شهد العالم العربي منذ إعلان استلام الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولاية العهد في المملكة السعودية في حزيران/يونيو 2017 مجموعة من التطوّرات اللافتة في السياسة الخارجية السعودية أخذت بها نحو اتجاه قريب جداً من سياسات الإمارات العربية المتحدة، وتحوّل هذا الاتجاه إلى تحالف ضمّ أيضاً مملكة البحرين ومصر، وكانت أول «إنجازاته» (في بداية شهر حزيران/يونيو 2017 نفسه) محاصرة قطر برا وبحرا وجوّاً، وتوازى ذلك مع ضغط أمريكي على الفلسطينيين (والأردنيين) للقبول بما سمّي «صفقة القرن»، وعلى لبنان عبر احتجاز رئيس وزرائه سعد الحريري.
إحدى ثمار هذا الحلف تمثّلت بتغيّر الموقف السعودي من نظام بشار الأسد وتجلّى ذلك بأشكال عديدة منها الإطاحة بهيئة التفاوض المعارضة السابقة وضمّ ما يسمّى منصّتي القاهرة وموسكو إلى صفوفها، كما تجلّت، خصوصاً على المستوى الإماراتي، بدعم أحمد الجربا زعيم «تيار الغد» الذي ينسّق مع «وحدات الحماية الكردية» تحت مسمّى «قوات سوريا الديمقراطية»، وشارك تياره بحماس في مؤتمر «سوتشي» الروسي، كما شارك أحد مسؤولي التيار، المدعو عبد الجليل السعيد، في زيارة لإعلاميين عرب إلى إسرائيل والتقى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، وبذلك تتضح حبّات عقد «السياسة الخارجية» لحلف الحصار: تغيير الموقف من نظام الأسد، والتحالف مع حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، والتقارب مع إسرائيل.
ولا تفعل المجازر الوحشية التي يرتكبها النظام حاليّاً ضد بلدات ومدن الغوطة الشرقية لدمشق غير أن تؤكد هذا الاتجاه المخزي، فقد تصدّى «تيّار الغد» المذكور للحديث عن مفاوضات تجريها روسيا، وهي أحد الأطراف الرئيسية المسؤولة عن قصف الغوطة، برعاية مصرية، لإخراج قوّات المعارضة من المنطقة الشاسعة التي تضم قرابة 400 ألف شخص، في الوقت الذي تنسحب قوّات «وحدات الحماية الكردية» من أحياء حلب وتسلّمها للنظام، وتدخل ميليشيات شيعية إلى عفرين لمواجهة الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية وهي تحمل صور الأسد.
غير أن الأمر لا يقتصر على استغلال «حلف الحصار» للمجازر لإخراج قوات المعارضة من الغوطة، بل إن جزءاً من اللعبة يجري من داخل الغوطة نفسها، عبر الفصائل المحسوبة على السعودية، وعلى رأسها طبعا «جيش الإسلام»، فالأخبار القادمة من الغوطة تشير إلى أن تلك الفصائل لا تشارك عمليّا في معارك صد تقدّم قوّات النظام، وهو ما يجعل مقاومي الهجوم الأسدي ـ الروسي من الفصائل الأخرى مكشوفي الظهر، مع امتناع إخوانهم في المعارضة عن القتال معهم، وهو ما سيجعل «جيش الإسلام»، إذا تمكن النظام من ضرب «فيلق الرحمن» وحلفائه في المعارضة، الفريسة المقبلة للهجوم الروسي ـ السوري الجديد، ومن المؤكد أن السعودية، المشغولة بتمكين وليّ العهد، ومحاربة الحوثيين، وإرضاء أمريكا وروسيا، لن تكون قادرة على مكافأتهم على خذلانهم لأخوانهم.
والواضح أن هذا التواطؤ العربيّ، والسكوت على أشكال الإبادة الجماعية التي تحصل ضد المدنيين السوريين، ساهم في التواطؤ العالميّ، الذي لم يكتف بالامتناع عن إنجاد الغوطة بالغذاء والدواء، في الوقت الذي جنّد كل قوّاته وإمكانياته لنجدة مسلحي حزب العمال الكردستاني في عين العرب (كوباني)، بل إنّه انخرط، كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطة النظام وروسيا، مطالباً بهدنة لإخراج المدنيين، في تشريع عالميّ لترانسفير طائفي يتبعه بالتأكيد تغيير في النسيج الاجتماعي لغوطة دمشق.