في نهر الدم المندفع في كل مكان من الجغرافيا السورية قد لا يعني الكشف أمس عن عملية إعدام النظام السوري للمبرمج الفلسطيني باسل خرطبيل (المعروف أيضا بباسل الصفدي)، التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2015، قضيّة تلفت النظر، فمئات الطائرات والمدافع والصواريخ تصبّ حممها على البشر والشجر والأبنية والجسور ودور العبادة، وعشرات الدول والميليشيات والأحزاب والقوى والأجندات تتصارع وتشارك في مقتلة لا يبدو لها آخر.
يحتاج مقتل خرطبيل وقفة خاصّة لأسباب كثيرة، أهمّها، ربما، هو كسر الاعتياد العربيّ المريع على الموت الذي تحول إلى رقم يظهر على عداد القتل اليوميّ، وما يحمله ذلك من الاستهانة الفظيعة بحياتنا نحن، الأحياء الذين ننسى أننا نحن أيضا نموت كلما مات شخص بريء على يد الإجرام، في استعادة ضرورية دائمة للآية الكريمة «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا».
إلى ذلك كله فإن مقتل خرطبيل يحمل معاني أخرى أيضاً، فهو أحد علماء البرمجيات المهمين في العالم، وكان تخصصه، تطوير البرمجيات المفتوحة المصدر، ورئاسته لمؤسستي Aiki Lab وشركة «الأوس» للنشر، وإدارته لمشروع المشاع الإبداعي، ومساهماته في محرك البحث موزيلا فيرفوكس، وويكيبيديا، والكليب آرت المفتوح، وسبقه في فتح خدمة الانترنت في سوريا ونشر المعرفة وطرق الوصول إليها لعموم المواطنين، وهذه المنجزات كلّها، في الحقيقة، كانت قائمة الاتهام ضدّه، فنظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تفاخر في بداية رئاسته بدوره في نشر المعلوماتية والانترنت، يعرف من يقتل ولماذا يقتل.
يخدم إعدام النظام السوري لخرطبيل عدة أهداف، منها معاقبته على «عمله الشرعي والسلمي للترويج للحق في حرية التعبير وحمايته»، كما قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، وعلى منحه «للناس أدوات جديدة للتعبير والتواصل»، كما قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية.
غير أن الجريمة، لم يشارك فيها النظام وحده، فكثير من المسؤولين الدوليين المعروفين كانوا على علم باعتقاله، وكذلك المبعوثون الأمميون المتعاقبون.
لقد تتبع أولئك المبعوثون والمسؤولون خطوات سير خرطبيل من الاعتقال إلى المحكمة العسكرية (التي تمنع الدفاع عن المتهمين) وصولا إلى الإعدام، ولم يضغط أحد منهم على النظام لإطلاق سراحه.
وللأسباب الآنفة كلها، فإن العالم، الذي شاهد وشارك في مجزرة النظام السوري لمواطنيه على مدى السنوات الطويلة الماضية، وضع توقيعه، هو أيضاً، على قرار الإعدام.
باسل خرطبيل، واحد من قرابة 60 ألف شخص أعدمهم النظام السوري منذ بدء الثورة عام 2011، وهو أحد آلاف الفلسطينيين الذين اعتقلهم وأعدمهم أيضاً، فلا فرق بين فلسطيني وسوريّ عند آلة قتل النظام، ومن دون الخجل من المتاجرة المستمرة بقضية فلسطين.
في نعيها لخرطبيل قالت زوجته نورة غازي الصفدي: «يا خسارة سوريا. يا خسارة فلسطين. يا خسارتي».

 

رأي القدس