي الذي يريد تعويم الأسد، والاستمرار في تثبيت أقدامه في الشرق الأوسط على حساب تراجع امريكي مقصود، والعودة من بوابة المأساة السورية إلى تقاسم النفوذ على الساحة الدولية.
الأمريكي ليس معنيًا إلا بنفض يده من المأساة السورية عبر ترتيب يقع في بؤرته تحقيق تقدم في الحرب على الإرهاب كإنجاز يختم به أوباما ولايته، والروسي يحث الخطا لتثبيت اتفاق مع الأمريكي يكون ملزمًا للإدارة الامريكية القادمة.
الحليف الإيراني للنظام السوري كسب نقاطًا من غضّ نظر الاتفاق عن ميليشياته الطائفية، واستثنائها من التصنيف في خانة الإرهاب.
حليف المعارضة السورية التركي أخذ ضوءًا اخضر عبر المفاوضات مع الروس للتغلغل في سوريا؛ لكي يكبح الطموح الكردي الذي يمثل هاجسه الأول.
لن يجد النظام السوري فسحة خالية من العدالة أفضل من هذه؛ لكي يواصل جرائمه، وتلذذه بقتل السوريين عبر خرق الهدنة، والاستمرار في قتلهم صبرًا عبر منع وصول المساعدات الإنسانية.
يساعد النظام في هذا استخفاف العالم بالمعارضة السورية، عبر تهميشها، وعدم إطلاعها على تفاصيل الاتفاق، وهو وضع ساهمت هي في الوصول إليه من خلال تشرذمها وارتهانها لأجندات إقليمية ودولية.
ويساعد النظام كذلك الحماقة التي تجلت في الخطاب الطائفي الصارخ من المعارضة عبر إطلاق تسميات ذات صبغة طائفية على المعارك، وعبر تصريحات لبعض قادتها تعد الثورة السورية امتدادًا لانتفاضة الثمانينيات.
فسحة الأمل التي تتنفس منها الثورة السورية، والمتمثلة في تصريحات الأتراك والسعوديين ألا مكان للأسد في مستقبل سورية، ودعم الأتراك للجيش السوري الحر لا تشكل إلا هامشًا ضيقًا من الأمل لهذا المتن المتواطئ على السوريين ومطالبهم في الحرية والكرامة.
صار طاغيًا في الأوساط الاكاديمية الغربية إطلاق وصف الحرب الاهلية على الأحداث الجارية في سورية، وهو وصف يبخس ثورة السوريين حقها من حيث المبدأ، ولكن لمطلقي هذا الوصف عذرهم بعد أن سلمت المعارضة السورية أمرها إلى الحليف الخليجي الذي ينطلق من منطلقات لا مكان فيها للاعتراف بالمضمون الثوري لانتفاضة السوريين، وانغلاقه داخل منظومة متخلفة من السهل دحض صدق نيتها في الانتصار للمظلومين.
ويجد عذره أيضا في إطلاق وحش الطائفية من مكامنه عبر تصدر الإسلاميين للمشهد، ودفعهم بالثورة عبر مسار انحرف بها عن نبلها وسمتها الأخلاقية.
وزع لافروف الفودكا على الصحفيين بعد المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن الاتفاق مع الأمريكان، احتفالًا بانتصار حققه للباطل على الحق، ولكنه مزجه بدم أطفال سوريين بعد أيام من اتفاق الهدنة؛ لأنه أصبح لا ينتشي إلا بسفكها.
كل نقطة دم سالت وتسيل من أجساد أطفالنا في رقابنا إذا لم نُعد للثورة وهجها الأول، ولم نستفرغ كل جهدنا في استرداد قرارنا المستلب.
رئيس التحرير