في قرية على أطراف اللاذقية كان يحكمها حاكم فرنسي يهودي الديانة إيام الاحتلال الفرنسي فسميت لذلك باليهودية كنت تشعر بالوحشة عندما تضطر لزيارة أحد معارفك هناك، لما كان مركوزًا في ذهنك من قصص الجرائم التي ترتكب فيها، والتي يرتكبها سكانها من عملاء النظام الذين لا يحاسبون على ما يقترفونه بل ويزودون بالسلاح الخفيف من أجهزة الأمن في نوع من الإرهاب المقصود الذي كان سياسة متعمدة لنظام الأسد.

تغير اسم القرية في حكم الأسد إلى العربية اتباعًا لسياسة الصعود على صهوة العروبة التي بقيت دالًا ينطوي على مضمون إجرامي طائفي يدفع به النظام إلى أقصى مداه.

وهي سياسة مصغرة متطابقة مع السياسة التي اتبعها النظام الأسدي على المستوى الماكروي التي ظل متعلقًا فيها بأذيال الكائن المتخيل الخرافي الذي يمثّل الأمة، والمسموح له بابتلاع الإنسان الفرد، والاقتيات من لحمه ودمه في سبيل أن تبقى روحه الخالدة.

وليس بعيدًا عن التصور أن النظام المنكفئ على طائفته ومشروعه الذاتي قد أدرك زيف هذا الكائن، كما أدرك كيفية استغلال أسطورته لدى صانعيه من القوميين وأنصارهم الذين لم يستطيعوا بسبب هذه الصورة المتخيّلة للأمة التي تثقل عقولهم وتملأ خيالهم أن يفهموا أنّ مفهوم الأمة لا يتموضع ويصبح واقعاً إذا لم يقم على أرضيّة تحقيق حرية وكرامة الإنسان الفرد.

 ولأن استحالته واقعًا ممكنة بذلك الشرط فإن إبقاءه في عالم المتخيل، وتضمينه مدلولًا استبداديًا طائفيًا إجراميًا من أصغر المستويات إلى أكبرها كان سبيل النظام الوحيد لتحقيق مشروعه.

ولأن المشاريع التي حملها معارضوه لم تكن أقل إيغالًا في الخيال من مشروع النظام المعلن فقد ظلت الكائنات الخرافية (الإسلامي والأممي والقومي) تتصارع في عوالمها المنفصلة عن الواقع، وإن كانت الغلبة لمن أحسن استثمار متخيله المزعوم بما يتناسب مع واقعه، والاندحار لمن لم يدرك الشرط الضروري لتوقيع متخيله.

ما يجري اليوم من صراع على مناطق النفوذ في سورية ليس مسببًا عن أخطاء المعارضة السياسية فحسب، ولا عن خذلان حلفاء الثورة لها ولكنه نتيجة حتمية لانقسام موجود أصلًا يتولى كبره نظام بالغ الخبث، ومشاريع معارضة لم تحسن التخلص من الشغف بآلهتها الوهمية، وظلت تعاني من وهم اليقين الذي لا يصلح أن يكون ذا محل في عالم المعرفة ولا في عالم السياسة.

إن التسوية السياسية التي يزمع عرابوها على الشروع بها في الآستانة ليست إلا تسوية لتقاسم سورية التي أصبحت معالم تقسيمها ملء السمع والبصر بين الروس والأتراك والإيرانيين.

ولعل المراجعة المطلوب إجراؤها يجب أن تبدأ من إدراك حقيقة تقسيم موجود ساهم فيه الجميع، وقد كان جديرًا بالشباب الذين واجهوا الرصاص بصدورهم العارية أن يغيروا هذا الواقع لو لم يحول صانعو هذا الواقع وجهة الشباب إلى طرق مظلمة حيث جرهم النظام إلى ساحته الطائفية البغيضة، ودفع بهم المؤدلجون (الذين تصدرهم الإسلاميون) إلى عالم مفارق للأرض.

ولان المراجعة خطوة ضرورية لتصحيح المسار فإن إجراءها يجب ألا يكون مهمة نخب تلقي كل منها مسؤولية الأخطاء على الأخرى، ولا مهمة منظرين يتعالون على الأحداث، وإنما هو مسؤولية كل الباحثين عن حلّ يوقف نزيف الدم، ويتصدى لمشاريع تقاسم النفوذ، ويمنع تحويل قصر الرئاسة إلى قرية اليهودية (المكتوب على مدخلها قرية العربية) التي تستبيح ما حولها، وتعيث فيها فسادًا.

رئيس التحرير