فورين بوليسي: ترجمة “العصر”

بدأ كثير من الخبراء والمحللين يتساءلون عما إذا كانت الانتصارات الأخيرة للثوار في شمال سوريا تشكل بعض التحول الذي يمكن أن يشير إلى ضعف أساسي للنظام. فهل بشار الأسد في طريقه للخروج؟، كما تساءل الكاتب “آرون ديفيد ميلر” في مجلة “فورين بوليسي”.

هذا هو السؤال نفسه، وفقا للكاتب، كنا نسأل أنفسنا عنه مرارا وتكرارا على مدى السنوات الخمس الماضية. فهل سيكون الوضع مختلفا هذه المرة؟

هل يمكن أن يكون تنحي الأسد قريبا، وهذا راجع إلى حد كبير إلى التنظيم الجيد للمعارضة الإسلامية وتصدعات داخل المؤسسة الأمنية وصعوبة تجنيد العلويين للقتال؟ هل يمكن أن يكون هذا حقا هو النهاية؟

 الجواب على هذا، أن لا أحد يعرف، وفقا للكاتب، وأنه من الصعب حقا التكهن في مثل هذه اللحظات، وخاصة في حالة مثل سوريا.

لذلك، قرر الكاتب في بحثه عن إجابات وبعض التوضيحات بشأن ما يمكن أن يكون واحدا من أكبر التداعيات المحتملة للثورة في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية، أن يحاور خبيرين، وهما: “فريد ​​هوف”، مستشار أوباما السابق الخاص للتحول السوري) و”جوشوا لانديس”، الباحث في جامعة أوكلاهوما، وهما من خيرة المحللين: الأمريكيين، للسياسة السورية، وفقا للكاتب.

وهذا أهم ما جاء في الحوار:

آرون ميلر: تشير مكاسب الثوار في إدلب وجسر الشغور إلى أن الثورة السورية الآن هي أقوى من أي وقت مضى. لقد وصلنا إلى نوع من نقطة اللاعودة بما يشير إلى بداية النهاية لبشار؟

فريد هوف: بداية النهاية لبشار بدأت في مارس 2011، عندما رد على الاحتجاج السلمي ضد وحشية الشرطة بالعنف القاتل. ليس هناك شك في أن جيشه الآن متعب، مستنزف وفاقد للروح المعنوية. العمود الفقري للجيش –الطائفة العلوية- ملًت من التضحية بأبنائها من أجل بقاء عشيرة (حتى قبل عام 2011) لم تقدم الشيء الكثير للطائفة ولسوريا بشكل عام.  

وتمسك العلويين إلى الآن، على مضض، بالنظام راجع إلى غياب بديل مميز مرغوب فيه وبسبب المخاوف الوجودية التي أشعلها النظام. أما بالنسبة للتطورات الميدانية الحاليَة على أرض الواقع، فإنها لا تُنذر، بالضرورة، بسقوط دمشق أو اختفاء النظام.

هناك مد وجزر في هذا الصراع، وإيران قد تجد مرة أخرى (كما فعلت في عام 2013) طرقا لاحتواء خسائر النظام.

جوشوا لانديس: إن نهايته ليست قريبة. لكن الخسائر في إدلب وجسر الشغور تظهر مدى قوة وتنظيم المجموعات الثورية، وهذا ما يثير، بالتأكيد، قلق جمهور الأسد. ولكن ما الذي يفسر هذه القوة الثورية الجديدة والمنظمة؟ تم تحييد اثنين من المنافسين الرئيسين لجبهة النصرة، والولايات المتحدة أضعفت إلى حد كبير تنظيم الدولة الإسلامية. كما قضت النصرة على الكتائب “المعتدلة” المدعومة من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهذا أجبر الجبهة الإسلامية وتجمعات ثورية أخرى على قبول النصرة كقوة مهيمنة والتنسيق معها.

في السعودية، قدم الملك الجديد أولوية إضعاف إيران على إضعاف جماعة الإخوان، وعكس بهذا اتجاه الأهداف الإستراتيجية لسلفه. وهذا يعني أن المملكة العربية السعودية ليست على الخط نفسه الذي تبنته تركيا وقطر، التي دعمت وفضلت التوجهات الإسلامية مما أثار استياء الرياض والولايات المتحدة.

ولكن يبدو أن النصرة وأحرار الشام عززوا نفوذهم وتأثيرهم في قوات الثوار [تحت راية جيش الفتح] واهتدوا للعمل معا بفعالية. وهذا أمر كبير. يمكن أن يكون هناك تأثير للملك سلمان، بزيادة المساعدات السعودية والتعاون مع تركيا وقطر. وقد يكون ذلك جزءا هاما من قوة المقاتلين الثوار الأخيرة.

وعلى الأسد تحسين وضع جيشه ودفاعاته. وهناك تقارير كثيرة تشير إلى تهرب رجاله من الخدمة العسكرية، ومع ذلك، فإن الأمر الذي سيصعب عليه هو استعادة ما خسره.

وليس من المؤكد ما إذا كانت الانتصارات الميدانية الأخيرة للثوار في مناطق الأسد هي بداية النهاية، أو ما إذا كانت ستُجبر الأسد على تغيير إستراتيجياته الحربية. وهذا قد يدفع الأسد إلى العمل من أجل التقسيم الفعلي للبلاد، بدلا من الحفاظ على إستراتيجية “كل الزوايا”.

آرون ميلر: هل تقبل بفكرة أن هناك علويين مقبولين في الجيش، الذين هم جزء من النظام الحالي أو في الخارج، ممن يستطيعون التحدث باسم مجتمعهم واعتبارهم محاورين ذوي مصداقية في التوصل إلى حل سياسي؟

جوشوا لانديس: لا أعتقد أنه سيتم العثور على الحل السياسي. فالثوار الإسلاميون مصممون على استعادة السيطرة على كل سورية. الأسد، حتى الآن، عازم على استرجاع ما خسره. ونظامه يعتمد على الهيكل السياسي لحكم العائلة والولاءات التقليدية التي أنشأها والده قبل 45 عاما.

فريد هوف: أعتقد أن العلويين يجب أن يكونوا شركاء بشكل كامل في سوريا. بالتأكيد هناك الكثير من العلويين في الجيش الموجه النظام الذين خدموا بشرف والذين رفضوا المشاركة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويجب على المعارضة السورية أن تكون واضحة في أن مصطلح “نظام الأسد” يشير إلى عشيرة ودائرة صغيرة نسبيا من المجرمين، وأن الآخرين من غير هذه الدائرة سوف يكونون موضع ترحيب للمشاركة في الحياة السياسية في حقبة ما بعد النظام السوري.

آرون ميلر: ما هي أهمية الأسد وسوريا بالنسبة لإيران، وماذا أعدت لإنقاذه؟

جوشوا لانديس: حكم العلويين ونظام الأسد مهمان جدا بالنسبة لإيران. طهران قد تنفق المزيد من المال لدعم النظام، ولكن أجد أنه من الصعب التصديق أنها سترسل لواء من الجنود الإيرانيين للقتال في سوريا.

فريد هوف: خلال سنتين من المناقشات الثنائية مع نافذين إيرانيين غير رسميين، قيل لي دائما إن الحفاظ على الأسد شخصيا هو أولوية قصوى للأمن القومي الإيراني. إيران تعتبر الأسد ملائما تماما للحفاظ على القوة الصاروخية والتسليحية لحزب الله.

ثم إن علاقة الأسد وحزب الله تراها إيران مهمة من الناحية العملية. إذ إن الإيرانيين يخشون من أنه مع رحيل بشار الأسد فإن النظام سينهار، وأن خليفته لن يُخضع سوريا إلى إيران كما فعل الأسد.

آرون ميلر: إذا سقط الأسد، كيف سيتأثر حزب الله بهذا؟

 فريد هوف: ما لم كانت إيران قادرة على استبدال الأسد بمثل فعاليته وخضوعه في تمرير الإمدادات لحزب الله، فإن زعيم الميليشيا اللبنانية الإيرانية سيكون حاله أقرب إلى قائد عسكري مسلح تسليحا جيدا ويعرف أنه لا أمل في إعادة تفعيل التمويل.

وهذا يمكن أن يكون له تأثير سلبي عملي في إيران وقوتها الإستراتيجية في لبنان…والقوة نفسها سوف تتضرر مع مرور الوقت دون تموين مستمر ورفع مستواها.

جوشوا لانديس: سيُحرم حزب الله من مصدر إمداده بالأسلحة الثقيلة. فقد أمكن لإسرائيل والولايات المتحدة مراقبة الشحنات البحرية والجوية ولكن تعذر عليها مراقبة الطرق البرية التي يستخدمها الأسد لتسليم الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله.

آرون ميلر: هل هناك ثوار إسلاميون قادرون على حكم البلاد؟

جوشوا لانديس: أتصور أن القوى الإسلامية سوف تجد وسيلة لحكم سوريا.

 فريد هوف: “الإسلامي” هو مصطلح واسع جدا. هل يمكن أن تُحكم سوريا بشكل شرعي من قبل الذين يعتقدون أن مواطنة الأقليات الطائفية أدنى درجة من الأغلبية؟ لا.

هل يجوز أن يكون هناك تيار سياسي في جمهورية دستورية يدافع عن أن القانون يجب أن يكون مستمدا من تعاليم الأخلاقية للقرآن والحديث النبوي؟ نعم.

ولكن سوريا هي فسيفساء عرقية وطائفية، ولا يمكن أن يحظى طرف بموافقة المحكومين –وهذا مطلوب للاستقرار والشرعية الحقيقيين- إلا إذا كانت المواطنة أساس الحكم سياسيا…

 آرون ميلر: كيف سيكون الوضع في سوريا بعد عام من الآن؟

جوشوا لانديس: لا يزال الأسد يسيطر على دمشق والمناطق الساحلية، ولكن حماة ستكون إما محررة أو غارقة في الحرب. وهذا، بطبيعة الحال، هو مجرد تكهنات. ذلك أن الكثير يعتمد على ما إذا كان العراق وإيران سيصعدان الموقف للرد على المساعدات التركية والسعودية للثوار السنة في سوريا، كما إنه يعتمد على مدى رغبة القوى السنية في المنطقة في هزيمة إيران والأسد في سوريا.

فريد هوف: إذا ما أصرت واشنطن على عدم التدخل لحماية المدنيين وتوفير الدعم السياسي والعسكري للوطنيين السوريين، فإن الكارثة الإنسانية ستتفاقم بشكل كبير وسيتم تقسيم البلد بشكل غير رسمي البلاد بين الجهاديين والنظام. والمتغير الأساس، في مستقبل الوضع، ستكون السياسة الأميركية.

إذا اختارت الولايات المتحدة حماية المدنيين، وتستبدل مبادرة تدريب وتجهيز بعض المجموعات المقاتلة الضعيفة ببناء قوة استقرار وطني لجميع السوريين، وتجند القوى الإقليمية لتوفير القوات البرية لاكتساح مناطق تنظيم الدولة في سوريا، بحيث يمكن للبديل الحكومي لعائلة الأسد أن يتأسس، ومن ثم يمكن تجنب السيناريو المتشائم، وبعد ذلك يمكن للسوريين التفاوض على تسوية تؤدي في النهاية إلى الحكم الشرعي.