إبراهيم درويش

لندن ـ «القدس العربي»: جاء الهجوم المباغت الذي شنته المعارضة السورية على دمشق ليذكر الجميع أن الحرب الأهلية لا تقترب من النهاية.
فرغم التحضيرات للجولة المقبلة من مباحثات السلام وإنجازات النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين إلا أن هجوم حي جوبر الذي طال ساحة العباسيين المهمة جاء كمحاولة من المعارضة للتأكيد أنها ليست في طريقها للخروج من ساحة المعركة والاستسلام كما استسلم مقاتلون في مناطق أخرى. ومن هنا تظل المواجهات العسكرية أخبارًا سيئة لكل الأطراف المشاركة في الحرب التي دخلت عامها السابع.
وترى صحيفة «التايمز» في مقال تحليلي لها أن المواجهات سيئة من ناحية النظام لأنها كشفت عن تصميم المقاتلين وصمودهم مما يعني أن أمامه طريقاً طويلة لكي يربح الحرب خاصة عندما لا يتوفر الدعم الروسي والإيراني لقواته.
وبالنسبة للمعارضة فالتقدم وإن كان مثاراً للفرح في صفوفهم إلا أنه كشف عن محدودية طموحاتهم، فهم لم يعودوا يتوقعون سقوط دمشق أو أية مدينة أخرى كبير. فالتقارير التي نشرت يوم الإثنين تظهر أنهم استمروا في القتال لإثبات أنهم يستطيعون المواصلة.
وبالنظر للتطورات من الخارج فإن التعاون بين الجهاديين والجماعات المعتدلة يكشف عن الخليط الغريب في الحرب السورية. فلم يتردد مثلاً المعارضون المعتدلون من التعبير عن فرحهم من إنجازات فتح الشام وعملياته الانتحارية.
وتقول الصحيفة إن استراتيجية النظام ظلت قائمة على مواجهة الجماعات السورية غير الجهادية التي تحظى بدعم من دول الخليج والتي يعتقد الأسد انها تمثل تهديداً على حكمه. فسقوط أجزاء من سوريا مثل ريف حلب أو المناطق الصحراوية بيد تنظيم «الدولة» أو الجماعات الموالية لـ»القاعدة» لا يعتبر أمراً مهماً بأهمية سقوط شرقي حلب بيد المعارضة المعتدلة. والنظام يعتمد على المجتمع الدولي ـ أمريكا ـ لمحاربة التنظيمات الجهادية.
وتقوم الولايات المتحدة بشن غارات على شرقي سوريا وقامت بالتعاون مع الروس في هجمات جوية على إدلب بسبب وجود «القاعدة» هناك. ومن هنا كان النظام ناجحاً في إضعاف جماعات المعارضة لدرجة أنها لم تعد تتوقع الكثير من محادثات جنيف حيث أصبحت ترى المستقبل في التحالف مع الجهاديين الذين استبعدوا من اتفاقية وقف إطلاق النار ومن محادثات أستانة وجنيف.
وكانت المواجهات هي الأعنف التي شهدتها دمشق من بداية الثورة السورية، حيث تقول الصحيفة إن المعارضة حاولت استباق عملية كان يحضر لها الجيش السوري للسيطرة على الغوطة الشرقية. وعليه قامت المعارضة بقطع الطريق على العملية وهاجمت العاصمة من جزئها الشمالي ما بين جوبر والقابون ووصلت إلى ساحة العباسيين المركزية. وقالت الصحيفة إن غارات جوية مكثفة ساهمت في صد الهجوم واستعادة الخسائر الأولى حيث قام الحرس الجمهوري بصده ولكن بخسائر فادحة.
وقتل عدد كبير من الجنود بما في ذلك ثلاثة ضباط كبار. فيما صمدت المعارضة حتى مساء يوم الإثنين وظلت تهاجم المباني الواقعة بين جوبر والقابون. وقادت الهجوم جماعات غير جهادية التي تقدمت على بعد ميل من المدينة القديمة وكان علامة أنها لم تخسر الحرب بعد.
ودعا متحدث باسم المعارضة الروس والإيرانيين الداعمين لنظام الاسد للقبول بحقيقة أن الحرب لن يتم ربحها من خلال العمليات العسكرية لكن عبر التسويات السياسية. ومن المتوقع بدء جولة جديدة من المحادثات التي تدعمها الأمم المتحدة هذا الأسبوع في جنيف. وقال عصام الريس المتحدث باسم المعارضة في اجتماعات مؤتمر أستانة في كازاخستان والذي عقد برعاية روسية «هذه رسالة واضحة للنظام والعالم أن الجيش السوري الحر يستطيع تغيير الوضع في أي وقت».
وكان الرائد الريس قد انشق عن جيش النظام ويتحدث باسم التحالف من الفصائل المعتدلة «يجب على روسيا وإيران معرفة أن الحل العسكري مستحيل». وتقترح تصريحات الريس أنه ستتم الجولة المقبلة من المحادثات للتاكيد أن المعارضة لن تتخلى عن مطالبها بسهولة. وبدأ الهجوم صباح يوم الأحد عندما قام انتحاريان أحدهما سعودي وآخر من وادي بردى بتفجير نفسيهما بسيارات مفخخة. وأعلنت جماعة «فتح الشام» مسؤوليتها عن الهجوم، وكانت تعرف سابقاً بـ»جبهة النصرة» وهي جزء اليوم من تحالف إسلامي أوسع.
ويضم التحالف عدداً من الفصائل التي اتحدت للدفاع عن جيب المعارضة القريب من دمشق. وتعتبر منطقة الغوطة الشرقية من أكثر المناطق السكانية الواقعة تحت سيطرة المقاتلين. وفي ذروة القتال كان لدى المعارضة حوالي 450.000 مقاتل، أي أكثر من تلك التي قاتلت النظام في حلب.
وكانت الغوطة تعرف في السابق «بحدائق دمشق» ولا تزال تعتمد على نفسها في زراعة ما تحتاجه إلا أن النظام فرض عليها حصارًا وتقدم في الاشهر الاخيرة.

غير قادر

وتعلق الصحيفة أن النظام وإن كانت لديه اليد العليا في الحرب إلا أنه لم يستطع استعادة المناطق الأخرى في البلاد خاصة التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة» والأكراد. وقد ينتهي الروس والأمريكيون الذين دعموا جميع المشاركين في الحرب لاستخدام الأكراد كورقة رهان من أجل إجبار كل الأطراف على التنازل.
ونقلت شبكة «سي أن أن» عن لينا الخطيب، مسؤولة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» قولها إن الهجوم على دمشق هو الأول من نوعه وتقوم به مجموعة للمعارضة والتي عادة ما تتركز نشاطاتها في شمال سوريا. وترى الباحثة أنه محاولة من مجموعة مشاركة وهي «هيئة تحرير الشام» لتعزيز صورتها. ونقلت عنها شبكة «ٍسي أن ان» قولها «يظهر الهجوم على دمشق أن جماعات المعارضة قادرة على تحقيق نتائج» خاصة انه جاء بعد سلسلة من الهجمات الإنتحارية التي ضربت العاصمة منذ بداية شهر آذار/مارس الحالي. فقد تعرضت محكمة ومطعماً لهجمات قتل فيها العشرات. وتشير إلى ان الخطوة المقبلة تعتمد على الروس والإيرانيين. ويقول معلق سوري إن القتال سيستمر لفترة حتى يتم التصل إلى نوع من الاتفاق بين الطرفين.
ومع غياب الرؤية الأمريكية الواضحة بشأن سوريا وعدم اهتمام الإدارة الحالية بما يقوم به النظام حيث أكد الرئيس دونالد ترامب تركيزه على مواجهة تنظيم «الدولة» بدون أن يقدم تفاصيل.
إلا أن سوريا تمثل معضلة كبيرة لترامب فعليه كما أشار المبعوث الأمريكي السابق دنيس روس بمقال نشره موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حذر فيه من تداعيات استعادة الرقة وما سيلي ذلك من فراغ قد يقود لنزاعات طائفية فيما أشار لمعضلة أخرى تتعلق بمعارضة تركيا لتسليح وحدات حماية الشعب الكردية ومشاركة الأخيرة في الحرب ضد تنظيم «الدولة».
ولا ننسى الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في وضع حد للحرب الأهلية التي كبدت الشعب السوري الكثير من الخسائر والدمار. ورغم الاتفاق الهش الذي تم إرساؤه بتعاون روسي ـ تركي إلا أن أياً من الأطراف المعارضة للنظام لن يرضى ببقاء الأسد في السلطة خاصة بعد القتل الذي ارتكبه النظام الحالي. ومع ذلك لا تزال روسيا متمسكة به ولديها اعتقاد أنها قادرة على ضرب المعارضة وإجبارها على الخضوع. ولكنه يرى أن أي تعاون بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا يجب أن يشمل اتفاقاً يتم من خلاله وقف استهداف الجماعات غير الجهادية، بما فيها تلك التي دعمتها الولايات المتحدة.
ويتضمن التعاون تاكيداً على أهمية توقف روسيا عن تعزيز سلطة الإيرانيين والميليشيات الشيعية الوكيلة لهم. ذلك أن توسع النفوذ الإيراني هو ضد مصالح حلفاء أمريكا بالمنطقة، علاوة على تعميقه الانقسام الطائفي. مذكراً أن البعد الطائفي كان عاملاً في نشوء الجهاديين في كل من العراق وسوريا.
وإن لم تحل الأزمة في مرحلة ما بعد الرقة فمن شبه المؤكد بروز نسخة جديدة من تنظيم «الدولة»، وهو ما لا يريده ترامب ولا إدارته. وعليه يرى روس أن مفتاح التعاون مع الروس يجب أن يكون في حده الأدنى قائما على ابتعاد روسيا عن الإيرانيين وجماعاتهم الوكيلة.
ولو حصل هذا فسيكون بمثابة برهان على نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التخلي عن إيران بل والتصدي لها. ويشكك روس بإمكانية حدوث هذا، لأن روسيا تستخدم القوة الجوية بصورة عشوائية لدعم الميليشيات الشيعية الموجهة من قبل إيران على الأرض. ويرى أن التورط الروسي في سوريا سيتواصل نظرًا للأزمة البشرية التي تعاني منها قوات الأسد وافتقارها إلى الفعالية. ومن هنا تشكل الميليشيات الشيعية الطليعة الأمامية التي تحاول السيطرة على المناطق وتأمين النظام الأسد بدعم جوي روسي.
وكما أظهرت هجمات دمشق الأخيرة فإن الوجود الروسي والإيراني مهم لتأمين النظام. وعليه فالحديث عن تعاون أمريكي ـ روسي سيظل خارج التفكير. وفي أية ترتيبات ستتخذها الولايات المتحدة بالشأن السوري فيجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الوجود الإيراني وحزب الله الطويل في سوريا. ويقتضي هذا دعم الإجراءات الإسرائيلية لمنع التحركات الإيرانية وكوادر حزب الله التمركز في جنوبي سوريا.

قيصر يدعو ترامب

وحتى يقرر الرئيس ما يريد تحقيقه في سوريا فهناك معارضان يأملان أن يفي بوعده ويساعد على إقامة مناطق آمنة في سوريا. وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى مصور الشرطة الذي كشف للكونغرس عن التعذيب والاختفاء القسري في سجون الأسد.
وتقول إن المنشق المدعو «قيصر» وصل إلى واشنطن في تموز/يوليو 2014 وشرح للجنة في الكونغرس كيف هرب وثائق قتل وتعذيب السجناء وصورهم وكيف اختفوا. وكان قيصر يأمل أن تؤدي المواد التي كشفها لدفع إدارة الرئيس باراك أوباما اتخاذ أفعال وشعر بالمرارة والخيبة عندما فشلت واشنطن في التدخل ومعاقبة نظام الأسد.
لكن قيصر وقريباً آخر له باسم سامي لم يفقدا الأمل حيث من المتوقع أن يزورا البيت الأبيض هذا الأسبوع وسيحثان مستشاري الرئيس على دفعه كي يفي بتعهداته وإقامة منطقة آمنة في شمالي سوريا. وقال سامي «نأمل أن يحقق ترامب ما رفض الرئيس أوباما عمله» مضيفاً «لا أعتقد أن الوقت تأخر».
وقام المنشقان اللذان يعيشان في مكان ما خارج الولايات المتحدة بعرض الوضع السوري أمام عدد من خبراء حقوق الإنسان والصحافيين في لقاء خاص نظم بالمتحف التذكاري للهولوكوست. ولم يسمح بالتسجيل أو التصوير لا قبل ولا اثناء اللقاء لحماية هويتيهما. وتعلق الصحيفة أن قيصر يحظى بدعم داخل الكونغرس لكن من غير الواضح فيما إن كان استطاع إقناع إدارة ترامب للتحرك.
وتحدث المنشقان مع مايكل راتني الذي عمل مبعوثاً للولايات المتحدة في الشأن السوري وسيلتقيان هذا الأسبوع مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي. ولن يلتقيا مع مستشار الأمن القومي الجنرال أتش أر ماكمستر ولا حتى المسؤولين البارزين في وزارة الدفاع أو الخارجية.
وتقول الصحيفة إن المنشقين ليسا نادمين على تهريب الصور إلى خارج سوريا وتعريض حياتهما للخطر مع أنهما اكتشفا أن المجتمع الدولي بارع في التعبير عن غضبه على ما يجري في سوريا أكثر من التوافق على معايير لوقف الحرب الأهلية او العمل على نقل للسلطة بدون الأسد. وشرح قيصر ولعدة سنوات أن مهمته كمصور تابع للشرطة كانت توثيق الجثث التي كانت تأتي إليه ويظهر عليها آثار التعذيب الوحشي وتصويرها حسبما كان يطلب منه المسؤولون السوريون.
ولأنه كان مصمماً على تعريف العالم بما يجري في عوالم التعذيب والقتل السورية فقد قام بتهريب «شرائح ذاكرة» حيث كان يمررها عبر التفتيش بإخفائها في حذائه وجواربه. ويقول إنه كان يخشى على حياته خاصة أن الجيش السوري الحر كان يسيطر على المنطقة التي يعيش فيها وخاف إن اكتشف أنه يعمل مع النظام.
وظل يوثق الصور حتى عام 2013 حيث توفر لديه 11.000 صورة رقمية وكان مستعداً للهرب إلا انه كان يخشى من انتقام النظام وملاحقته لعائلته «حياتي ليست أثمن من الكثيرين الذين قتلوا في البلاد» و»متت مئات المرات فالنظر لهذه الصور كسر قلبي».
وتشير الصحيفة إلى أن التعامل مع السياسة الأمريكية كان صعباً بالنسبة للمنشقين. فرغم دعوة أوباما الأسد للتنحي وأنه فقد الشرعية إلا أنه لم يتخذ أية إجراءات لإجباره الرئيس السوري على الخروج من السلطة. ولم تتحدث إدارة ترامب باللغة القوية التي تحدثت بها الإدارة السابقة أكثر من الوعد بإقامة مناطق آمنة للحد من تدفق المهاجرين.
ومع أن ترامب قدم تصريحات متضاربة بشأن القضية السورية ومصير الأسد تحديداً إلا أنه انتقد المعارضة المسلحة وقرر تجميد برامج التدريب لها.
ولكن سامي يرى في تعهده إقامة مناطق آمنة فرصة للتخفيف من معاناة السوريين الهاربين من مناطق الحرب. وفي الوقت الحالي يناقش المشرعون الأمريكيون قرارًا لفرض عقوبات على من يقدم مساعدات للنظام أو يتعامل مع حكومته. كما يناقشون الخطوات التي يمكن من خلالها تسريع عملية إقامة مناطق آمنة وحظر جوي والتحقيق في جرائم الحرب.