فابريس بالونش

يكمن هدف روسيا في سوريا في حماية الساحل الاستراتيجي للبلاد على البحر المتوسّط. إلّا أنّ صورة المنطقة المحيطة كمعقل للعلويين ليست دقيقة بالكامل لأنّ ديموغرافيّات البلاد تتغيّر بسرعة. ومع إغناء سياسات التنمية الحكومية للمؤيّدين العلويين الذين هم جوهر نظام البعث على مرّ السنين، [فقد مالوا إلى] إنجاب عدد أقل من الأطفال مقارنةً بالسكّان السنّة. وقبل اندلاع الحرب، شكّل العلويون ١٠ بالمائة فقط من سكان البلاد، لذا عمد بشّار الأسد منذ ذلك الحين إلى دفع ملايين السنّة خارج البلاد لإعادة التوازن إلى التركيبة السكانية لصالحه. بيد، تشكّل حركة النازحين داخل سوريا إشكاليّة أكبر بالنسبة إليه. فمع تدفّق ٢٠٠ ألف شخص، معظمهم من اللاجئين السنّة، إلى محافظة اللاذقية، على النظام أن يقلق بشأن أمن هذه المنطقة. وفي حين سيرحّب العلويون والمسيحيون بالحماية الروسية، يقلق النظام من أن عناصر سرّية من المتمردين قد اندسّت بين اللاجئين وتنتظر الفرصة الموآتية للهجوم على قوّاته. فبهذه الطريقة بالذات سقطت تدمر.

وهناك حوادث سابقة دفعت النظام إلى تأمين حماية أفضل للعلويين. ففي آب/أغسطس ٢٠١٣، قتلت قوّات المعارضة أكثر من ١٥٠ شخصاً في بلدة عرامو الجبلية شرق اللاذقية، بينما لا يزال ٢٠٠ شخص آخر محتجزين كرهائن. وللأسد سبب وجيه ليخشى من أنه إذا تكررت مثل هذه الحوادث، سيترك الكثير من العلويين مناصب حكومية وعسكرية رئيسية لحماية قُراهم. وإذا سيطر الثوّار على اللاذقية على وجه الخصوص، فذلك قد يحفز مثل هذا النزوح. ولدرء هذا السيناريو، شكّل الأسد ميليشيا جديدة لحماية المناطق الساحلية، وستستفيد هذه الخطوة كثيراً من تدفّق القوّات الروسيّة.

وفي حين يتوقّع مسؤولون سوريّون قيام روسيا بمساعدة النظام على استعادة جميع الأراض التي خسرها في الحرب، يتعامل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقدر من التحفظ والحذر مع صراع مشابه لأفغنستان، ناهيك عن العوائق الديموغرافية المرتبطة باستعادة السيطرة على البلاد برمّتها. ويتجسّد الهدف الروسي الأكثر ترجيحاً بإنشاء دولة ساحلية صغيرة شبيهة بدويلة أبخازيا على ساحل جورجيا على البحر الأسود. وفي هذه الحالة، قد تطلب موسكو من النظام الحفاظ على سيطرته على الأقلّ على قسم من مدينة حلب الكبيرة. ومثل هذه الدولة الصغيرة من المفترض أنّ تضمن ولوج روسيا إلى قاعدة جوّية وبحريّة موسّعة في شرق البحر المتوسط. وتنظر موسكو إلى الأسد أيضاً على أنّه العنصر الحيوي للنظام، وفي غياب عرض مغرٍ من الغرب، لن تغيّر هذا الموقف.

أمّا بالنسبة إلى المناطق غير الساحلية المهمّة للنظام، فقد يكون في حسابات روسيا أنّ «حزب الله» وإيران سيحميان دمشق وحمص. فطهران وقوّتها الرئيسية الموكّلة تقدّران هاتان المدينتان لقربهما من هضبة الجولان ولبنان، إلّا أنّهما قد تدخّلتا بشكل أقل لحماية الساحل وحلب.

وأخيراً، تتجسّد سُبل النظام الوحيدة لهزيمة الثوّار فعلاً بإغلاق الحدود مع تركيا – وهو احتمال غير مرجح. ويعود أحد أسباب ذلك إلى أن أنقرة غير مستعدة لوقف دعمها للميليشيات الإسلامية. وفي حين قد يكون هناك حافزاً للجماعات الكرديّة للمساعدة على إغلاق تلك الأجزاء من الحدود التي تسيطر عليها، ليس من الواضح ما إذا كانت روسيا مهتمّة لدعم مثل هذه الجماعات.

آنا بورشفسكايا

من خلال التدخّل في سوريا، يسعى بوتين إلى تحويل الانتباه عن الصراع الأوكراني، وإبراز موسكو على أنّها شريك متساوٍ في محاربة الإرهاب العابر للحدود، ووضع روسيا كقوّة عالمية موازية للولايات المتحدة. كما يأمل بإيصال البحريّة الروسية إلى أبعد من البحر الأسود من خلال إرساء وجود كبير في سوريا وإجراء تمارين مثل التمرين الذي جرى مؤخراً مع مصر- الأوّل من نوعه منذ سنوات.

ويقتنع صنّاع القرار الروس بأنّ الولايات المتحدة تقف وراء مشاكل العالم وتعمل بشكل دوري على تنظيم الانقلابات العسكرية. وقد دفعهم هذا التفكير إلى النظر إلى «الربيع العربي» وكأنّه تكرار آخر لـ «الثورات الملوّنة» في بلدان الاتّحاد السوفياتي سابقاً. كما جدّدت الثورات الشرق أوسطيّة قلق بوتين حول مركزه الخاص في السلطة. وبالرغم من أنّ هذا القلق قد يبدو بعيد الاحتمال للمراقبين الغربيين، إلّا أنّ الدرس الذي استخلصه بوتين من خلال مراقبة الانهيار السوفياتي في ألمانيا الشرقية والثورات الملوّنة هو أنّ المظاهرات قد تتحوّل بسرعة إلى تغيير النظام. كما أن تعزيز الشعور الوطني والولاء للعَلَم قد ساعده على الصعيد السياسي عندما تراجعت شعبيته في الماضي، كما حدث قبل أزمة شبه جزيرة القرم. ومن خلال اتخاذه خطوات عسكريّة وسياسية، باستطاعته التعويض عن نقاط الضعف الداخلية والدولية. إلّا أنّه لا يستطيع الاستمرار في اختلاق الأزمات إلى ما لا نهاية.

بالإضافة إلى ذلك، إنّ الإنفاق العسكري الروسي هو كبير جدّاً من أن يتمّ دعمه وسط الكساد الاقتصادي الحالي، وقد أصبح الرأي العام أكثر حساسيّة تجاه وقوع إصابات. ولإخفاء الخسائر البشريّة الناتجة عن التدخّل في أوكرانيا وسوريا عن الرأي العام، أعلن الكرملين مؤخّراً أنّ الخسائر العسكريّة هي من أسرار الدولة، لكن لا يمكن إخفاء الجثث إلى الأبد.

ومع ذلك، فإن غياب الإرادة السياسية في الغرب قد مكّن بوتين من اختبار المجتمع الدولي وتحدّيه من دون مقاومة تُذكر. وتمثّل أفعاله الأخيرة مقاربة المجموع الصفري تجاه الدبلوماسية، ويأمل اليوم التأثير على صنع القرار الأمريكي من خلال التزام سياسي وعسكري أكثر جرأة مع الأسد. كما قد تستطيع روسيا أيضاً تحويل سوريا إلى صراع «مجمّد» كما في أبخازيا، ما سيسمح لموسكو بمواصلة تدخّلها هناك بتكلفة منخفضة.

أندرو تابلر

هناك أقطاب سياسة مختلفة في روسيا تنظر إلى سوريا بطرق متباينة. ومن أبرز المواقف هو ذلك الذي تتخذه وزارة الخارجية برئاسة سيرغي لافروف والمتعلقة بتصريحات توحي بأنّ روسيا ليست مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأسد وهي مستعدّة للتفاوض. إلّا أن هناك سرد روسي آخر يؤكّد أنّ الولايات المتحدة تحرّك على قيام ثورات لتمزّق صلب نسيج الدول – وهو جزء من مقاربة منخفضة الكلفة لخلق عدم استقرار يسمح لواشنطن بالتدخّل عندما تشاء والإطاحة بحكومات في بلدان مثل ليبيا. ووفقاً لهذا التفكير، تخلّف هذه الثورات حكومات غير شرعيّة أو تؤدي إلى تفتيت الدول لتحوّلها إلى ملاذات آمنة للإرهاب، الأمر الذي يجبر روسيا على تأمين دعم عسكري لكي تساعد الحكومات ذات السيادة على الخروج من هذه الأزمات. ومن هذا المنظار، يرى بوتين نظام الأسد شرعيّاً لكنّه ينظر إلى الحكومة في كييف بأنّها غير شرعيّة كونها تسلّمت السلطة في أعقاب انقلاب.

ولوجهة النظر هذه تأثير كبير على سياسة موسكو في سوريا وعلى حسابات نظام الأسد. فبوجود دعم روسي متزايد، يخضع الأسد لضغط أقلّ لاتّخاذ أي قرارات صعبة، وليس أقلها هو مغادرة البلاد. وبالتالي من غير المحتمل أن يُظهر أي مرونة جديدة. ومن جهّتهم، يعلم الروس أنّه سيكون من الصعب جدّاً سحب وجودهم العسكري المتزايد في سوريا من دون انعكاسات سلبيّة على موسكو، لذا من المستبعد أن يتراجعوا في هذه المرحلة. ومع ذلك، فإن الوضع ديناميكي ومن غير الواضح ما إذا كانت موسكو تعتبر الأسد أساسيّاً لبقاء النظام.

وعلى أيّ حال، من المرجح أن يضمن تدخّل بوتين رؤية سوريا مقسّمة في المستقبل المنظور، إن لم يكن بشكل دائم. ولا تنوي كل من روسيا وإيران استعادة معظم الأراضي التي وقعت تحت سيطرة جماعات المعارضة. وقد تقبل موسكو بتقسيمٍ سوريا بحكم الأمر الواقع أو بشكلٍ شرعي إذا سمح لها هذا التقسيم بالحفاظ على مصالحها في المنطقة الغربية الاستراتيجية للبلاد.

جيفري وايت

تُظهر طبيعة التعزيزات الأخيرة أنّ هدف روسيا هو دعم نظام الأسد عسكريّاً ضدّ أعدائه. وتتألّف فرقة روسيا الجوّية من ٢٨ طائرة مقاتلة/هجومية على الأقلّ، بالإضافة إلى طوّافات هجوميّة وأخرى للنقل، وطائرات استطلاع، وطائرة “IL-20 Coot” التجسسية، وربما مقرّ قيادة مجوقل. أمّا القوّات الروسيّة البّرية فهي تضمّ عناصر من الفرقة ٨١٠ من مشاة البحرية، وعناصر محتملة من فرقة مشاة البحرية الـ ٣٦٣، ودبّابات من نوع “T-90“، وناقلات جنود مدرّعة من نوع “BTR-80“، واثنين من بطاريات مدفعية الميدان، وعدة آلاف من الجنود، وصواريخ أرض- جوّ من نوع “SA-22 Greyhound“، وهيكل قيادة وسيطرة مفترض.

وهذه القوة تمكّن روسيا من تنفيذ مهمّات متعددة تشمل عمليات: استطلاع، ودعم جوّي وثيق، واعتراض للهجوم، وقيادة وسيطرة مجوقلتَين. وتشمل الأدوار المحتملة للقوّات البرّية الروسيّة تقديم المشورة للوحدات السوريّة والاندماج فيها، بالإضافة إلى مختلف عمليّات الدفاع، والهجوم، والأمن، والعمليّات الخاصّة. وعلى الرغم من أنّ الفرقة الروسيّة الحاليّة ليست كبيرة جداً، إلّا أنّها قوّة مشتركة متمكّنة ستؤمّن منافع كثيرة للأسد. وبالرغم من المضامين السياسية لوجودها في سوريا، إلّا أنّ الوحدات الروسية مستعدّة للقتال.

بشكلٍ عام، يبقى الصراع حرب استنزاف، وتستطيع القوّات الروسيّة تغيير ديناميات الاستنزاف لصالح النظام واستعادة قدرات الأسد الهجومية المتضائلة. كما تستطيع زيادة فعاليّة القتال في صفوف القوّات السوريّة من خلال تحسين مصادر الاستخبارات، والمعنويّات، والقدرة على استعادة الأراضي والحفاظ عليها. وبالرغم من أنّ الهيكليّة والحجم الحاليين للقوّات الروسيّة لن يسمح لها بدحر الثوّار بشكل جماعي أو باسترجاع مساحات واسعة من الأراضي، إلا أنها تستطيع تأمين ميزة مهمة في ساحات قتال معيّنة مثل حلب أو حقول الغاز في محافظة حمص الشرقية. وفي حين أعرب البعض عن مخاوف من تكرار روسيا لتجربتها الأفغانية، تدرك روسيا تماماً هذا الخطر؛ ومن غير الواضح في الوقت الحالي،  ما إذا كان عدد كبير من الجهاديين سيواجهون القوّات الروسية.

كما أن تدخّل روسيا من المتوقّع أن يحدّ من نشاطات دول أخرى في سوريا. فعلى سبيل المثال، قد تُكبَح العمليّات الجوّية الأمريكية في الشمال ما لم ينسّق الجيش الأمريكي مع الطيران الروسي للحؤول دون احتكاك طائرات الجانبين فوق اللاذقية. وبالمثل، قد تحارب القوّات الروسيّة البرّية جماعات المعارضة السوريّة التي تدعمها الولايات المتحدة، ومن غير الواضح ما الذي سيكون ردّ واشنطن المحتمل على مثل هذه الاشتباكات. كما أن الوجود الروسي الجوّي في اللاذقية قد يمنع دون قيام إسرائيل بشن ضرباتها في تلك المنطقة ويعقّد النشاط الإسرائيلي حول هضبة الجولان.

أعد هذا الملخص باتريك شميت.

معهد واشنطن