حسان حيدر
التقرير الذي نشرته «منظمة العفو الدولية» عن «المسلخ» الذي تحولت إليه سورية في عهد بشار الأسد، لا يشكل مفاجأة أو كشفاً بالنسبة إلى السوريين، ولا الفلسطينيين أو اللبنانيين، فهم يعرفون أكثر بكثير مما ورد فيه، وخبروا ذلك بأنفسهم، ليس فقط خلال السنوات الست للثورة، بل منذ بداية عهد الأسد الأب الذي يذكره أهل حماة وبيروت خصوصا.
إنه موجه أساساً إلى أولئك الغربيين وبعض العرب الذين يديرون رؤوسهم عن جرائم النظام السوري بذريعة أولوية قتال «داعش» ومنع تمدده إليهم، وخصوصاً دونالد ترامب، فيما تقارير استخباراتهم تؤكد أن معظم إرهابيي البغدادي تخرجوا من سجون وأجهزة النظام السوري الذي يفوقهم دموية، لكنه «يعمل» بصمت ومن دون أشرطة مصورة.
الفارق الرئيس مع «داعش» أن نظام الأسد لا يوجه تهديدات مباشرة إلى الغرب، ولا يعلن مسؤوليته عن إرسال الإرهابيين إلى دوله. إنه يبعث بهم سراً، مثلما تظهر التحقيقات في باريس وبرلين واسطنبول، ثم يفاوض على دور له في «وقف» تسربهم. فنظامه ينتمي إلى مدرسة أشد خطورةً ودهاءً من «مروجي الخلافة»، إذ يمتهن القتل والتنكيل والتهجير تحت غطاء شعارات السياسة ومبرراتها، حتى أنه يدعي قتال الإرهابيين، ويطرح نفسه شريكاً في المعركة ضدهم، فيما يوجه معاركهم ويحدد أهدافهم.
ومثلما ابتلع الغرب الطعم طوعاً في السابق، عندما نكّل نظام الأسد بجيرانه، من دون أن يقرب إسرائيل، ها هو ترامب يعض الصنارة نفسها. فمحاسبة الأسد ليست بين أولوياته، لأن المعركة ضد «داعش» مستعجلة جداً، وقد أمهل مستشاريه شهراً لوضع خطة القضاء عليه، ولا وقت لديه للنظر في أمر مئات آلاف القتلى السوريين وملايين المهجرين، ولا في أمر البراميل المتفجرة أو القنابل الكيماوية، فهذه ليست من اختصاص إدارة المقاولات في البيت الأبيض.
وإذا كان لا أمل يرجى من إيران المتورطة حتى النخاع في مقتلة السوريين بدوافع مذهبية وقومية، لا يُحسن مسؤولوها إخفاءها، ولا من روسيا التي تشارك نظام الأسد معارك الإبادة الجماعية منقادة لمصالحها وتوقها إلى استعادة «المجد» السوفياتي، فلماذا تتورط دول تتغنى بالدفاع عن حقوق الإنسان وتمثيل «العالم الحر» في إخفاء معالم المذبحة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية؟
ألا تذكر فكرة التحالف مع الأسد ضد «داعش» بالنظرية الحمقاء التي تبناها بعض الأوروبيين لدى بروز النازية في المانيا في مطالع ثلاثينات القرن الماضي، واعتبارهم أن باستطاعتهم استخدام هتلر في إقصاء منافسهيم، قبل أن يتحول صاحب شعار الصليب المعقوف إلى كابوس للعالم كله؟
التجاهل الذي يواجه به ترامب المعارضة السورية، وتهديده بقطع المساعدات الأميركية عنها، واعتباره أن البحث في إخراج الأسد من السلطة يقارب حد «الجنون أو الحماقة»، يعني أن لا أمل في حسم المعركة ضد «داعش» مهما حشد لها الأميركيون، لأن في جعبة نظام دمشق الكثير من المجموعات الإرهابية، الجاهزة للخروج إلى العلن، كلما اقتضى الأمر.
وما لم تسعَ الولايات المتحدة وأوروبا والعالم بأسره إلى وقف مسارات القتل المستفحلة بحق السوريين، وتقديم بشار الأسد وعصابته إلى محاكمة دولية، سيظل قصر المهاجرين بؤرة لنشر الإرهاب الفعلي «الهادئ»، بل ويمنح بين الحين والآخر «شهادات حسن سلوك» أهدى آخرها إلى ترامب «الواعد»، وسيظل السوريون ضحية إرهابين متلازمين يمارسهما النظام و«داعش».