رأي القدس

تحدثت صحيفة «معاريف» أمس عن محاولة إسرائيل التأثير في محادثات الأطر الدولية المختلفة للتوصل الى اتفاق «تسوية» مع الأطراف الفاعلة في الساحة السورية (أمريكا وروسيا وتركيا) يمنع اقتراب القوات الإيرانية والشيعية من «حدودها الشمالية» ويعيد جيش نظام الرئيس بشار الأسد إلى هناك مقابل وقف غاراتها الجويّة على الأراضي السورية.
ويبدو أن المحرّك لهذا السعي الإسرائيلي هو محاولة النظام السوري، ولأول مرة بعد 19 غارة سابقة منذ عام 2013، التصدّي للطائرات الإسرائيلية المغيرة بإطلاق صاروخ مضاد للطيران أسقطته منظومة صواريخ إسرائيلية شمال القدس، بحسب الجيش الإسرائيلي، وأصاب طائرة إسرائيلية سقطت «داخل الأراضي المحتلة»، بحسب بيان الجيش السوري.
الواضح أن استخبارات تل أبيب كانت قد استشعرت قبل أسابيع إمكانية وجود بعض التغيير في قواعد الاشتباك وحرّية الحركة في الأجواء السورية مما استدعى استكشاف أبعاد ذلك عبر زيارة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى موسكو لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرّح نتنياهو بعدها إن إسرائيل ستواصل مهاجمة قوافل الأسلحة الموجهة لـ«حزب الله» لكنه أضاف «نحن نحرص على عدم المس بمن لا يجب المسّ فيه».
موسكو من جهتها استدعت جيري كورن السفير الإسرائيلي في اليوم التالي للهجوم للحصول على «توضيحات حول الوضع في سوريا»، وهو أمر يتجاوز معنى الاستيضاح ويوحي أن أمراً جديداً قد طرأ على قواعد اللعبة السورية بين روسيا وإسرائيل.
متابعة مجريات الأعمال العسكرية والسياسية في سوريا بعد الثورة السورية (بل والعقود الماضية عليها)، يدلّ بوضوح أن الغارات الجويّة هي مجرّد تفصيل صغير في شبكة التداخلات الإسرائيلية السوداء في مجريات الوضع السوري، وأن نفوذها يتسع لقضية قرار إبقاء الأسد في السلطة، ونزع الأسلحة الكيميائية، وكذلك بالأفضلية العسكرية والسياسية التي تعطيها واشنطن لأتباع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا والصدّ المتواصل لنفوذ حكومة «العدالة والتنمية» التركية وغيرها من القضايا الخطيرة التي لا يصعب اكتشاف بصمات إسرائيل فيها.
تعطي التصريحات الأمريكية الأخيرة المتواترة لوزير الخارجية ريكس تيلرسون عن أن «مصير الأسد يقرره الشعب السوري على المدى البعيد»، وكذلك تصريح سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي عن أن «مصير الأسد ليس أولوية»، دفعة جديدة لصالح الرئيس الدموي في دمشق وتعطي مصداقية، من جهة أخرى، وتصريح شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض «فيما يتعلق بالأسد، هناك واقع سياسي علينا أن نقبله». لممانعة إسرائيل الشديدة لسقوط نظام «الممانعة» ومن هنا نفهم مطالبتها بوضع الجيش السوري على الحدود بدلاً من قوات «حزب الله» و«الحرس الثوري».
وإذا عطفنا كل ما ذكرناه على تصريحات المسؤول الإيراني مصطفى زهراني التي نشرتها «القدس العربي» أمس إن «الأسد أدار ظهره لطهران» لأنه ظن أن روسيا تستطيع مساعدته أكثر من إيران، و«أن موسكو ستبدأ التفاوض مع أمريكا وإسرائيل لمنع إيران و«حزب الله» من تأسيس قاعدة عسكرية على حدودها»، تترابط خيوط المسألة من أكثر من اتجاه.
بالمحصلة، لا يبدو أن نظام «الممانعة» في دمشق يمانع التوصل لتفاهمات وتلبية مطالب إسرائيل، بما ان ذلك يساعد على استمراره بالحكم، كما أن من صالح إسرائيل أن يبقى نظام الأسد حاكما في سوريا بعد أن فقد قدراته العسكرية لاسيما الأسلحة الكيميائية.

القدس العربي