MULTECI KAMPI

مفتاح – التقرير

مع دخول الحرب الأهلية السورية عامها الخامس، تتصارع منظمات الإغاثة، ومراكز الأبحاث، والمسؤولون الحكوميون مع الخطوات التالية في التعامل مع احتياجات ما يقدر بـ1.8 مليون لاجئ سوري فروا من القتال، ويعيشون الآن في تركيا.

وعندما بدأ السوريون التدفق على البلاد عام 2011، وسّعت تركيا استضافتها من حيث توفير الطعام والمأوى، والرعاية الطبية لما يقدر بحوالي 250000 لاجئ في مخيمات تقع بالقرب من الحدود. وتوقعت الحكومة التركية أن يكون تدفق اللاجئين أمرًا مؤقتًا، وبدأت منظمات الإغاثة بما فيها منظمات الإغاثة الدولية ذات العلاقات القوية مع تركيا؛ مثل هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان، والحريات والهلال الأزرق، وكيمس يوكمو، ودينيز فينري، في الحشد السريع؛ من أجل تقديم المساعدة على المدى القصير لأولئك الفارين من القتال.

ولكن عندما أصبح الصراع منتشرًا ومكثفًا، بدأ الكثيرون في تركيا إلقاء نظرة ثانية على مسألة اللاجئين. ومع استمرار السوريين في دخول البلاد، تستضيف تركيا الآن 1.75 مليون لاجئ إضافي يعيش غالبيتهم خارج مخيمات اللاجئين. وحتى الآن، يقال إن الحكومة التركية قد أنفقت 5.2 مليار دولار على مساعدة السوريين في البلاد.

وكنتيجة لهذا الوضع، هناك إقرار متزايد بضرورة وجود حل أكثر استدامة لأزمة اللاجئين السوريين. والسؤال المركزي الذي يواجه الحكومة التركية؛ هو ما إذا كان اللاجئون سيبقون في تركيا، أم سيعودون إلى بلادهم بمجرد انتهاء القتال؟

ويقول حسين أوروك نائب رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات إن منظمته تعتقد أن الأزمة السورية سوف تستمر عشر سنوات. وتشير الباحثة بوسرا أوغلو في مركز UTSAM، وهو مركز أبحاث مقره أنقرة تابع للحكومة، إلى أنه “من الناحية التاريخية، معظم اللاجئين لا يعودون، ونحن نتوقع أن يبقى نصف اللاجئين“.

وفي حين تُبذل جهود مستمرة لتلبية الاحتياجات اليومية الأساسية للاجئين، تبدأ الخطوات الأولية المتعلقة بقضايا أخرى؛ مثل مشاكل العمالة، والفرص التعليمية، والاندماج الثقافي للسوريين. وعلى سبيل المثال، أخبر مركز “UTSAM” موقع “مفتاح” أنه قد أوصى الحكومة التركية بأن تطوّر سبلاً لتحقيق هذا الاندماج؛ من أجل ضمان ألا يتطور لدى اللاجئين عقلية تبعية تجعل من الصعب قطع المساعدة عنهم، وتبطئ من عملية اندماجهم بشكل كامل في المجتمع التركي.

مسألة التوظيف

كثير من السوريين الذين جاءوا إلى تركيا دون الوثائق اللازمة، كانوا يُوصفون بأنهم “ضيوف” عند وصولهم، وهو وصف يعني أنهم مرحب بهم ولكن غير مسموح لهم بالعمل في البلاد. ويقول أحد عاملي الإغاثة في غازي عنتاب “عندما جاءوا لأول مرة، كان لديهم بعض الأموال، ولكنها نفدت الآن“.

ويقول العاملون بمجال الإغاثة إن السوريين الذين يمتلكون الوثائق اللازمة، والمهارات المطلوبة ليست لديهم مشكلة كبيرة في العثور على عمل، ولكن أولئك الذين لديهم مستوى أقل من المهارات، أو لا يمتلكون الوثائق اللازمة يكافحون؛ لأن الحصول على تصاريح عمل أمر صعب، والكثير من “الضيوف” السوريين على استعداد للحصول على أجور أقل. وقد كان هذا فرصة غير متوقعة لأرباب العمل، وهو ما أثار سخط العاملين الأتراك.

ومشهد تسوّل السوريين -وهو أمر شائع في إسطنبول- أمر غير قانوني، ويزعج كثيرًا من الأتراك الذين يعترفون بشكل سري بأن السخط يتزايد حيال الوضع غير المستقر للاجئين. وتوفر عدد من المنظمات -بما فيها دينيز فينري ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين وبرنامج بولسا التابع للمنتدى السوري وهو اتحاد من منظمات الإغاثة التي تركز على الأزمة السورية- تدريبًا مهنيًا للاجئين؛ للمساعدة في الحد من هذه المشاكل.

مسألة التعليم

تذكر رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية، وهي المنظمة الحكومية المسؤولة عن مخيمات اللاجئين، أن ما يقدر بنحو 1.8 مليون سوري مسجلون الآن في خانة “الحماية المؤقتة”، مما يجعلهم مؤهلين للاستفادة من المنافع التعليمية والرعاية الصحية. ومع ذلك، ولكون الأزمة قد امتدت لفترة طويلة، فهناك قلق من أن يكون من الصعب إدراج الأطفال السوريين ضمن هذه الخطة. ويقول مسؤول بهيئة الإغاثة الإنسانية “فقدت سوريا أربع سنوات من التعليم. لقد خسروا جيلاً“.

وهناك أحد المخاوف المتعلقة بأن نقص التعليم سوف يجعل من الأطفال السوريين مصدرًا خصبًا للتجنيد من قِبل الجماعات العنيفة المسلحة مثل الدولة الإسلامية. ويقول التربويون أيضًا إنهم يكافحون مع قضية الأطفال المصدومين الذين شهدوا مباشرة قتالاً وحشيًا. ويقول مسؤول كبير في مدرسة “المميزون”؛ التي تم تأسيسها من قِبل سوريين في غازي عنتاب لتلبية مطالب الطلاب السوريين من مرحلة رياض الأطفال إلى المرحلة الثانوية، “إنه أمر صعب جدًا. ومن الصعب جدًا أن نرى ذلك“.

وهناك العديد من الجهود التي تحدث الآن لمساعدة الأطفال السوريين في الحصول على التعليم اللازم لهم؛ للتنافس داخل المجتمع التركي. وتذكر رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن 90% من أطفال المخيمات يحصلون على خدمة تعليمية نوعًا ما. وتبذل المنظمة نفسها جهودًا حثيثة من أجل تسجيل الأطفال السوريين في المدارس، وقد التحق بالمدارس حتى الآن 275000 طالب. وقد أنشأ السوريون أيضًا مدارس خاصة بهم، ويتم التخطيط لافتتاح جامعة للسوريين في البلاد.

الاندماج الثقافي

يكمن وراء قضية الطعام والمأوى والعمل تحدٍ أكثر صعوبة؛ وهو دمج السوريين في المجتمع التركي. وبينما يتحدث السوريون اللغة العربية بشكل رئيس، إلا أن الأمور تسير في تركيا عمومًا باللغة التركية أوالإنجليزية. ومن أجل سد هذه الفجوة، قام المنتدى السوري بتطوير أنشطة مشتركة مثل رحلات المسارح للأطفال السوريين والأتراك. كما قام العديد من الأسر التركية أيضًا “بتبني” عائلات سورية، وتقديم المساعدة المادية لهم والانضمام إلى المجتمع التركي الأكبر؛ وهو ما لا يقل أهمية.

وقد تلقت تركيا بشكل عام تقديرًا جيدًا؛ بسبب معاملتها للاجئين السوريين، ويؤكد الأتراك بشكل خاص على استعدادهم لمساعدة هؤلاء اللاجئين. وبالنسبة للكثيرين، فإن هذه الاستضافة هي نتاج تراثهم الإسلامي. وفيما عدا دفع الزكاة، وهي الصدقة الخيرية السنوية المفروضة على جميع المسلمين، أكدت منظمات الإغاثة مثل الهلال الأزرق أنه يجب على الأتراك الترحيب باللاجئين، تمامًا مثلما تم الترحيب بالنبي محمد من قِبل سكان المدينة؛ عندما هاجر للمرة الأولى إلى تلك المدينة. وكانت رسالتهم بسيطة؛ وهي “أنت تحب الخلائق، لأنك تحب الخالق“.

ومع ذلك، في حين يرى الكثير من المنظمات غير الحكومية، ومراكز الأبحاث أن الاندماج أمر حتمي، يخطط آخرون لعودة اللاجئين إلى سوريا. فقد تم تنظيم عدد من المجالس المحلية في البلدات السورية؛ للاستعداد للحكم الذاتي في ما بعد الحرب. وقد نظم المنتدى السوري بشكل خاص 140 من هذه المجالس.

ويقول مسؤولون بالمنتدى إن جهودهم مثالية في هذا الصدد، حيث مازالوا يتعاملون مع واقع القتال المستمر في جميع أنحاء البلاد، والذي أدى إلى تعريض المجالس المدنية للتدمير، عندما تتجاوز قوات المعارضة المدن. ومع ذلك، يواصلون القيام بهذا العمل الذي يعتقدون أنه مهم لضمان تأهيل السوريين أن يحكموا أنفسهم. ويقول أحد عمال الإغاثة “لا أتوقع أن أرى ذلك يحدث في حياتي، ولكن هذا لا يعني أن أترك العمل لأجله”.

كانت قضية معاملة اللاجئين السوريين مسألة ثانوية في حملات الانتخابات البرلمانية بتركيا في 8 يونيو. ولكن مع دخول تركيا مرحلة جديدة في حربها ضد الدولة الإسلامية، فمن المحتمل أن يتم طرح مناقشات حول دمج اللاجئين لعدة أشهر قادمة على الأقل، وربما لبقية العام. ولاتزال مراكز الأبحاث التركية تصيغ مقترحات لدمج السوريين، ولايزال العاملون بوكالات الإغاثة ملتزمين بالمساعدة في تخفيف محنة اللاجئين. كما أشار غسان هيتو، مدير المنتدى السوري، لأهمية هذه الجهود قائلاً “نحن نقوم بتكوين نسيج جديد من المجتمع لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب“.

المصدر