قدم المبعوث الأممي الى سوريا، ستيفان دي ميستورا ورقة المبادئ الـ 12 للحل السوري، وهي ورقة مطورة ومعدلة لـ«اللاورقة» التي قدمها ثاني أيام المفاوضات في جنيف 7، في شهر شباط (فبراير) الماضي، ورفضت الهيئة العليا للمفاوضات الرد عليها رسمياً حينها حتى نهاية نيسان (أبريل) بعد الضغط الروسي الذي أسفر عن إجبار رئيس الهيئة العليا على الرد. وحصلت «القدس العربي» على النسخة العربية المعدلة من «اللاورقة» التي اعتبرها المبعوث الدولي «ورقة المبادئ» التي يرغب من خلالها في تأطير «العملية السياسية» وفرضها كمرجعية نهائية للحل السياسي. وهذه محاولة جديدة لنسف بيان جنيف لعام 2014، والالتفاف على تشكيل «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة»، بعد أن قام سابقاً بتشجيع من روسيا بفرض السلال الأربع (الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب، الحكم)، والذي ترافق مع بدء اتفاق أستانة.
الصدمة كانت في رد وفد الهيئة السورية للتفاوض (غيرت اسمها بعد مؤتمر الرياض 2) إذ ردت على «ورقة المبادئ الخاصة بالمبعوث الأممي للملف السوري»، واعتبر وفد التفاوض أنها تشكل رؤية للشكل النهائي للدولة السورية، وهي «ورقة حية قابلة دوما للتجديد والتطوير» حسب الرد الذي حصلت «القدس العربي» على نسخة منه. وأقرت الوثيقة بالتزام الدولة «بالوحدة واللامركزية الإدارية على أساس التنمية الشاملة والمتوازنة»، وقبلت أن «يكفل الدستور إصلاح الجيش السوري ليكون جيشا وطنياً واحداً مبنياً على أسس وطنية ملتزماً الحياد السياسي، مهمته حماية الحدود الوطنية وحفظ الشعب السوري من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب». وأكد وفد المعارضة على «استمرارية المؤسسات العامة للدولة وتحسين أدائها وحماية البنى التحتية والممتلكات وفق ما نص عليه بيان جنيف والقراران 2118 و2254»، و«وضع آليات لتحقيق مستوى تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 30 في المئة وصولاً إلى المناصفة».
وغاب ذكر هيئة الحكم الانتقالية عن رد وفد المعارضة بشكل نهائي، ولم يتم التأكيد عليه، ما خلا الإشارة إليه عرضا في ما يخص استمرارية مؤسسات الدولة.
وفسر الوفد رده بأنه «رؤية للشكل النهائي للدولة»، فيما وصفته ورقة دي ميستورا بأنه ورقة مبادئ الحل السياسي وليس شكل الدولة كما أرادت العليا للتفاوض تفسيره.
وعلمت «القدس العربي» أن وفد الهيئة العليا أجرى مشاورات مع أحد مستشاري «منصة موسكو» من دمشق، والذي قدم رؤيته للحل السياسي وأجرى بعض التعديلات على الرد الرسمي لـ«هيئة التفاوض».
وكانت الهيئة العليا السابقة ردت على «لا ورقة» دي ميستورا نهاية آذار (مارس) الماضي، وطلبت منه تصحيح بعض بنودها، وخصوصاً الفقرة المتعلقة بمسألة الجيش، وطلب إعادة بناء الجيش الوطني على أسس وطنية ومهنية، بحيث تكون مهمته حماية الحدود الوطنية وحفظ الشعب السوري من التهديدات الخارجية وفق الدستور، وإعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات العسكرية والأمنية بحيث تكون مهمتها الحصرية صيانة الأمن الوطني تحت قيادة تخضع للقانون وفق معايير احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان. وشددت على «إخراج كافة المقاتلين غير السوريين من ميليشيات طائفية وجماعات مرتزقة وقوات تابعة لدول خارجية من الأراضي السورية وحصر حق حيازة السلاح بيد مؤسسات الدولة المختصة». وفي رد الوفد الحالي غابت مسألة الميليشيات الإيرانية رغم التأكيد عليها في بيان الرياض 2، ومن المرجح أن إغفال العبارة جاء برغبة من منصة موسكو التي تحفظت على هذه الفقرة في بيان الرياض، إضافة إلى مسألة «مغادرة بشار الأسد».
واقترح رد وفد التفاوض السابق والذي وقع عليه الدكتور نصر الحريري نفسه إضافة فقرتين هما:
1- طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 (2015) فإن الانتقال السياسي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية على أن لا يكون لبشار الأسد وأركان نظامه وجميع من تلطخت أيديهم بدماء السوريين دور فيها من بدء المرحلة الانتقالية وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ بدء العملية السياسية. كما يشمل جدولاً زمنياً وعملية لإعداد دستور جديد وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة عملا بالدستور الجديد خلال 18 شهراً من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، يجري إدارتها تحت إشراف الأمم المتحدة على نحو يلبي متطلبات السوريين المؤهلين للتصويت في الشتات.
2- تتكفل هيئة الحكم الانتقالي بإيجاد البيئة الآمنة والمحايدة وتوطيد الأمن والاستقرار والهدوء للجميع بما يتيح نجاح عملية الانتقال السياسي خلال المهلة المنصوص عليها في القرار 2254 (2015).
وأرفق الرد القديم بمذكرة «تفسيرية/توضيحية» من تسعة بنود تخفف من قيمة ورقة دي ميستورا، طالبت بتوضيح الغرض الرسمي من الورقة غير الرسمية، حين اعتبر أنها عناصر استرشادية لنقاط التوافق الموجودة بين الطرفين المفاوضين، وليست وثيقة توافق عليها الطرفان، ولا تشكل الورقة بأي شكل من الأشكال وثيقة إطارية أو نصاً تم التفاوض عليه، ولن يتم تقديمها إلى مجلس الأمن ولا إلى الفريق الدولي لدعم سوريا إلا في حالة الحصول على موافقة الطرفين المفاوضين. وحزم وفد الهيئة العليا للمفاوضات موقفه من الورقة حين أشار إلى أنه «لتفادي أي شكوك، فإن الطرفين المفاوضين سيظلان يحافظان على مواقفهما التفاوضية فيما يتعلق بعملية الانتقال السياسي ورؤيتهما لمستقبل سوريا». وهو ما اعتبر قطعا للطريق على محاولة فرض إطار سياسي للمفاوضات.
ورفض رئيس وفد النظام السوري، بشار الجعفري ورقة المبادئ التي قدمها دي ميستورا بسبب «عدم الرجوع للدولة السورية»، وقال في حديث قبيل مغادرته جنيف ظهر الجمعة «أن هذه الورقة تجاوزتها الأحداث، ونحن في نهاية طريق الانتصارات على داعش في سوريا والعراق». وشدد على أنه «يجب أخذ الواقع السياسي والعسكري بعين الاعتبار».
المؤشرات الأولية، ومع الضغط الروسي الكبير، تتجه نحو توسيع مروحة المعارضات السورية، وهو ما يتطابق مع تصريح رئيس منصة موسكو قدري جميل عن ربط نجاح جنيف باشراك «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وتيار «بناء الدولة»، وتيار «قمح».
وأصبح جلياً أن السياق الروسي للحل هو من يتحكم بالأمور وهو ما تحدث به جميل من خلال الإشارة الى مسألتين: «كان لدينا ممثل واحد في مؤتمر الرياض وفرضنا استراتيجيتنا على 140 عضواً»، وتأكيده على دور مؤتمر سوتشي المقبل والذي «يتم بدعوة روسية تركية إيرانية»، مشدداً على أن «أكثرية الوفد الواحد ليست ضد سوتشي، وهذا التيار موجود منه ضمن وفد الائتلاف وسيقوى لأنه الحقيقة».
وبعيداً عن تفاصيل الأوراق المقدمة والردود عليها، يبدو أن المسار الروسي قد هيمن على المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً أمام الانسحاب الأمريكي الحالي وترك موسكو ترتب طريق الحل السياسي مبدئياً. وإضافة إلى الاستدارتين التركية والروسية، يساعد موسكو تيار كبير في الائتلاف الوطني السوري المعارض يريد حقن الدماء وإنهاء المأساة، بات يسمى بتيار «الواقعية السياسية»، يريد أن يبقى في الواجهة ويتحول إلى أداة في يد المسار الروسي.