الغد الأردنية:24/3/2020
في الوقت الذي تبذل فيه تركيا والمجتمع الدولي جهوداً مضنية للتعامل مع وباء عالمي سريع الانتشار، ما يزال حوالي ثلاثة ملايين نازح سوري في حاجة ماسة للمساعدة على طول الحدود التركية في محافظة إدلب، وسط اندلاع أعمال العنف مرة أخرى ومخاوف من ظهور فيروس كورونا في آخر محافظة خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في سورية.
وحذرت منظمة “حملة سورية الخيرية”، يوم الخميس، من أنها أصبحت مسألة وقت فقط قبل أن يصل فيروس كورونا المستجد إلى إدلب، وقالت إنها لا تمتلك سوى 60 سريراً متاحاً لما يصل إلى ثلاثة ملايين شخص، بعد استهداف النظام السوري والروس لمنشآت الرعاية الصحية.
منذ بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في إدلب قبل أسبوعين، ظهرت تقارير عن انتهاكات من الجانبين، وعن قيام أنقرة بتعزيز مواقعها. ويوم الأربعاء، أفاد مصدر إخباري مؤيد للحكومة السورية بأن تعزيزات الجيش السوري كانت تتدفق من المحافظات المجاورة بينما يستعد الرئيس بشار الأسد لاستئناف هجومه في إدلب.
واعترف مصدر أمني تركي هذا الأسبوع بأن وقف إطلاق النار كان يهدف فقط إلى تجميد الصراع ووقف المأساة الإنسانية المستمرة، بينما يتفق معظم المراقبين على أن الاتفاق فشل في حل القضية الأساسية. ومن أجل تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في استعادة السيطرة على كل سورية وتطهير البلاد من الأعداء المفترضين للنظام، يجب أن يستعيد الأسد؛ المدعوم من روسيا وإيران، السيطرة على كل محافظة إدلب.
مع ذلك، فإن ما قد يحدث لجميع هؤلاء النازحين السوريين المتكدسين في مخيمات بائسة بين قوات الأسد والحدود التركية ما يزال غير واضح، لا سيما بعد أن أعلنت تركيا والاتحاد الأوروبي عن عدم استعدادهما لاستقبال المزيد من اللاجئين.
وقال ساشا غوش سيمينوف، المدير التنفيذي لمنظمة “بيبول ديماند تشانج” التي تركز على سورية، لموقع (أحوال تركية) في اتصال هاتفي: “كل الأدلة على ما فعله نظام الأسد على مدى الأعوام التسعة الماضية تشير إلى محاولة منهجية لتطهير البلاد من أي شخص يعارض حكمه عرقياً أو دينياً أو أيديولوجياً”.
وقال إن الاستراتيجية السورية الروسية خلال الأعوام الخمسة الماضية كانت انتزاع السيطرة على الأراضي ووقف التفاوض أو إبرام اتفاقات مؤقتة، ثم إعادة تجميع صفوفها واستئناف هجومها وتغيير المشهد ببطء لصالحها. واليوم، تمتلئ المنطقة الوحيدة المتبقية بالمدنيين، ومعظمهم يعارضون الأسد.
وقال غوش سيمينوف، الذي كان يدرس اللغة العربية في حلب عندما بدأت الحرب الأهلية، ويعمل منذ ذلك الحين على مساعدة المدنيين في شمال سورية: “سيكونون سعداء بدفع كل هؤلاء الناس إلى تركيا، لأن روسيا والنظام لا يستطيعان تحمل المساعدات والخدمات لإبقاء هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 3.5 مليون نسمة على قيد الحياة”.
بدأت عشرات العائلات السورية النازحة الاستقرار في منازل جديدة في إدلب شيدتها جمعية خيرية تركية. والغالبية العظمى غير قادرة على العودة إلى ديارها لأن هجوم روسيا والأسد جعل معظم القرى والبلدات المحيطة غير صالحة للسكن، بلا كهرباء أو رعاية صحية أو حتى طرق صالحة للاستخدام.
من ناحية أخرى، تعاني تركيا ومعظم دول العالم بشدة من فيروس كورونا. وتكافح أوروبا لصد موجة أخرى من اللاجئين، في حين أن الولايات المتحدة غارقة في انتخابات رئاسية أخرى.
وقال غوش سيمينوف، الذي يتوقع أن يبقى الوضع بلا حل لمدة عام أو أكثر: “لقد مررنا بتسعة أعوام من الصراع الذي أدى إلى تدمير البنية التحتية في سورية لدرجة أنها تجعل التعامل مع كل أزمة لاحقة أكثر صعوبة… إننا نتوقع أزمة طويلة على الحدود التركية”.
تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى بشأن إدلب وأزمة اللاجئين يوم الثلاثاء، ولكن يبدو أنه لم يحرز أي تقدم يُذكر. وبحسب ما ورد في الأنباء، فقد عرض الجانب الأوروبي مليار يورو على تركيا لمعالجة قضية اللاجئين، بالإضافة إلى المليارات الستة التي قدمها بموجب اتفاق اللاجئين للعام 2016، لكن أردوغان رفض العرض.
وقال غوش سيمينوف: “الأوروبيون مجموعة من المنافقين حقاً.. كانوا يدفعون لتركيا إلى احتواء أزمة اللاجئين بشكل أساسي، لكنهم لم يفعلوا سوى القليل للمساعدة في حلها… إن أوروبا لا تلتزم بإطارها الأخلاقي وقيمها وقيم القانون الدولي واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان”. وأقر بأن تركيا ارتكبت بعض الأخطاء فيما يتعلق بسورية.
وقال سيمينوف: “قامت تركيا أيضاً بعملية هندسة ديموغرافية في سورية من خلال الطريقة التي أقحمت بها نفسها وشردت مجتمعات معينة، مثل عفرين أو رأس العين… لا يمكننا التظاهر بأن هذه الأشياء لم تحدث، لقد فعلوا ذلك”.
ومع ذلك، أوقفت أنقرة أيضاً تقدم حكومة الأسد ومنحت العالم بعض الوقت للتوصل إلى طريقة لمساعدة النازحين من إدلب. وتستضيف تركيا أيضاً حوالي 3.6 مليون لاجئ سوري، في حين قبلت أوروبا أقل من نصف هذا العدد الكبير.
وتابع غوش سيمينوف قائلاً: “إنهم بحاجة إلى تنحية خلافاتهم والتفكير بشكل واقعي في كيفية توحيد جبهتهم فيما يتعلق بالتعامل مع النظام -والأكثر أهمية في التعامل مع روسيا”.
والآن، يأتي تهديد آخر متمثل في فيروس كورونا. إذا وصل الفيروس إلى مخيمات إدلب المكتظة، فإنه قد ينتشر انتشار النار في الهشيم. وقال إبراهيم الحاج، وهو متطوع في الدفاع المدني السوري (الخوذ البيض)، لحملة سورية: “الناس خائفون، ولكن ليس لديهم مكان يفرون إليه… الوضع مكتظ للغاية في كل مكان ولا يمكن للناس البقاء فقط في المنزل أو داخل خيامهم”.
وحث غوش سيمينوف المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات لتحسين وضع النازحين في إدلب، والمتمثلة في إنشاء منطقة حظر جوي لوقف الضربات الجوية الروسية والسورية على أهداف مدنية وضمان سلامة المدنيين وعمال الإغاثة، وإقناع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإعادة فتح العديد من المعابر الحدودية بين سورية وتركيا للسماح بإيصال المساعدات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، وإيجاد طرق للسماح للنازحين بالحصول على دخل، وإيجاد اقتصاد محلي وتقليل اعتمادهم على المساعدات.
وأضاف: “للقيام بذلك، يجب أن تكون هناك مساحة، ونحن ننظر الآن إلى نموذج قطاع غزة في إدلب؛ حيث يكتظ 3.5 مليون شخص في منطقة صغيرة جداً”، مشيراً إلى أن 90 في المائة من النازحين في سورية بحاجة إلى مساعدة يومية من أجل البقاء على قيد الحياة.
وقال: “إننا نحتاج حقاً إلى التفكير ملياً في الكيفية التي سنساعد بها هؤلاء الأشخاص على البقاء على قيد الحياة والخروج بنموذج مستدام أفضل لمساعدة إدلب”.
ولا يجد غوش سيمينوف حلاً سهلاً في المستقبل، ويخشى أن يأخذ الصراع منعطفاً مظلماً آخر. ويقول: “كلما اعتقدت أن الصراع في سورية لا يمكن أن يصبح أسوأ، فإنه يذهب إلى مزيد من السوء”.
*كاتب وصحفي مختص بالشأن التركي، يركز على الأكراد.