منهل باريش – «القدس العربي»: حزمت جبهة «فتح الشام» (النصرة) أمرها، واتخذ مجلس شورى التنظيم قرارا بإنهاء وجود فصائل الجيش الحر التي ذهبت إلى أستانة. القرار، الذي رفضه الكثير من أعضاء الشورى، حصل بدفع من القادة العسكريين وقائد التنظيم أبي محمد الجولاني. في المقابل، رفضه الشرعي العام لفتح الشام، وجهاد الشيخ المسؤول الاقتصادي في التنظيم، وحمزة سندة عضو مجلس الشورى. وقد أعلن الأخيران خروجهما من فتح الشام وعدم تبعيتهما لأي فصيل، وعزيا بيان الانسحاب إلى «ما آلت إليه الساحة، من تشرذم وتفرقة بعد محاولات عديدة باءت بالفشل، ومحاولة كل فصيل الاستئثار بالساحة والوصاية عليها، دون قبول للنصيحة أو مراعاة لمصالح أهل الشام».
مقربون من القياديين أخبروا «القدس العربي» أن سبب الانسحاب هو قرار الجولاني بشنّ حرب ضد من وصفتهم فتح الشام بـ«فصائل الأستانة». وبالفعل، بعد يوم من انشقاق القياديين بدأت فتح الشام بمحاصرة قرية الحلزون وباتبو في ريف حلب الغربي، المعقل الرئيسي لجيش المجاهدين التابع للجيش الحر، المشارك في أستانة.
كما وقع هجوم على مقرات جيش المجاهدين ومحاولة اقتحامها في معرشورين، شرق معرة النعمان، في محافظة إدلب. الهجوم أدى إلى توالي حالات الانشقاق في فتح الشام بعد استمرار المعارك، حيث كان علي العرجاني، الشرعي العام في الجبهة وأحد أبرز رجالات القاعدة في سوريا، قد خرج من الجبهة، وتبعه عضو مجلس الشورى ماجد الراشد أبو سياف.
وقطعت فتح الشام التغذية الكهربائية عن أبراج الإنترنت الموجودة في قرية راس الحصن قرب حارم، وكان القائد العسكري في منطقة حارم، المعروف باسم «أبو سعيد راس الحصن»، قد أمر عمال محطات بث الإنترنت القادم من تركيا بمغادرتها. وهو ما قطع الخدمة عن أغلب مناطق الشمال، فيما بقيت قيد العمل مخدمات الإنترنت التي تبث إشارتها من جبل دويلة، شرق سلقين.
وشنت فتح الشام هجوما، فجر الثلاثاء، على مقرات جيش المجاهدين، وحاصرت مقر عمليات الجيش، الذي لم يصمد أكثر من 24 ساعة في وجه الهجوم متعدد المحاور ضده. وأسفر هذا عن إعلان الجيش، بعد ساعات، انضمامه إلى حركة «أحرار الشام» الإسلامية.
من جانب آخر، اعترض أهالي ريف إدلب الشمالي، في حربنوش وكللي وحزانو، أرتال فتح الشام المتوجهة إلى ريف حلب الغربي ضد جيش المجاهدين. لكن الاعتراض، وقطع الطرق، لم يمنعا عبور تلك الأرتال من أراض فرعية أخرى بعيدا عن طريق إدلب ـ باب الهوى الدولي.
وبدأت الفصائل باستباق الهجوم عليها، فانضمت إلى حركة أحرار الشام، وأصدرت ستة منها ـ هي صقور الشام، وتجمع فاستقم، وجيش الإسلام، وثوار الشام، وجيش المجاهدين، والجبهة الشامية ـ بيان اندماج في الحركة.
ورغم قبول أحرار الشام انضمام الفصائل الستة إليها، وإصدارها بيانا يعتبر الحرب على أي منها بمثابة «الحرب على الحركة»، استمرت فتح الشام في الهجوم على بلدة أحسم في جبل الزاوية ومحاولة طرد صقور الشام التي تتحصن في أوعر منطقة هناك. وتعتبر قرية سرجة والبلدات المجاورة لها المعقل الرئيسي لقوات أحمد عيسى الشيخ، رئيس مجلس الشورى في الجبهة الإسلامية سابقا، وقائد صقور الشام. ويعتبر الشيخ الوحيد بين القادة في التصريح بحربه ضد «فتح الشام «، ووصفها بـ«جبهة الإجرام».

محاولات اقتحام جبل الزاوية

وصدّ صقور الشام خمس محاولات اقتحام لجبل الزاوية، أهمها في أحسم. ومع عجز فتح الشام عن اقتحامها، حاولت التسلل إلى جبل الزاوية من الجهة الشرقية قرب الدانا. وهناك جرت اشتباكات دامت ست ساعات، خسرت فيها فتح الشام دبابة ومدفع 23 وعشرات من جنودها، في «الحرش» الواقع بين الدانا وبينين.
استعصاء معارك جبل الزاوية. دفع فتح الشام إلى الهجوم على مقرات جيش الإسلام وتجمع فاستقم في جبل بابسقا غرب معبر باب الهوى، قرب الحدود التركية. ويعتبر معسكر هذا الجيش بمثابة مستودعات ذخيرة لكل فصائل الجيش الحر والفصائل الأخرى.
وكانت فتح الشام قد اتهمت الفصائل المشاركة بتمرير مؤتمر أستانة، «الذي نص بيانه على إقامة دولة ديمقراطية واتفاق مشترك لقتال جبهة فتح الشام وعزلها. ثم جرت المساومة علينا وعقد الاتفاقيات لقتالنا فضلا عن كشف ظهورنا في وجه التحالف الدولي. فأمام ما تقدم كان لزاما علينا إفشال المؤامرات والتصدي لها قبل وقوعها».
ومن المتوقع أن استمرار اعتداء فتح الشام على الفصائل، رغم قرار اندماجها، سيحرج أحرار الشام في النهاية، وسيضعها أمام خيار الصدام الذي ابتعدت عنه حتى أيام القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، مطلع عام 2014.
ولعل المقاومة الأسطورية لصقور الشام، ستشجع الكثير من الألوية والكتائب في أحرار الشام على الدخول مع رفاق السلاح. وهو ما حدث فعلا في جبل الزاوية، إذ تدخلت ألوية كبرى ضد فتح الشام.
ويخشى الكثير من السياسيين والمعارضين السوريين من انتصار فتح الشام على باقي الفصائل. فانتصارها سيعقد المشهد السياسي والعسكري في الشمال، وسيجعل محافظة إدلب تحت سيطرة التنظيم المصنف على لوائح الإرهاب دوليا. وهو ما سيعني، سياسيا، تحول المعارضة إلى معارضة منفى حقيقي، ليس لها شبر من الأرض تفاوض من خلاله على مستقبل سوريا. وهذا في النهاية يصب في مسار الحل الروسي للحرب السورية، من خلال إعادة إنتاج النظام.