في سياق سباق بين «العدالة» الحاكم والمعارضة للفوز بالانتخابات المقبلة

إسماعيل جمال

إسطنبول – «القدس العربي» : شهدت الأسابيع الأخيرة تزايد التصريحات التركية الرسمية التي تعد بإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم خلال المرحلة المقبلة ما أثار مخاوف لدى شريحة واسعة من اللاجئين لا سيما بتزامن ذلك مع تكثيف النظام الروسي وهجماته على إدلب والغوطة وفي ظل عدم وجود أي مؤشرات على نهاية الحرب الدائرة في سوريا من أكثر من 7 سنوات.
هذه التصريحات تزايدت بالدرجة الأولى عقب إطلاق الجيش التركي عملية «غصن الزيتون» ضد الوحدات الكردية في مدينة عفرين السورية، حيث شدد كبار المسؤولين الأتراك على أن عملية عفرين سوف تتيح للسوريين العودة إلى بلدهم منازلهم الأصلية.

عودة اللاجئين

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قال قبل أيام: «سنحل مشكلة عفرين وإدلب، فنحن نريد عودة إخوتنا اللاجئين إلى ديارهم، وهم أيضاً يرغبون في العودة إلى أراضيهم بأسرع وقت ممكن، ولا يمكننا الاحتفاظ بـ 3.5 مليون لاجئ إلى ما لا نهاية، يمكن لقسم منهم أن يبقى هنا». والأربعاء أيضاً، قال في خطاب جماهيري له بالعاصمة أنقرة: «كما أعدنا 140 ألف سوري من سكان الباب وجرابلس إلى بيوتهم سنعيد سكان عفرين إلى مدينتهم عقب تطهيرها بالكامل من الإرهابيين».
لكن عملياً وعلى الأرض، لا تظهر أي مؤشرات لنية تركيا إجبار أي لاجئ على العودة إلى سوريا، ويُجمع مراقبون على أن تكثيف هذه التصريحات في الآونة الأخيرة مرتبط بالدرجة الأولى بخطاب أنقرة للعالم والتأكيد على مبررات عملية «غصن الزيتون» وشرعيتها.
وتهدف هذه التصريحات إلى التأكيد للعالم على أن عملية عفرين سوف تساعد في إعادة اللاجئين إلى منازلهم، وذلك على فرار ما حصل في عملية «درع الفرات» حيث تقول تركيا إنها وعقب تحرير هذه المناطق من التنظيمات الإرهابية وتأمينها فتحت الباب أمام عودة 135 ألف لاجئ سوري من تركيا إلى منازلهم في هذه المناطق.
وتسعى تركيا لتكرار هذا السيناريو في مدينة عفرين، حيث تعمل على إكمال السيطرة على المدينة التي سيطر الجيشان التركي والسوري الحر عملياً على قرابة نصفها، ومن ثم تطوير مرافقها وخدماتها من أجل فتح الباب أمام عودة سكان عفرين اللاجئين في تركيا.
ولا يُطرح في الأروقة التركية أي سيناريو لإعادة أي لاجئ بالقوة إلى سوريا أو إلى مناطق أخرى غير منازلهم الأصلية كعفرين أو مناطق درع الفرات، أو مخيمات داخل هذه المناطق، وإنما تعمل أنقرة بالدرجة الأولى على منع وقوع موجات هجرة واسعة جديدة إلى أراضيها خاصة من إدلب وغيرها من المناطق التي يهاجمها النظام وروسيا.
وإلى جانب ذلك، تعمل تركيا على تطوير الخدمات في المناطق التي تتمكن من تأمينها، وكما عاد 135 ألف لاجئ بإرادتهم إلى مناطق درع الفرات، تأمل تركيا أن يعود قسم كبير من سكان عفرين في تركيا إلى مدينهم عقب تأمينها، حيث كشف رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قبل أيام أن 300 ألف من سكان عفرين الأصليين لاجئون في تركيا.
وبالإضافة إلى حاجة تركيا لتبرير عملية عفرين للعالم من خلال طرح ملف اللاجئين، يبرز ملف آخر أكثر أهمية على الصعيد الداخلي التركي، حيث يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى سحب البساط من حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية والذي يعد في حملاته الانتخابية بإعادة اللاجئين إلى أراضيهم في حال فوزه بالانتخابات.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية «المصيرية» المقررة في عام 2019، سعى إردوغان على ما يبدو إلى تقديم وعود غير مباشرة للناخبين بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، حيث تفضل شريحة واسعة من الشعب التركي عودة اللاجئين على بقائهم على الرغم من عدم إبدائهم أي معارضة لاستقبالهم في السابق وتقديم المساعدة لهم.

تسريع التجنيس

وتأتي وعود إردوغان بإعادة اللاجئين، لتتنافى عملياً مع الإجراءات القائمة على الأرض لا سيما فيما يتعلق بمنح الجنسية التركية للاجئين السوريين، حيث سرعت الجهات التركية المختصة في الأشهر الأخيرة إجراءات منح الجنسية التركية لأعداد متزايدة من اللاجئين.
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة، إلا أن الحديث يدور عن إنهاء إجراءات منح الجنسية لعشرات آلاف اللاجئين، فيما ترجح مصادر أخرى أن العدد أكبر من ذلك بكثير وقد يصل إلى مئات الآلاف، حيث تبدي الأغلبية الساحقة من اللاجئين السوريين رغبتهم في الحصول على الجنسية التركية والبقاء في هذه البلاد.
وبينما تقول الحكومة التركية إنها تمنح الجنسية التركية بموجب القانون وللكفاءات ومن يحصلون على إقامات عمل وتتجاوز فترة إقامتهم 5 سنوات بموجب القانون، تقول المعارضة إن حزب العدالة والتنمية الحاكم يريد الاستفادة من تجنيس اللاجئين في الحصول على أصوات انتخابية، وهو ما تنفيه الحكومة.
وتفسر أطراف أخرى رغبة إردوغان في تجنيس اللاجئين بترجيحه منحهم حقوق المواطنة والاعتماد على الذات على أن يبقوا لاجئين بانتظار المساعدات، وتعزيز القوة البشرية للبلاد على المدى البعيد وتفادي الوصول إلى تراجع في أعداد الشباب كما يحصل في العديد من الدول الأوروبية.
وبينما ركزت تقارير تركية في الآونة الأخيرة على تراجع نسب الزواج والإنجاب في تركيا بشكل ملحوظ، أظهرت آخر إحصائية لوزارة الداخلية التركية نشرت عام 2018، أن إجمالي عدد اللاجئين السوريين في تركيا تجاوز الثلاثة ملايين و424 ألف لاجئ، وفي التفاصيل فإن «الأطفال من عمر شهر وحتى أربع سنوات يحتلون الشريحة الأكبر من السوريين المتواجدين في تركيا، وتجاوز عددهم 515 ألفًا، فيما يعيش في تركيا مليون سوري تتراوح أعمارهم بين خمس و18 سنة». وخلصت الإحصائية إلى أن ما يزيد عن مليونين و461 لاجئ سوري في تركيا لم تتجاوز أعمارهم الـ 29 عامًا.