من الصعب التكهن بمآلات أو مستقبل الاحتجاجات والتظاهرات الإيرانية التي امتدت منذ بدئها في مدينة مشهد يوم الخميس الماضي إلى العديد من المدن والبلدات الإيرانية، وصولاً إلى العاصمة طهران.

التظاهرات الحالية تختلف عن احتجاجات «الحركة الخضراء» عام 2009، حيث كان الطرف الأساسي المشارك في الأخيرة الجناح الإصلاحي، لكن القمع الشديد والممنهج الذي تعرض له رموز هذا التيار وقياداته وقاعدته الشعبية الواسعة ومؤسساته، عقب 2009، أفضى في الحقيقة إلى تجريف واضمحلال هذا التيار، وصرنا في إيران في السنوات الأخيرة أمام تيارين رئيسيين: الأول أصولي يسيطر على مقاليد الحكم والأمن والسياسة والاقتصاد في شكل شبه تام، والثاني تيار وسطي معتدل، أقل راديكالية، يحوز قدرة انتخابية، لكنه لا يوصف بالإصلاحي، أي أنه لا يريد إصلاح النظام من خلال إصلاح العلاقة بين الثورة والدولة لمصلحة الأخيرة (وهو ما كان يدعو له محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي وغيرهم)، وإنما القيام بإصلاحات محدودة من دون تجاوز الخطوط الحمر؛ التي ينسجها التحالف الحاكم بين مؤسسة المرشد علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني، وهذا التحالف يستفيد من الصورة التي يقدمها للخارج، وخصوصاً للغرب، فريق روحاني وجواد ظريف وغيرهما، بوصفهما وجوهاً معتدلة، تختلف عن صورة خامنئي ومحمد علي جعفري (رئيس الحرس الثوري). بمعنى آخر، فإن الرئيس روحاني، لا يسير على نهج خاتمي – كروبي – مير موسوي، وإنما هو وسطي معتدل من داخل النظام، ولا يعارضه جذرياً، ولا يخرج عليه، ولا يعترض على ثنائية الثورة – الدولة في إيران، وكيف له ذلك وهو ابن مجلس الأمن القومي وأمينه العام السابق؟

هذه التظاهرات تجيء في ظل حالة السيولة التي يعيشها النظام الإقليمي والتحولات الدراماتيكية في موازين القوى والفاعلين الرئيسيين وشبكة التحالفات والاصطفافات. هي تأتي أيضاً في ظل إدارة أميركية ترفع شعار ضرورة منع إيران من زعزعة الاستقرار الإقليمي، وذلك على عكس إدارة أوباما، التي لم تقدّم دعماً حقيقياً لـ «الحركة الخضراء» في 2009. ولا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً مؤثراً في التظاهرات الحالية.

لقد اتضح أن الهتافات ضد الفساد والركود الاقتصادي، ومعها الاحتجاجات ضد «حزب الله» واحتضان الميليشيات الطائفية الذي يرعاها تحالف المرشد-الحرس الثوري في المنطقة العربية، وصلت حدّ الاختناق، وعبّر الإيرانيون عن ذلك بهتافاتهم «الناس يتسولون، ورجال الدين يتصرفون كالآلهة».

إن أي سيناريو خاص باستشراف مآل التظاهرات الحالية في إيران، محكوم بمحددين، على الأقل:

الأول، مدى كثافة المنخرطين في الاحتجاجات، إذْ لا يمكن في ظل السلطوية الإيرانية وإغلاق المجال الإعلامي في إيران وعدم انفتاحه على وسائل الإعلام المحايدة أو الخارجية، تقدير الأعداد الفعلية للمتظاهرين، أو تقدير حجم الاحتجاجات ومدى تشكيلها خطراً على النظام.

الثاني، أنه في ظل القمع الشرس الذي يتوافر لدى النظام الإيراني، من الصعب معرفة مدى قدرة هذه التظاهرات على الديمومة والصمود واستجلاب المساندة، والقدرة على التأثير وفرض الشروط.

وعليه، فقد نكون أمام ثلاثة سيناريوات محتملة:

1- تمكن السلطات الإيرانية من قمع التظاهرات وإخمادها، وبالتالي شراء الوقت، على غرار ما حدث في 2009

2- امتداد التظاهرات واتساعها، بما قد يكسبها مزيداً من التأثير والجـدية في فرض شروط على النظام لتعـــديل المسار، ونكون بذلك أمام فاعل سياسي جديد على الساحة الإيرانية.

3- تراجع حدة التظاهرات، نتيجة اتباع النظام سياسة مزدوجة تقوم أولاً على قمع السلطات المتظاهرين، بوصفهم «تجمعات مخالفة للقانون»، و«مجموعات معادية للثورة تحاول إثارة الاضطرابات في البلاد»، علــى ما صـرّح مسؤولون إيرانيون، وتقوم ثانياً على استجابة حكومة الرئيس روحاني لبعض مطالب المحتجين ذات الأبعاد المطلبية، وربما التراجع عن بعض السياسات التقشفية أو زيادة الأسعار.

* كاتب أردني