حسين عبد العزيز
مما لا شك فيه أن اجتماع أستانة استطاع تحريك المياه السياسية السورية الراكدة نحو أفق جديد لم تعرفه السنوات الماضية.
فهذا هو أول اجتماع يجري في ظل وقف لإطلاق النار، وهو أول اجتماع يحوي فصائل من المعارضة المسلحة كانت حتى الأمس القريب تندرج في قائمة الإرهاب لدى موسكو (أحرار الشام، جيش الإسلام).
أهمية اجتماع أستانة أنه حاول طرح حلول قابلة للتطبيق على أرض الواقع، لكن الطروحات الروسية لم تنضج بعد من أجل تقييمها، وما هو ظاهر إلى الآن يشير إلى أنهم قرروا التموضع في منتصف الطريق، ومقررات أستانة ومسودة الدستور السوري المقترح من قبلهم يوضحان ذلك.
ومع ذلك، فإن ثمة قضايا كثيرة ليست واضحة وتُشكك في نية الروس باجتراح حل معقول للأزمة، يرضي الأطراف المحلية ـ الإقليمية ـ الدولية.
وسيكون اجتماع جنيف المقبل اختبارا حقيقيا لجدية الروس مع اقتراب مناقشة تفاصيل مرحلة الحكم الانتقالي.
للروس أربعة أهداف رئيسة:
1ـ تثبيت وقف إطلاق النار، وهذا الهدف تحقق إلى الآن.
2ـ تعديل في المرجعية الدولية للحل السياسي في سوريا باعتماد القرار الدولي 2254 كأساس للحل، مع إجراء تعديلات صغيرة تتماشى مع التغيرات التي حصلت بعيد صدوره في كانون الأول/ ديسمبر عام 2015.
ويمكن فهم ذلك من خلال عدم إشارة البيان الختامي لاجتماع أستانة نهائيا إلى بيان “جنيف 1″، وهو انزياح عن القرار 2254، لكنه ليس انزياحاً كبيراً، فالقرار الذي يشكل المرجعية السياسية الوحيدة للحل في سوريا أشار إلى البيان في مقدمته، وفي الفقرة الأولى، لكنه، في الفقرة الرابعة المخصصة لعملية الانتقال السياسي، لم يتطرق إلى صيغة البيان (هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة)، واستبدلها بعمليةٍ سياسيةٍ تقيم حكماً ذا مصداقية، يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية.
تحاول موسكو في استبعادها ذكر بيان “جنيف1″، التفريق بين اعتباره أساساً للانتقال السياسي واعتباره أساساً لوضع آليات الانتقال السياسي، وبين الأمرين اختلافٌ كبير، فلا مانع لدى موسكو، وواشنطن أيضا، أن يكون هذا البيان أساساً للحل السياسي في مخرجاته العامة، لكنه لا يصلح، بعد هذه السنوات، أن يكون أساساً لمخرجات العملية السياسية وتفاصيلها.
3ـ إلغاء فكرة المرحلة الانتقالية، حيث الانتقال السياسي لا يجب أن يخضع إلى مدد زمنية محددة، فضلا عن محاولة روسيا تغيير الترتيب الزمني لعملية الانتقال السياسي عبر البدء بكتابة الدستور، وهذا أمر مخالف لما تم التوافق عليه دوليا، من حيث أن المرحلة الانتقالية يجب أن تبدأ بتشكيل هيئة الحكم ثم كتابة الدستور وبعدها يتم الذهاب نحو الانتخابات.
يريد الروس من خلال طرح دستورهم السوري تثبيت النظام والإبقاء على صلاحيات رئيس الجمهورية، صحيح أن دستورهم قلص الكثير من صلاحيات الرئيس، لكنه بالمقابل أبقى على الكثير منها.
4ـ تغيير وفد المعارضة للمفاوضات، عبر إدخال فرقاء جدد (منصة موسكو، منصة أستانة، منصة القاهرة، وربما منصة حميميم، إضافة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي)، لمنع استفراد الهيئة العليا للمفاوضات بقرار وفد المعارضة.
ومعظم هؤلاء مرتبطين بالنظام إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ولديهم أجندة مخالفة لأجندة المعارضة، وكما نجحت موسكو في إحداث خرق وخلاف بين فصائل المعارضة من جهة وجبهة فتح الشام من جهة ثانية، تتجه إلى إحداث خلاف وتشقق في جدار الهيئة العليا للمفاوضات، خصوصا مع وجود منصات تتبنى خطاب النظام حرفيا، وأخرى ترفض استبعاد الأسد أثناء المرحلة الانتقالية.
الجهد الروسي هذا يلقى دعما أمريكيا مبطنا إلى الآن، وإلا لما خرج المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستافان دي مستورا بتصريح يقول فيه إن المنظمة الدولية هي التي ستختار وفد المعارضة إذا ما فشلت الهيئة العليا في إدخال قوى أخرى إليها.
المشكلة الآن تكمن في موسكو وواشنطن، فلم يتضح بعد المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في سوريا، هل تموضعها الجديد عبارة عن فخ هدفه الإيقاع بالمعارضة؟ أم أن موسكو بصدد اجتراح حل سياسي جاد ينهي الأزمة ويخرجها منتصرة في سوريا مع ما يعني ذلك من انتصار على المسرح الدولي بعد هذه التكلفة الكبيرة في سوريا؟
والمشكلة الأخرى مرتبطة بإدارة ترامب ورؤيته للحل التي ما تزال غامضة إلى الآن، والمدى الذي يمكن أن يتدخل فيه بسوريا.
* إعلامي وكاتب سوري
عربي 21