في 6 نيسان/أبريل، 2020، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس ملخصاً للتقرير الصادر عن مجلس التحقيق الداخلي (BOI) الذي أنشأه للتحقيق في سبع هجمات ضد مستشفيات ومدارس في إدلب منذ 2018. ووجد المجلس أنه من المحتمل جداً أن “الحكومة السورية و/أو حلفاءها” شنّوا معظم الهجمات، بينما من المحتمل أن تكون إحدى فصائل المعارضة قد شنّت هجوماً واحداً. وبعد نشر هذا التقرير، كان هناك انتقاد كبير بأن التقرير فشل في التوصل إلى استنتاجات قاطعة بأن الحكومة الروسية كانت مسؤولة عن بعض الهجمات على الأقل، على الرغم من وجود أدلة قوية على تورطها. ولكن الإغفال الصارخ في تقرير المجلس كان فشله في الإشارة إلى دور الأمم المتحدة في تيسير الهجمات التي كانت تنوي منعها وكيف يمكن للأمم المتحدة تجنّب القيام بذلك في المستقبل.
ما المقصود بمنع الاستهداف؟
“منع الاستهداف” هو آلية لتبادل المعلومات أنشأتها الأمم المتحدة لمنع الهجمات غير المقصودة على المرافق المحمية بشكل خاص، مثل المستشفيات والمدارس. حيث تتمتع هذه المرافق بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، وقد طُلب من العاملين في هذه المرافق مشاركة إحداثياتهم مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). ثم قام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بإبلاغ الأطراف المتحاربة بهذه المعلومات، وبالتحديد الحكومة الروسية وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، لمساعدتها على تجنب استهداف هذه المواقع بضربات عسكرية. ولم تتم مشاركة هذه الإحداثيات مباشرة مع الحكومة السورية أو فصائل المعارضة المسلحة.
غير أن الكثير من المواقع التي تم إبلاغ الأمم المتحدة بها من خلال آلية منع الاستهداف تعرضت في نهاية المطاف لهجمات مسلحة، بما في ذلك بالبراميل المتفجرة وقصف بطائرات ثابتة الجناحين. وفي 30 تموز/يوليو، 2019، ردّت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبلجيكا وبيرو وبولندا والكويت وجمهورية الدومينيكان وإندونيسيا بتقديم عريضة دبلوماسية رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة يشكّكون فيها في عدم التحقيق في 14 حادثاً من هذا القبيل. وبعد يومين، في 1 آب/أغسطس 2019، أمر الأمين العام للأمم المتحدة بإنشاء مجلس التحقيق الداخلي للتحقيق في سبعة من هذه الهجمات على مناطق في شمال غرب سوريا، ولاسيما المرافق المدرجة في قائمة منع الاستهداف والمرافق التي تدعمها الأمم المتحدة في المنطقة.
وكان الأمر ذو الأهمية المحورية في تفويض مجلس التحقيق الداخلي هو تقديم توصيات بشأن ما ينبغي على الأمم المتحدة القيام به “لتجنّب أو على الأقل تقليل تكرار مثل هذه الحوادث أو للتخفيف من آثارها”. وبعبارة أخرى، كان الغرض من هذا المجلس هو تحديد الخطأ الذي حدث في آلية منع الاستهداف. لماذا أصبحت المستشفيات والمدارس، التي تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي، عرضة للهجوم بعد إبلاغ الأمم المتحدة بمواقعها؟
ماذا كان الغرض من التحقيق الذي أجراه المجلس؟
إن ما يقوله مجلس التحقيق الداخلي بشأن إخفاقات الأمم المتحدة محدود للغاية. حيث يقول إن غياب موظفي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في شمال غرب سوريا وقت وقوع الحوادث (بسبب الخوف على سلامتهم) أثار إشكالاً لأن وجودهم كان ضرورياً لضمان الالتزام بالمبادئ الإنسانية، وتعزيز احترام القانون الدولي، وتقييم أي انتهاكات، وإظهار التضامن مع المدنيين (الفقرات 82-84). ويشير المجلس إلى أنه لم يكن مطلوباً من المجموعات التقنية (الأقسام داخل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية) أن تتشارك في المعلومات حول الهجمات مع بعضها البعض. وفي الحالات التي تم فيها الإبلاغ عن مثل هذه الهجمات، لم يتم التحقّق منها أو تسجيلها بشكل منهجي ناهيك عن التحقيق فيها (الفقرتان 91-92). ويشير المجلس إلى أن وثيقة توجيهية تشرح الغرض من آلية منع الاستهداف أكّدت أن “هذه الآلية صُمّمت لتحديد وحماية العاملين في المجال الإنساني والمكاتب والمنشآت ومواقع التوزيع الإنسانية ومواقع النازحين والمسارات التي سلكتها العيادات المتنقلة وما إلى ذلك”. ولكن ما لا يمكن تصديقه هو أن “مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية كان قد حذّر من استخدام هذه الآلية ’كأداة للحماية‘”(الفقرة 94).
ويوصي مجلس التحقيق الداخلي بأن ترفع الأمم المتحدة الوعي حول القانون الدولي الإنساني بين جميع المجموعات، وتحاول تثبيت موظفي الأمم المتحدة في شمال غرب سوريا، وتنخرط مع الجهات الفاعلة من غير الدول، وتحدّد بوضوح الشركاء المنفذين الذين يعملون مع الأمم المتحدة. ويوصي كذلك بأن يتم الإبلاغ بطريقة منهجية عن أي هجمات على المنشآت التي يتم تحديدها من خلال آلية منع الاستهداف.
وأخيراً، يوصي المجلس بأن يقوم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بإعادة تسمية آلية منع الاستهداف، وتوضيح وثيقتها التوجيهية الخاصة به “لإخطار جميع أطراف النزاع مباشرة، بما في ذلك الحكومة السورية، بمعلومات منع الاستهداف”، ومطالبة المجموعات بالإقرار باستلام المعلومات، واشتراط الإبلاغ عن الهجمات، وإبلاغ الشركاء المنفذين بمتابعة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للهجمات، والقيام بحفظ السجلات بشكل أفضل.
أين فشلت الأمم المتحدة
كان دور آلية منع الاستهداف واضحاً منذ قصف حلب عام 2016 على الأقل. ويستذكر الدكتور حمزة الخطيب، الذي كان يدير آخر مستشفى في حلب المحاصرة، أن الجميع كانوا يعرفون في ذلك الوقت أن الروس والسوريين كانوا يستهدفون المستشفيات (عند الدقيقة 6:45). ومع ذلك، اتصل أحد ممثلي الأمم المتحدة بالدكتور الخطيب يطلب منه مشاركة إحداثيات مستشفاه مع آلية الأمم المتحدة لمنع الاستهداف من أجل تجنيبه الهجوم الروسي. ورفض ممثل الأمم المتحدة إعطاء تأكيدات بأنه إذا شارك الإحداثيات، ثم قُصفت المستشفى، فإن الأمم المتحدة ستلوم روسيا على الهجوم. وعلى الرغم من الضغوط، رفض الدكتور الخطيب مشاركة موقع المستشفى مع آلية منع الاستهداف، مشيراً إلى أن هذا هو سبب نجاة المستشفى من عمليات القصف.
إذن كيف حصلت الحكومة السورية وحلفاؤها على معلومات سمحت لهم باستهداف منشآت كان ينبغي أن تكون محمية في إدلب؟ لم يقم المجلس بأي محاولة للتعامل مع هذه القضايا. حيث يشير المجلس فقط إلى أنه “لم يتضح بعد ما إذا كانت معلومات منع الاستهداف قد تم إرسالها واستلامها من قبلها [الحكومة السورية]”. هل شاركت الحكومة الروسية معلومات عدم الاستهداف مع الحكومة السورية (كما هو متوقع) والتي تم استخدامها فيما بعد لأغراض الاستهداف العسكري في انتهاك مباشر للقانون الإنساني الدولي؟
وفي المقابل، ما زال التقرير يراهن على مشاركة المعلومات، حيث خلص إلى أنه كان ينبغي على المجموعات التقنية التابعة للأمم المتحدة الإبلاغ عن الحوادث لبعضها البعض، وكان ينبغي مشاركة مواقع الأعيان الإنسانية مع الحكومة السورية وكذلك الحكومة الروسية وجماعات المعارضة المسلحة.
وإذا ساعدت آلية منع الاستهداف في تيسير الهجمات على المستشفيات والمدارس، وهو ادّعاء تدعمه أدلة قوية، فإن التشارك في المعلومات هو سبب المشكلة؛ وليس حلها. ولن تنجح آلية منع الاستهداف إلا إذا كانت أطراف النزاع تعتزم استخدام المعلومات لتجنب الهجمات على الأعيان المحمية، مثل المستشفيات والمدارس. وكما ورد في التقرير، فقد تم لفت عناية الأمم المتحدة في تموز/يوليو 2019 أن الحكومة السورية اعتبرت أن “جميع مرافق الرعاية الصحية في محافظة إدلب قد سيطرت عليها جماعات إرهابية، ولم تعد تخدم غرضها الأصلي، وأنها لم تعد تُعتبر مستشفيات أو مراكز رعاية صحية أو حتى أعياناً مدنية بموجب القانون الإنساني الدولي” (الفقرة 42). وعلى الرغم من أن المجلس لم يجد أن تأكيدات الحكومة السورية مدعومة بأدلة فيما يتعلق بالمواقع السبعة ضمن تفويضه، إلا أن الأمم المتحدة كانت برغم ذلك على علم بأن أي معلومات عن المواقع المقدمة للحكومة السورية ستُستخدم لاستهداف المستشفيات.
هل وفّر إعلان الحكومة السورية في تموز/يوليو 2019 للأمم المتحدة أول فرصة لها لفهم أن آلية منع الاستهداف تم قلبها رأساً على عقب، وتم استخدامها في الاستهداف العسكري بدلاً من الحماية الإنسانية؟ أم أنه كان ينبغي عليها أن تعرف لتتخذ إجراءً في وقت أبكر؟ وبمجرد معرفة هذه المعلومات، لم يكن الحل مشاركة المزيد من المعلومات مع الطرف المشتبه في استخدامه للمعلومات لغرض القصف. وكان الحل هو التوقف عن تيسير الهجمات من خلال توفير معلومات الاستهداف لأطراف القتال. وكان ينبغي على المجلس أن يقرّ بحقيقة آلية منع الاستهداف: وهي أنها فشلت فشلاً ذريعاً. وبالطبع، يجب أن يُدان مرتكبو هذه الهجمات (“الحكومة السورية و/أو حلفاؤها”) بسبب هذه الإجراءات وأن يخضعوا للمحاكمة. ولكن يجب على الأمم المتحدة أن تلقي نظرة أكثر جدية على هفواتها في آلية منع الاستهداف إذا كانت تأمل في تجنّب تيسير هجمات مشابهة في المستقبل.