قامت روسيا اليوم باستخدام حقّ النقض «الفيتو» للمرة السابعة لحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد من سلّة عقوبات محتملة ضد شخصيات أمنية وعسكرية وعشرة كيانات ومؤسسات متهمة باستخدام الأسلحة الكيميائية ثلاث مرات خلال عامي 2014 و2015، كما يشمل حظر استيراد وتزويد الجيش السوري بالمروحيات والمعدات المرتبطة باستخدام الأسلحة الكيميائية.
في تبريرها لاستخدام «الفيتو» قال رئيسها فلاديمير بوتين إن القرار «غير ملائم على الإطلاق»، وقال ممثلها في مجلس الأمن إنه «لا يستند إلى أدلة كافية»، فيما اعتبر نائب وزير خارجيتها أن القرار «سيكون له أثر سلبي على محادثات السلام في جنيف».
أهمية هذا المشروع، بحسب سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، أنه يضع مصداقية مجلس الأمن الدولي على المحك لأنه «إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التوحد بشأن منع انتشار واستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين فماذا إذن؟».
كان يمكن للمنطق السياسي الروسي في تخريج المسألة أن يكون أكثر إقناعاً، وخصوصاً في وضعها الراهن حيث تقوم حاليّاً برعاية المفاوضات بين النظام والمعارضة في مؤتمر «جنيف 4»، لولا أن أدلّة كثيرة، كما يقول السفير الفرنسي، تشير إلى أن تلك الأسلحة الكيميائية ما تزال تستخدم، وبالتالي، كما يقول، فإنه «بالنسبة لمدى التهديدات التي يشكلها (استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين) على السلم والأمن فإن الأمر وصل للحد الأقصى».
يعيد مشروع القرار تذكير السوريين بمأساتهم الطويلة الأمد وبانقفال آفاق تسوية تزيح كاهل إرهاب الدولة المنظّم ضدهم وتعيد ذاكرتهم، خصوصاً، إلى تخاذل المجتمع الدولي الكبير، بدءاً من البرلمان البريطاني الذي رفض معاقبة نظام الأسد بعد مجزرته الكيميائية الشنيعة ضد أطفال الغوطة ومدنييها في آب/أغسطس 2013 وذلك بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى دمشق في مفارقة فظيعة في معناها الذي يهين المنظومة الدولية والأمم المتحدة، ولكنه وافق بحماس بعد ذلك على شنّ حرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في كانون الأول/ديسمبر 2015، ولكن الخذلان الأكبر للسوريين كان من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما في أيلول/سبتمبر من العام 2013، وكانت تلك، عمليّاً، بداية تراجع الثورة السورية وصعود تنظيم «الدولة» وتسليم المنظومة الدولية لروسيا وإيران بافتراس سوريا وإنهاء الانتفاضة السورية بكل الطرق الممكنة.
يعكس مشروع القرار، بوضوح، الهزالة التي وصل إليها تعاطي المنظومة الدولية مع الشأن السوري، فعلى الأرض نجد صانعي القرار الأمريكيين يقدّمون الأسلحة الثقيلة لوحدات الحماية الكردية، ذراع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا، فيما تستعد هذه القوّات لإخلاء مدينة منبج لتستولي عليها قوّات الأسد وميليشيات إيران، في تدوير أشبه بالكوميديا السوداء لسرديّة مكافحة «داعش» التي استبدلت سرديّة حل ديمقراطي للمسألة السورية ينهي النظام المرعب الذي حصد، خلال رحلته السوداء ضد كفاح الشعب السوري لتغييره، مئات آلاف الأرواح وهجر الملايين وساهم عمليّاً في تأجيج التطرّف والإرهاب في كل أنحاء العالم.
التسوية السياسية السورية، بهذا المعنى، هي استمرار لحماية الأسد الكيميائي من عقاب المجتمع الدولي، وإخضاع للشعب السوري بالقوّة لإنهاء أمله بالتغيير.

“رأي القدس” العربي