فيما العالم مشغول بآخر وقائع العمليات الإرهابية في أوروبا، ومتوجّس من إمكانيات اتساعها بحيث يتحسّب الجمهور (وخصوصاً المسلمين الخائفين من أي عملية إرهابية وما يتبعها عادة من هجمات إعلامية أو فعلية عليهم) لأي خبر فيه خبر دهس بالسيارات (كما حصل أمس في ألمانيا وقبلها بأيام في بلجيكا) أو هجوم على ملهى ليلي (كما حصل أمس في أوهايو الأمريكية) كانت طائرات الإدارة الأمريكية الجديدة تنفّذ رؤية رئيسها الجديد دونالد ترامب: «سوف ندمّر الدولة الإسلامية»، و»سوف نمسحها عن وجه الأرض».
المحمول اللغوي العنيف الذي يستخدمه ترامب، من مسح التنظيم المتطرّف «عن وجه الأرض» إلى محو «صراصير داعش» (بحسب مستشاره لشؤون الإرهاب سيباستيان غوركا) تمت ترجمته في سوريا والعراق مجازر مروّعة لمئات المدنيين، كما حصل خلال الأيام الماضية في الموصل وقبلها في جامع عمر بن الخطاب في إدلب ومدرسة في قرية قرب الرقة، وهو ما دفع منظمة Airwar في بيان الجمعة الماضية إلى وقف عمليات متابعة المجازر التي يقوم بها الروس للتركيز على ما يفعله الأمريكيون وحلفاؤهم بعد أن تم تسجيل وقوع أكثر من ألف قتيل مدني خلال شهر آذار/مارس، وهو ما اعتبرته المنظمة قريبا بأسوأ مراحل القصف الروسي في سوريا.
وفيما يستمرّ السوريون يتعرّضون لأبشع أنواع قصف النظام بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، كما حصل أمس في قرية اللطامنة، والعراقيون لأنواع التمييز والاضطهاد والبطش من نظامهم الطائفيّ التابع لإيران، فإن إعطاء إدارة ترامب الإشارة الخضراء لجنرالات جيشها ولاستخدام إحداثيات حلفائها من أتباع حزب العمال الكردستاني التركي على الأرض (العاملين تحت اسم «قوات سوريا الديمقراطية») في سوريا، والجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في العراق، تأخذ المنطقة المنكوبة بنظاميها وحصادهما المسمى «داعش» إلى كوارث غير مسبوقة من قبل.
من الواضح أن واشنطن غير مهتمة بعدد القتلى بين المدنيين العراقيين والسوريين في سبيل إنجاز هدف «مسح صراصير الدولة الإسلامية عن وجه الأرض» وإنهاء «إرهاب الإسلام الراديكالي»، وربّما هناك اعتقاد لدى إدارة ترامب أن مسح مناطق بأكملها من السكان سيطهّر تلك المساحات المحروثة بالقوة الناريّة الهائلة لأمريكا ليس من عناصر «داعش» فحسب بل وكذلك من حاضنتهم الاجتماعية، وهي الاستراتيجية المتبعة أصلاً لدى النظام السوري وحلفائه الإيرانيين واللبنانيين والتي كانت سبباً في صعود أفكار «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» واشتداد قوّتها في بلد كان لقرون طوال أبعد ما يكون عن الغلوّ والتطرّف.
إحدى الكوارث المتوقّعة حالياً هو انهيار سد الفرات وذلك بعد أن قامت القوات الأمريكية بقصف غرف التحكّم في السد وانقطاع التيار الكهربائي عنها ما أدى إلى خروج تجهيزاته وأقسامه عن الخدمة بشكل كامل.
وقد شهدنا في هذه الحادثة موقفاً غير مسبوق حيث رأينا التنظيم الإرهابي المتطرّف قلقا من تأثيرات انهيار السدّ على سكان المنطقة ويطالب المدنيين بالخروج من مدينتي الرقة والطبقة، حفاظاً على أرواحهم، فيما دعاة حقوق الإنسان وحريات الشعوب والديمقراطية يخسفون مناطق بسكانها ويقتلون مئات المدنيين ويقصفون أهم سدّ في سوريا فاتحين احتمالية انهياره وتهديد منطقة شاسعة بالغرق وهي كارثة كبرى وخسارة عظمى للسوريين.
كان الاجتياح الأمريكي للعراق أيام الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، والذي فتح المنطقة بأكملها للخراب، يستخدم شعارات تحرير الشعب العراقي من الطاغية الذي يحكمه ونشر الديمقراطية والسلام، أما إدارة ترامب (وكي لا نضحك على أنفسنا: إدارة أوباما أيضاً) فلديها هدف واحد وشعار واحد ترفعه، وهي إنهاء «داعش»، وفي سبيل ذلك لا مانع أن يغور شعبا العراق وسوريا في الأرض وأن تنفتح فوّهات الجحيم وتنهار السدود… وبالتحالف، فوق كل ذلك، مع الأنظمة الطاغية!

رأي القدس