– ولد الرفيق منذر صالح الشمعة في حي الشاغور بدمشق عام 1932 ، وشهدت الأحياء المجاورة ، الميدان ، القيمرية ، مأذنة الشحم ، تفتح براعم الطفولة وريعان الصبا ، حيث درس في مدارسها حتى نيل الشهادة الثانوية ، انتسب إلى جامعة دمشق ، قسم ( الرياضيات البحته ) ، أوائل الخمسينات من القرن الماضي ، وتخرج منها عام 1955 ، ليعمل مدرساً للرياضيات في ثانويات دمشق .
– عرف الحياة السياسية عن كثب في بداية التحاقه بالجامعة ، حيث كانت جامعة دمشق معقلاً للأحزاب السياسية ، وواجهة متقدمة للنشاط السياسي . انتسب إلى الحزب الشيوعي السوري ، وعرف بين رفاقه منذ ذلك الحين ، بحماسه وهدوئه ، وكذلك بالدقة والانضباط ومقدرته على الخوض في غمار الحوارات المثمرة .
– في بداية عهد الوحدة السورية المصرية ، تعرض الحزب لحملة اعتقالات واسعة . مما اضطر الرفيق منذر إلى اللجوء للحياة السرية ، حيث عاش متخفياً ليتمكن من مواصلة نشاطه السياسي ، حتى اعتقاله مع مجموعة واسعة من الرفاق وصلت إلى أكثر من / 500 / رفيق .
– عايش الرفيق منذر حياة السجن في سجن المزة مع رفاقه وتميز سلوكه بالالتزام والتفاني والرقي الخلقي والتنظيمي . فكان حريصاً على وحدة الرفاق مضحياً للعمل على راحتهم وتعزيز صمودهم .
– في أوائل عام 1962 ، أطلق سراحه مع عدد كبير من الرفاق ، لكن حكومة الانفصال استأنفت حملتها في مطاردة الحزب وتقييد نشاطه . مما اضطره مجدداً للحياة السرية .
– اضطر بناء على توجيهات الحزب إلى الانتقال إلى لبنان ، حيث لجأ العديد من الرفاق إليه في مواجهة حملة الاعتقالات الجديدة . عاش حياة التخفي في لبنان هرباً من عيون الأمن السوري الذي كان يتعقبهم هناك .
– في أواسط الستينات أوفد الرفيق منذر إلى موسكو ، أولاً من أجل العلاج بعد معاناة السجن الطويلة ، وثانياً لتلقي الدراسة في مدرسة الحزب حيث خضع لدورة ثقافية في معهد العلوم الاجتماعية التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي . وتلقى علومه في ميادين الفلسفة الماركسية والقضابا العمالية والنقابية وحركات التحرر الوطني في العالم .
– عاد إلى دمشق بعد انقلاب 23 شباط 1966 ، حيث توقفت مطاردة الحزب ونشاطه ، واستأنف نشاطه الحزبي والسياسي بعد أن أصبح واحداً من خيرة كوادره الحزب آنذاك
– بعد تجربة السجن ثم تجربة الدراسة في موسكو ، التي حفلت بالعديد من التجارب والخبرات ، وبسب الحوارات الواسعة التي كانت تجري بشكل صاخب في صفوف الحزب ، ولاسيما في الهيئات العليا ، وارتفاع الاصوات المطالبة بعقد مؤتمر للحزب يصدر عنه برنامج سياسي واضح ونظام داخلي ويضع حداً للتفرد الذي كان يمارسه الأمين العام خالد بكداش .
– عرف عن الرفيق أبو سمير كواحد من كوادر الحزب التي صبت جهودها لانجاح هذه المسيرة ، وإعادة بناء الحزب على أسس تنظيمية وسياسية سليمة وواضحة .
– بعد بيان 2 نيسان 1972 ، والذي أراد بكداش من خلاله قطع الطريق على هذا المشروع ، أخذ الرفيق أبو سمير موقعه المميز ضمن الخط السياسي والتنظيمي المناوئ لقيادة الحزب ممثلة بـ بكداش – فيصل .
– في المؤتمر الرابع للحزب ” المكتب السياسي ” أواخر 1973 ، انتخب الرفيق منذر عضواً في اللجنة المركزية للحزب .
وفي عام 1975 اتخذت السلطات الأمنية بحقه قراراً بنفيه إلى مدينة حلب لابعاده عن دمشق لمدة عشر سنوات . حيث استأنف الرفيق نشاطه السياسي والتنظيمي في منظمة حلب . لكن سرعان ما صدر قرار آخر بإبعاده عن مهنة التعليم ، لينقل إلى وزارة الإدارة المحلية . هذا القرار شمل مئات المدرسين والمعلمين بقصد عزلهم عن الحركة الطلابية .
– وفي المؤتمر الخامس للحزب أواخر 1978 ، انتخب الرفيق منذر عضواً في المكتب السياسي للحزب ، ثم استطاع أن يعود إلى مدينة دمشق لواصلة دوره القيادي في الحزب .
– في تشرين 1980 ، اعتقل الرفيق منذر برفقة الرفيق رياض الترك من أحد بيوت الرفاق في دمشق . وسجل ملحمة جديدة في الصمود أمام جلاديه ، حيث لم يعترف بعلاقته بالحزب . وبعد تجربة سجن طويلة قضاها في سجن المزة وسجن صيدنايا ، عرفت عائلته خلالها مرارة الفقر والتشرد لأكثر من 12 سنة .
خرج الرفيق منذر من السجن حيث كان ينتظره قرار الأجهزة الأمنية بفصله من التعليم والوظيفة بشكل نهائي .
– لقد حالت أوضاعه الصحية وكذلك أحوال عائلته المتردية دون التمكن من الالتزام المباشر بالعمل التنظيمي في صفوف الحزب . لكنه بقي مخلصاً وفياً ومدافعاً عن خط الحزب السياسي يوزع جريدته ووثائقه ويتواصل مع العديد من الرفاق والأصدقاء متمحوراً حول خط الحزب ، معبراً بإيمان مطلق عن ضرورة استمرار النضال لوضع حد للإستبداد ةالظفر بالحرية والديمقراطية .
– اضطرته احداث الثورة إلى النزوح عن حارته ( قدسيا ) وترك منزله مع عائلته ، لينتقل من حي إلى حي . ثم قررت عائلته السفر إلى الاردن لوجود أقارب لها هناك ، لكنه رفض مغادرة دمشق . لكن استمرار المعاناة دفعه بعد أكثر من عام ونصف إلى الالتحاق بهم بسبب تردي الوضع الصحي لديه .
– عانى الرفيق منذر في السنوات الأخيرة من حياته ، معاناة صحية شديدة ، حيث اصيب بالعمى شبه المطلق ، وكذلك بالصمم الشديد ، وكان يتلقى العلاج دون نتائج نوعية . حيث تعود بداية مشكلة السمع لديه منذ الاعتقالات المديدة ، سواء في مرحلة الوحدة أو في سجون الأسد ، حيث مورس بحقه كل أنواع التعذيب التي أضرت كثيراً بسمعه وبصره .
– عاش الرفيق منذر حياة السجن والتعذيب ، وعرف أنواع التشرد ومخاطر الحياة السرية ، وتحملها بكل صبر وسعة صدر ، محافظاً على هدوءه في احلك الأوقات ، بالرغم من تعرض صحته لأزمات عديدة تركت آثارها على حياته ، إلا أنه بقي قوياً شجاعاً ، كان صبوراً دون أن يشتكي ، نشيطاً حيوياً ومقداماً رغم المخاطر ، خلوقاً محباً ، ومخلصاً للحزب ورفاقه دائماً . لطيف المعشر ، هادئ الطبع ، عميق الفكر ، حذراً ، مبادراً ، خلاقاً في حواراته .
كان من أهم استادة الرياضيات في الثانويات العامة الرسمية لسنوات طويلة ، يبذل أقصى جهوده في تدريس الأجيال . حقق نجاحات واسعة في العمل السياسي في الأوساط التي عاش فيها .
– منذر الشمعة من المناضلين الحقيقين الذين عملوا بصمت واتقان واخلاص ، ونكران ذات .
الرحمة والسلام لروح الفقيد .
والصبر والسلوان لعائلته ورفاقه ومحبيه .