عندما يصبح النظام السياسي مجوّفاً أي غير قادر على تحقيق الحد الأدنى من شروط استمراره يستغل التجويف بدائل له تملأ هذا الفراغ.

بالمقارنة بين الحالتين المصرية والسورية نجد أن البديلين الذين تصدّرا المشهد عندما أفلس نظام مبارك وتحول بشكل فج الى ثقب أسود يمتص الموارد والخيرات هما الإخوان المسلمون والتيار الليبرالي الذي كان أبرز ممثّليه نادي القضاة.

كان للإخوان وجود في الشارع المصري تمثل بالعمل الاجتماعي وتقديم الخدمات للناس وكفاح طويل من اجل الوجود في البرلمان المصري نجح لفترة من الزمن علاوة على مراجعات فكرية حقيقية للرؤية والبرنامج.

أما التيار الليبرالي فقد استطاع إثبات وجوده مستمداً حياته من تاريخ عريق يعود إلى عقود طويلة سابقة وكان له جولات مع النظام كسب بعضها بجدارة واستحقاق، كان في مركزها الاستماتة من اجل الحفاظ على استقلالية القضاء.

وبعيداً عمّا حصل لاحقاً من تطورات، فإن وجوداً موضوعياً لهذين البديلين لا يمكن إنكاره ولا يزال ذا فاعلية الى اليوم.

والأهمّ ان البديلين قد حاولا بجدّية جسر الهوة بين رؤيتيهما، وإن كانت عقود الاستبداد قد أثقلت كاهل التيارين وجعلت أداء كلّ منهما يستبطن رواسب الإقصاء وهو عامل كان له دور كبير في مساعدة خصوم الثورة في إجهاضها.

في اللحظة المفصلية التي تمر بها سوريا، والمفتوحة على احتمال راجح لحلّ سياسي بعد الانخراط في المفاوضات وإعلان روسيا سحب قواتها من سوريا يصبح استكشاف ملامح البديل ضرورة ملحة.

كانت عدوى الثورة في مصر وتونس عاملاً مهمّا في تفجير الثورة السورية، وكان النظام السوري فاقداً لشرعية استمراره بعد انكشاف زيف التفاؤل بالوريث والتعويل على وعوده بالإصلاح.

وكان الإخوان المسلمون خارج الساحة السياسية منذ زمن طويل، ولا حاضنة اجتماعية يعتدّ بها لهم في الشارع السوري ولهذا فإن قدرتهم على ملء التجويف لم تكن ممكنة.

أما التيار الليبرالي السوري الذي لم يكن يملك تجربة متراكمة وعريقة بالقدر نفسه الذي امتلكه التيار الليبرالي المصري فقد كان بلا ظلّ في الشارع، ورغم محاولات حزب الشعب الديمقراطي السوري أن يكون ممثله وحامل شعاره فإن قصر المسافة الزمنية بين تصدّره المشهد وبين اندلاع الثورة لم يوفّر له الوقت الكافي لإنضاج رؤيته وجعله قادراً على قيادتها وتوجيهها.

ولما كان النظام غير قابل للإصلاح والاستجابة للمطالب فإنه لم يملك وسيلة للمواجهة غير إشعال نار الحرب وتمهيد الطريق لوحش التطرف لكي يسرق الضوء والمشهد.

جماعة الإخوان ترددت في البداية في الانخراط، ثم ما لبثت أن استخدمت كل خبراتها للسيطرة على مؤسسات المعارضة مستفيدة من ظرف موضوعي تمثّل في أن الداعم الأكبر للثورة السورية ومستضيف ممثليها كان النظام الحاكم في تركيا الشبيه بها في بنية تفكيره ومنطلقاته.

أما حزب الشعب فقد استماتت قيادته في الإخلاص للثورة، وبقيت مصرّة على البقاء في الداخل السوري تناضل مع أبناء شعبها، ولكنّ عظم الحدث لم يمكّنها من التعملق لمطاولته فظلّت تلهث وراءه محاولة مواكبة تفاصيله وملاحقة زمنه الحبلى لحظاته بكل جديد.

وكان التخندق في الخنادق الأيديولوجية العتيقة ديدن مكونات المعارضة المختلفة الأمر الذي منعها من التوحّد وإقناع المجتمع الدولي بوجود بديل عن النظام وعن التطرف.

كان السؤال الذي يطرحه المتخاذلون قبل الثورة عن بديل النظام سؤالاً مشبوهاً لأن المفروض أن البديل يولد أثناء مخاض التغيير وليس جاهزاً ومكتملاً قبله، ولكنّ خمس سنوات من الثورة لم تكن كفيلة بالتمخّض عنه الأمر الذي يجعل اللحظة القادمة غائمة وغير محدّدة الملامح، ويجعل خطورة البدائل مسألة جديرة بتكريس الفكر واستنزاف الجهد لمواجهتها وعرقلة مشاريعها.

نتحمّل قدراً كبيراً من مسؤولية ما جرى فلنعدّ العدة لتصحيح الأخطاء الجسيمة التي وقعنا بها ولتقديم برنامج كفيل بتحقيق أهداف الثورة السورية والوفاء لدماء شهدائها.

المعركة القادمة ليست أقلّ ضراوة من المعركة السابقة فلنعدّ لها ما استطعنا من قوة.

رئيس التحرير