منهل باريش

«القدس العربي»: انحسرت سيطرة فصائل المعارضة في حلب الشرقية، بعد خسارتها أحياء القاطرجي وكرم الميسر وكرم الطحان والمرجة، وباتت تسيطر على الأحياء الجنوبية، شرقي حلب. وشنت قوات النظام والميليشيات هجوما متزامنا في ثلاث جبهات، هي الشيخ سعيد، وبستان القصر، وجب الجلبي.
القائد العسكري في «تجمع فاستقم» ملهم عكيدي، قال لـ«القدس العربي» إن «فصائل الثوار صدت هجمات متكررة لقوات النظام والميليشيات الإيرانية في حيي الإذاعة وجب الجلبي على الجبهة الغربية». وأضاف أن «الميليشيات وقوات النظام حاولت خرق جبهة الشيخ سعيد وباب النيرب لكنها فشلت».
ونوه عكيدي إلى أن الفصائل «عادت لرص صفوفها على كامل الجبهات، وأوقعت عشرات القتلى في صفوف الميليشيات أثناء محاولات التقدم تلك».
وفي سياق متصل، عن مبادرة «النقاط الخمس» التي طرحتها الفصائل المعارضة، صرح المستشار القانوني في الجيش الحر، المحامي أسامة أبو زيد لـ«القدس العربي» أنه «من المكبر الحديث عن اتفاق، وتجري محادثات بمشاركة كل الأطراف من أجل خروج الحالات الإنسانية والجرحى بشكل مستعجل، ومن ثم خروج من يرغب من المدنيين. وخروج المدنيين سيزيد من صمود المقاتلين في الأحياء المحاصرة».
وبالنسبة إلى جهة خروج المدنيين، قال: «للمدنيين حرية الخروج إلى الريف الشمالي أو الغربي. لكن القصف الجوي الكثيف على إدلب وأعداد النازحين إليها، سيجعل المدنيين يختارون التوجه إلى الريف الشمالي كونه أكثر استقرارا».
وحول السيناريوهات المطروحة، أشار أبو زيد إلى أن «السيناريو الأسوأ هو الانسحاب من حلب الشرقية. ومن المبكر الحديث عن الانسحاب».
وأضاف أن المعارضة «تقاتل روسيا وإيران في حلب إضافة إلى النظام»، معتبراً أن «القوى الاستعمارية لم تبق في كل الدول التي احتلتها، ومن يقاتلون إلى جانب الأسد اليوم، لن يقاتلوا معه إلى الأبد».
في غضون ذلك، قال رئيس المجلس المحلي لمدينة حلب المعارض، بريتا حجي حسن: «أكثر من 150 ألف إنسان مهددون بالإبادة في حلب الشرقية، بسبب القصف الوحشي، وعلى المجتمع الدولي توفير طريق آمن لخروجهم».
ميدانياً، استجمعت الفصائل العسكرية نفسها نسبياً، بعد انهيار أول خطوط دفاعها في مساكن هنانو قبل عشرين يوما، الأمر الذي أدى إلى انهيارات سريعة، خسرت خلالها نحو ثلثي الأحياء التي كانت تسيطر عليها.
وتكشف الانهيارات السريعة هذه غياب التحصينات الهندسية التي بنتها المعارضة داخل الأحياء الشرقية، بعد حصار حلب، واقتصار التحصين على الجبهات الأساسية. وهذا يشير إلى عدم إدراك أهمية التحصين على الخط الثاني والثالث، وفي مداخل الأحياء المتلاصقة لحلب الشرقية.
ويعتبر اعتداء الفصائل على بعضها وسلب مستودعات الفصائل الأخرى، أهم أسباب الانهيار الداخلي. فبعد حادثة سلب مستودعات «تجمع فاستقم» التي قامت بها حركة «نور الدين الزنكي» و«جبهة فتح الشام» و«كتائب أبو عمارة» مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) قامت فتح الشام (النصرة سابقاً) بمداهمة مقرات «فيلق الشام» و«جيش الإسلام» ونهب سلاحها وذخيرتها واعتقال قائد الفيلق، محمد خير العشرة، لتفرج عنه بعد ساعات قليلة. وتذرعت الجبهة بأنها تنفذ أمر قيادة «جيش حلب» وهذا ما نفاه قائد هذا الجيش (مجلس قيادة حلب) في بيان مكتوب، حصلت «القدس العربي» على نسخة منه. وقد استنكر البيان «ما قامت به بعض المجموعات من هجوم على جيش الإسلام في مدينة حلب والبغي عليها والاستيلاء على محتوى مقراتها».
 الاقتتال الفصائلي الحاصل في ظل الحصار الخانق وآلة القتل الروسية الجوية، يدلل على النخر والتعفن لدى الفصائل المعتدية، بل ويطرح السؤال جدياً عن الهدف من أفعالها، خصوصاً وأن بعضها يقوم بالانسحاب غير المبرر أمام قوات النظام والميليشيات، في مشهد اعتبر الكثير من النشطاء أنه «تسليم» للمناطق التي ترابط فيها.
 إلى ذلك، فإن الفصائل خسرت كل ما يمكن خسارته، والأحياء التي تتحصن فيها حالياً هي الأحياء الأخيرة التي تستطيع التحصن فيها، فلم يبق لها مجال للانسحاب، إلا لمعاقل النظام في الراموسة أو الحمدانية.
الواقع الجديد، يفرض على الفصائل المسلحة خيار الصمود في أحيائها الأخيرة حتى النهاية، أو أنه سيتحتم عليها الخروج من المدينة، والتوجه إلى محافظة إدلب والريف الغربي. وإن الوضع السيئ يجبر الفصائل على الصمود أكبر وقت ممكن، مترافقا مع الضغط السياسي لإجلاء الجرحى وتأمين ممر آمن للمدنيين.
من جهة أخرى، فإن قرار الانسحاب من حلب إلى الريف الشمالي، في حال موافقة روسيا عليه، سيصب في المصلحة التركية حيث سيرفد مقاتلي «درع الفرات» بعشرة آلاف مقاتل. وهؤلاء سوف يسخرون في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولكن سوف يُمنعون من إطلاق طلقة واحدة على عدوهم الذي أخرجهم من ديارهم.
ويبقى على المعارضة خارج حلب واجب كسر الحصار، وعليها المحاولة في أقل تقدير، بدل حالة الجمود التي دخلت فيها منذ فشلها في معركة «ملحمة حلب الكبرى».