إسماعيل جمال
إسطنبول ـ «القدس العربي»: مع تأكيد البنتاغون تسليمه الرئيس دونالد ترامب «الهيكل الأولي» للاستراتيجية الأمريكية الجديدة للحرب على الإرهاب والتي ستحدد طبيعة المرحلة المقبلة في المنطقة، سارعت جميع الأطراف المشاركة في الصراع السوري إلى محاولة فرض حقائق جديدة على الأرض يمكن أن تؤدي إلى تغيير خريطة الصراع والتأثير على الخطة الأمريكية الجديدة.
وخلال الساعات الـ48 الأخيرة تسارعت التطورات السياسية والعسكرية على الأرض في شمالي سوريا مع قطع قوات النظام السوري الطريق بين الباب والرقة بعد اشتباكات عنيفة مع المسلحين السوريين المشاركين في عملية «درع الفرات»، فيما تمكن النظام من فتح ممر يصل مناطق سيطرته بمناطق سيطرة الوحدات الكردية في مدينة منبج، وسط تكهنات بإمكانية لجوء الأكراد إلى تسليم المدينة لقوات الأسد في محاولة لمنع سيطرة الجيش التركي عليها والذي توعد بدخولها مع الإعلان عن إتمامه لعملية الباب.
وقال المتحدث باسم «البنتاغون»، جيف ديفيس، إن اجتماعاً لمجلس الأمن الوطني يترأسه وزير الدفاع جيمس ماتيس، الثلاثاء، بحث تفاصيل الخطة التي تعمل على تحقيق «هزيمة سريعة» لتنظيم «الدولة»، وهي الخطة التي تنتظرها تركيا بفارغ الصبر، ووصف المتحدث الأمريكي الخطة بـ»العابرة للمناطق» وأنها لا تتناول هزيمة التنظيم في العراق وسوريا فقط التغيرات على الأرض بدأت مع إتمام «الجيش السوري الحر» بدعم من الجيش التركي السيطرة على مدينة الباب، الأمر الذي دفع تنظيم «الدولة» إلى الانسحاب من منطقة تادف الواقعة جنوب المدينة كونها باتت ساقطة عسكرياً وهو ما فتح الباب أمام قوات النظام للتقدم والسيطرة عليها بعد اشتباك هو الأعنف مع قوات «درع الفرات» أسفر عن مقتل 22 من قوات الأسد.
وبسيطرة النظام والمليشيات الداعمة له على 22 بلدة في جنوب الباب، تم قطع الطريق الواصل بين مدينة الباب ومحافظة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم «الدولة»، وهو الطريق الذي وضعته تركيا في مقترحاتها للإدارة الأمريكية ليكون منطلقها للتوجه إلى الرقة.
لكن الأبرز هو تمكن النظام من الوصول إلى مشارف المناطق التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب الكردية» في مدينة منبج، وسط هواجس تركية من حصول اتفاق يقضي بتسليم الوحدات الكردية المدينة إلى قوات النظام لتعيق بذلك خطط الجيش التركي لمهاجمة المدينة.
وكانت الوحدات الكردية تمكنت من طرد تنظيم «الدولة» من مدينة منبج ضمن اتفاق بين تركيا وأمريكا تعهدت خلاله الولايات المتحدة بسحب العناصر الكردية من المدينة فور انتهاء العملية، لكن ومنذ أشهر تطالب أنقرة واشنطن بالالتزام بتعهداتها في هذا الإطار وتهدد منذ أسابيع بأن قواتها سوف تتجه إلى المدينة فور الانتهاء من عملية الباب التي انتهت بالفعل قبل أيام.
واستعداداً للخطة الأمريكية الجديدة ولمتابعة التطورات المتسارعة في شمالي سوريا، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم، الاثنين، لقاءات عاجلة وغير معلنة مع وزير الدفاع فكري أشيق ورئيس أركان الجيش خلوصي أكار، في حين واصل الجيش التركي لليوم الخامس على التوالي إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الحدود مع سوريا، وسط تكهنات بإمكانية حصول تحرك تركي منفرد لمحاولة وقف التغيرات التي يحاول النظام والأكراد فرضها على الأرض.
مصادر صحافية تركية قالت إن المعلومات التي وصلت تركيا تشير إلى احتمال كبير أن الإدارة الأمريكية سوف توافق على الخطة التركية التي تنص على مهاجمة مدينة الرقة بمشاركة الجيش التركي وقوات «الجيش السوري الحر» انطلاقاً من الأراضي التركية ومروراً بمنطقة تل أبيض وصولاً للرقة.
ولفتت صحيفة «يني شفق» إلى أن لقاءات أردوغان مع قائد الجيش ووزير الدفاع تركزت حول عملية الرقة وأن الخطة تتضمن مشاركة 4 آلاف جندي من الجيش التركي، و6 آلاف من «الجيش الحر»، لافتاً إلى أن «البنتاغون» سوف يعرض الخطة التي تمت الموافقة عليها على تركيا خلال الساعات المقبلة وأن المباحثات متواصلة في هذا الإطار.
وسائل إعلام تركية أخرى تحدثت عن أن أردوغان بحث مع رئيس الإقليم الكردي في شمال العراق، مسعود البارزاني، الاثنين، في اسطنبول، إشراك قوات كردية تم تدريبها وتجهيزيها من قبل تركيا والبارزاني في عملية الرقة المتوقعة لتحقيق أهداف مشتركة للجانبين.
أردوغان وفي مؤتمر صحافي قبيل توجهه إلى باكستان، أمس، أكد أن لقاءه أمس مع رئيس الأركان كان لبحث سير عملية درع الفرات وآخر تطورات الوضع في الباب والرقة، وقال «جرى خلال اللقاء تقييم الوضع في الباب والرقة ومنبج»، مشدداً على أن منبج مدينة عربية وأن بلاده لن تسمح باستمرار سيطرة الوحدات الكردية عليها لأنها تشكل خطر على بلاده.
وعـن عملـية الرقة قـال «توجد مساعٍ للتوصل إلى اتفاق مع واشنطن لتنفيذ العملية في إطار قوات التحالف الدولي وباستخدام العناصر المحلية كما هو الحال في عملية درع الفرات التي أثبتت نجاحها في مدن عدة شمالي سوريا، كما أثبتت كفاءة وفاعلية الجيش السوري الحر في مواجهة تنظيم داعش»، مضيفاً «إذا صدق حلفاؤنا في مكافحة داعش فنحن مستعدون للتعاون معهم في طرد التنظيم من الرقة ثم تسليمها لسكانها لأن تركيا لا تريد البقاء هناك».
وشدد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في خطاب له، الثلاثاء، على أن بلاده لن تشارك أبداً في عملية الرقة في حال إشراك الإدارة الأمريكية لـ»التنظيمات الإرهابية وعلى رأس وحدات حماية الشعب الكردية»، مؤكداً أنه «لا يمكن محاربة تنظيم إرهابي بآخر إرهابي».
ولا يتوقع مراقبون أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى استبعاد تام لـ»قوات سوريا الديمقراطية» من عملية الرقة المقبلة، لا سيما وأن هذه القوات حققت نجاحات كبيرة في الحرب على التنظيم وتلقت حتى وقت قريب مساعدات عسكرية أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية.