“من ذاكرتي المشوشة” (2)
يوم الجمعة 1/4/2011 تاريخ سقوط أول قطرة دماء على تراب مدينة دوما بسبب إطلاق النار على المتظاهرين من قبل قوات الأسد
في صباح ذلك اليوم كانت ملامح المدينة ليست على ما يرام فالأهالي متخبطين وقوات النظام واعوانهم في المدينة متخبطين بسبب الدعوات التي كانت منتشرة قبل عدة أيام لتحشيد تظاهرة كبيرة في يوم الجمعة
نحن نسكن في حي العب (الذي اشتهر بعدها بالمعارك التي دارت في مزارعه بين قوات النظام والجيش السوري الحر) أدينا صلاة الجمعة في مسجد حينا (مسجد عمر ابن الخطاب) انتهت الصلاة دون أن يحدث شيء ولكن كانت التجمعات والتساؤلات بين الأهالي غير طبيعية بعد وصولنا إلى المنزل بربع ساعة فقط بدأ صوت الرصاص يتعال في أرجاء المدينة عندها تبين أن المظاهرة التي يدعى إليها انطلقت من المسجد الكبير وقابلها قوات النظام بإطلاق الرصاص الحي المباشر مما أدى إلى سقوط الجرحى والشهداء
يومها كانت قناة الجزيرة تنقل الأحداث بشكل سريع وتعرض صور وفيديوهات بشكل مباشر وتستضيف مراسلين من قلب الحدث
بعد ساعات من الاصطدام المباشر بين الأهالي بالحجارة وقوات النظام بالرصاص الحي انتشر خبر عاجل مضمونه سقوط 11 شهيد في مدينة دوما هنا كانت الصاعقة لم أكن أتوقع أن يكون النظام بهذه الدرجة من الإجرام ويقتل 11 شخص بيوم واحد

انتهى اليوم ويعم المدينة صمت لا يوصف لان ما جرى شيء غير معتاد

في تاريخ 3/4/2011 نادت مادن المساجد بأسماء الشهداء الذين كانوا 8 من دوما و3 من بقية بلدات الغوطة وتمت الدعوة إلى التشيع وصلاة الجنازة عقب صلاة الظهر في مسجد دوما الكبير وبالتزامن مع ذلك استنفرت قوات النظام بكافة أركانها وأغلقت كافة المداخل الرئيسية والفرعية التي تربط المدينة بدمشق خوفاً من زحف الأهالي إلى العاصمة
ذهبت قبل ساعتين إلى الموقع كان الجميع يتوافد إلى الساحة بأعداد كبيرة على مستوى عائلات بأكملها أو حتى أحياء كاملة ومع اذان الظهر كان عدد المتواجدين لا يوصف إلا بمئات الألوف فلم يبقى شارع محيط بالساحة والمسجد إلا وامتلئ لان الامر لم يقتصر فقط على أهالي دوما بل جاء وفود من كافة البلد والقرى المحيطة بها
أديت الصلاة وبدأ التشيع وانطلق الجميع من خلال شارع الجلاء باتجاه بلدية دوما مرورا بمديرية المنطقة وصولاً إلى البرج الطبي وبعدها إلى المقبرة فعند وصول وبسبب الأعداد الكبيرة المشاركة عند وصول التشيع إلى المقبرة كان يوجد أشخاص مازالت في باب المسجد لم تستطيع التحرك بعد
انتهى التشيع والحزن يعم المدينة فكان الموت بهذه الطريقة أمر غريب ومفاجئ ومن أجل ذلك تم إعلان الحداد الكامل لمدة 3 أيام تغلق فيها الأسواق والمحال التجارية والحركة إلا للضرورة في حينها كانت قوات النظام منسحبة بشكل كامل من المدينة ومن أجل ضمان عدم حدوث الفوضى تم تشكيل لجان شعبية من الأهالي لحماية المؤسسات والمرافق العامة وتسيير الدوريات الليلية لمنع حدوث أي إشكالية أو ظواهر تخريبية
ومع غياب الشمس كانت تبدأ فعالية العزاء في ساحة المسجد الكبير أيضا كان يتوافد إليها آلاف الأشخاص منهم من داخل دوما ومنهم من خارجها بالإضافة إلى وفود من العلماء والسياسيين والفنانين المقيمين في دمشق حيث أنهم عرضوا أنفسهم المساءلة من أجل الوصول إلى العزاء

كانت تلك الأيام الأروع في تاريخ الثورة فلم يكن هناك تفرقة ولا خلافات فكان الجميع يتشارك الاحزان الكردي والعربي المسيحي والمسلم العلوي والسني

“كنا سوريين والثورة تجمعنا”

يتبع…