منهل باريش
«القدس العربي»: استعاد مقاتلو مجلس منبج العسكري السيطرة على قريتي تل تورين وقارة شرق مدينة الباب، بعد أيام من تقدم مقاتلي عملية «درع الفرات» إليها. وأعلن «المجلس» عن قتل 12 مقاتلا من فصائل الجيش الحر، وعلمت «القدس العربي» من قيادي ميداني فشل محاولات سحب جثث بعض المقاتلين، بسبب ضراوة المعارك بين الجانبين.
وجاء الهجوم المعاكس بعد ساعات من إعلان المجلس، التابع لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، في بيان رسمي له، عن تسليم القرى الواقعة على خط التماس مع «درع الفرات»، والمحاذية لمنطقة الباب في الجبهة الغربية لمنبج، إلى قوات حرس الحدود التابعة للنظام السوري. وهذه سوف تقوم بمهام حماية الخط الفاصل بين قوات المجلس ومناطق سيطرة الجيش التركي و«درع الفرات». وأوضح البيان ان الهدف هو «حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والدماء، وحفاظاً على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها، وقطع الطريق أمام الأطماع التركية وباحتلال المزيد من الأراضي السورية». واعتبر البيان أن القرار جاء التزاماً بعهد «المجلس» بالعمل «لأجل مصلحة وأمن شعبنا وأهلنا في منبج»، كما جاء بالاتفاق مع الجانب الروسي.
قرار المجلس أثار استياء سياسياً وشعبياً لدى طيف واسع من المعارضين السوريين والنشطاء. حسن نيفي، رئيس الهيئة السياسية في منبج، وصف القرار بأنه «استمرار للعلاقة بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو ما حصل مؤخرا في السيطرة على حلب الشرقية، أو سابقاً في سيطرتها على تل رفعت بتغطية جوية من طيران النظام، وهم يتقاسمون الشوارع في مدينة القامشلي».
وفي حديث إلى«القدس العربي»، تناول نيفي الدور الروسي الذي يحاول «ضرب المنطقة الآمنة، للضغط على تركيا. ويريدون في السياق السياسي تثبيت دور حزب الاتحاد الديمقراطي في العملية السياسية وهذا ما كان واضحا من تصريحاتهم قبيل جنيف4 «.
الناطق باسم الجبهة الشامية، العقيد محمد الأحمد، قال إن «قرار ما يسمى بمجلس منبج العسكري التابع لـ «بي كي كي» لن يحول بيننا وبين استعادة أراضينا في منطقة غرب الفرات، سواء من النظام أو من قوات سوريا الديمقراطية».

الخطأ الاستراتيجي

من جهته، كان رئيس مجلس منبج العسكري التابع للجيش الحر، أنس الشيخ ويسي، قد اتهم «قسد» بأنها «صنيعة عصابات الأسد، وهم من يومهم يبيعون نفسهم لأي جهة تلوح لهم بجزرتهم المعهودة، وهي إنشاء كيانهم الإنفصالي، ولا نستغرب أي خيانة أو عمالة منهم». وأضاف: «لا بديل من أن تكون منبج حرة، ولن نقبل ببقاء خنجر مسموم في خاصرتنا، وسنتجه إلى منبج مع كل ثائر حر شريف للقضاء على الانفصاليين واستعادة أرضنا منهم مهما كلف الثمن».
وفشلت محاولة فصائل الجيش الحر عزل قوات النظام وميليشياته عن مناطق سيطرة قسد. ويتضح هنا الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته غرفة عمليات «درع الفرات»، لجهة إهمال شرق مدينة الباب وجنوبها على حساب الإصرار على السيطرة على البلدة أولاً. وهذا رغم التقدم السريع الذي بدأت قوات النظام تحرزه في كامل ريف حلب الشرقي، وصولاً إلى مشارف دير حافر، وبدء التقدم باتجاه الخفسة، والسباق للسيطرة على ريف منبج الشرقي، وتركه فصائل الجيش الحر والقوات التركية تخوض معركة حرب شوارع مع تنظيم «الدولة».
ولا شك أن كل الأطراف ربحت من المعركة الأخيرة، باستثناء الجيش الحر. فتنظيم «الدولة» أخرج فصائل «درع الفرات» من الصراع معه بشكل نهائي، إلا إذا حدث تفاهم بخصوص دخول القوات التركية من تل أبيض للسيطرة على الرقة.
وكسبت «وحدات حماية الشعب» الكردية من وضع الجيش التركي والفصائل التي يدعمها وجها لوجه أمام جيش النظام والميليشيات الإيرانية، الأمر الذي سيضع التفاهم التركي ـ الروسي على محك أكبر اختبار من الاستدارة التركية إلى روسيا وتغيير تحالفات أنقرة. وهكذا استطاعت «الوحدات» وضع تركيا في مأزق بين المتنافسين الدوليين، أمريكا وروسيا.
وتتعقد المسألة في وجه تركيا كثيراً فهي اليوم، لا تستطيع تأمين منطقتها «الآمنة» التي عملت عليها منذ التفاهم الروسي التركي، خصوصا مع محاولات قضمها من قبل الوحدات في جنوب اعزاز، وصولا إلى تل رفعت. هذا بالإضافة إلى سيطرة قوات النظام على بلدة تادف الملاصقة لمدينة الباب جنوباً.
ويبقى النصر الأكبر للنظام السوري وإيران. فالنظام استعاد الطريق البري إلى الحسكة والقامشلي، بعد أن خسر الطريق الذي يصل من دمشق إلى دير الزور فالحسكة، مطلع عام 2012. وهو ما يعتبر إنجازا كبيرا سيمكنه من إعادة تفعليه لنقل نفط ما تبقى له من آبار يسيطر عليها، إضافة إلى إعادة ربط منطقة الجزيرة بدمشق بشكل أكثر فعالية، بعد أن كانت الحركة قد اقتصرت على استخدام مطار القامشلي جواً.
وبالطبع فإن إيران، بدورها، ستستعيد طريقاً بريا للوصول إلى ضاحية بيروت، معقل حزب الله، رغم أنه يبدو طويلا وشاقا، لكنه يبقى مكسبا له دلالته الكبيرة في متغيرات الصراع. صحيح أن طريق بيروت ـ دمشق هو أكثر قربا، لكن فصائل الجيش الحر وتنظيم «الدولة» تتقاسم السيطرة عليه من معبر التنف وصولا إلى غوطة دمشق الشرقية.
حسابات أنقرة اليوم تزاد حساسية وصعوبة وخطورة. فبوابة منبج اليوم هي بوابتها الوحيدة لشراكة واشنطن في حربها على الإرهاب، لكنها بالضرورة ستعيد علاقتها بروسيا إلى مرحلة ما بعد إسقاط القاذفة الروسية في جبال اللاذقية. وربما تغضب أمريكا، لكن بشكل أقل.