Foreign Policy  – ترجمة بلدي نيوز 
قابلت المعارضة السورية خطة وقف إطلاق النار السورية بتعبير نادر من الثناء، ولكن نجاح هذه الصفقة في الحقيقة يعتمد على روسيا التي لديها تاريخ طويل في المماطلة بالمحادثات بشأن وقف إطلاق النار حتى تقوم بهجماتها العسكرية. 
والاتفاق الذي تم التوصل إليه في ميونخ من قبل القوى الكبرى في العالم يدعو إلى “وقف الأعمال العدائية” في غضون أسبوع، والوصول الفوري للإمدادات الإنسانية في البلد الذي مزقته الحرب.
وفي ترويج سياسي للاتفاق، حذر وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” من أن الاتفاق هو حتى الآن “التزام على الورق”، مشيراً إلى أن الاختبار الحقيقي هو “ما إذا كانت الأطراف المعنية ستفي بالتزاماتها أم لا، وعلى تنفيذها له على أرض الواقع”.
ومن أهم تلك الأطراف هي موسكو، التي لم تتوقف حملتها الجوية من القصف قرب حلب، كما سمحت للقوات الحكومية السورية، بمساعدة مقاتلين إيرانيين ولبنانيين، تقريباً باستعادة معقل الثوار في حلب، وإذا واصلت روسيا مساعدة النظام في هجوم لمدة أسبوع آخر، ستتمكن دمشق من أن تحقق ضربة قاضية للثوار، تحاصر عشرات الآلاف من المدنيين، وتقطع بشكل دائم طريق الإمداد الحيوي للمعارضة مع تركيا.
ولم يتضح يوم الجمعة ما إذا كانت الحكومة السورية أو كل جماعات المعارضة المسلحة – التي لم تكن ممثلة في محادثات ميونخ – على استعداد للالتزام باتفاق وقف القتال والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وقد تمت الموافقة على اتفاق ميونيخ من قبل 17 دولة، من ضمنها المجموعة الدولية لدعم سورية أو ISSG، التي تشرف على الجهود الدولية لتحقيق السلام في سوريا.
وهناك ثغرة رئيسية أخرى، فالاتفاق ليس ملزماً لتنظيم “الدولة الإسلامية” أو جبهة النصرة، وهما من الأهداف الرئيسية للأسد وحلفائه، الأمر الذي يترك موسكو حرة لمواصلة الحرب الجوية في سوريا، وهذا يعني أن القتال في بعض أنحاء البلاد يمكن أن يستمر – بل حتى سيتم تكثيفه – حتى لو كان وقف إطلاق النار ساري المفعول كما هو مقرر.
ومع ذلك، قال سالم المسلط، كبير المتحدثين باسم ائتلاف المعارضة الرئيسي، للصحفيين يوم الجمعة أن الاتفاق يحوي “العديد من النقاط الايجابية” إلا أن المعارضة تصر على أن تكون هناك تحسينات ملموسة على أرض الواقع، قبل استئناف محادثات السلام في جنيف.
وفي مقابلة مع صحيفة “الفورين بوليسي” أشاد بسام بربندي وهو منشق عن الحكومة السورية ويعمل الآن مع ائتلاف المعارضة، بجهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ودعا الولايات المتحدة إلى جعل موسكو تتحمل مسؤولياتها في الأيام المقبلة، وقال بربندي: إن ذلك يظهر أنه عندما يكون الأمريكيون جادون، فإنهم يحققون ما يريدون، ولذلك نأمل من الولايات المتحدة أن تواصل السعي من أجل تنفيذ الصفقة برمتها”.
ويأمل كيري والدول الأخرى المشاركة في المحادثات (المتوقفة) أن يؤدي نجاح الاتفاق الجديد إلى تقليل مستوى العنف، والسماح للمساعدات للوصول إلى المناطق المحاصرة والتي هي بأمس الحاجة إليها، وقد يساعد تدريجياً على التوصل إلى حل سياسي للصراع الذي أودى بحياة 250.000 شخص على الأقل وأدى إلى أزمة لاجئين ضخمة في العالم.
وقال أحمد فوزي المتحدث باسم الأمم المتحدة: “إن اجتماع ميونيخ هو انفراجه كنا ننتظرها في خضم هذه الكارثة الإنسانية، والمجتمع الدولي يقف على استعداد لبدء تقديم المساعدات حالما يتم رفع الحصار”، وأضاف فوزي أن “المجتمع الدولي يريد من الولايات المتحدة وروسيا، وغيرها من الدول المشاركة في محادثات سوريا الضغط على الأطراف المتقاتلة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية ووقف قصف هذه المناطق”. 
ولكن عدداً من الأمور ليست على ما يرام، فقد قال خبراء سياسيون أن موسكو ما تزال تحظى بنفوذ كبير لوقف إطلاق النار في سورية، ولا يزال من غير الواضح من هي جماعات المعارضة المسلحة في سورية التي ستبقى لعبة عادلة للهجمات الروسية، كما أن هناك اتفاق واسع النطاق على أن الحرب ستستمر ضد تنظيم الدولة وجبهة النصرة حتى بعد تنفيذ وقف إطلاق نار وطني، بالإضافة إلى أن المجموعة الدولية لدعم سورية ISSG لم توافق بعد إن كانت جماعات إسلامية أخرى سيشملها وقف إطلاق النار أم لا، بما في ذلك جيش الإسلام وأحرار الشام، والتي تدعمها المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر.
واذا استمرت روسيا في قصف هاتين الفئتين، يمكن أن يزيد هذا من تعزيز موقف الأسد وسحق حلم الثوار بإطاحة الأسد عسكرياً، وقد تعهد الاسد يوم الجمعة في مقابلة مع وكالة فرانس برس على استعادة جميع الأراضي السورية “دون تردد”، كما قال مبعوث الأمم المتحدة لروسيا في وقت سابق هذا الاسبوع أن موسكو “لا تعتذر” عن حملتها الجوية، وأنه اعتباراً من يوم الجمعة، ستواصل المقاتلات الروسية قصف أهداف في شمال سوريا.
لبعض المراقبين، يدل الاتفاق على عدم وجود خيارات لدى الولايات المتحدة الآن، يقول ريتشارد غوان من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “ليس هناك وسيلة حقيقية لمعاقبة موسكو لتصعيدها العسكري، وبالتالي فإن الغرب يحاول بأي طريقة شراء ذمة روسيا بأي مبادرة دبلوماسية”.
ولا تزال هناك عقبة رئيسية أخرى أمام الاتفاق وهي جبهة النصرة والتي تم دمجها في صفوف العديد من جماعات المعارضة المدعومة من الغرب في غرب سوريا، ولكنها أيضاً مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية، والمجموعة لديها المال الكافي العسكري لتقويض أي هدنة بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى.
وقال نوح بونسي الخبير في الأزمات الدولية: “نظراً لعادة روسيا والنظام السوري باستهداف جامعات المعارضة المعتدلة الرئيسية على أنها أهداف لتنظيم الدولة، فاتفاق المجموعة الدولية لدعم سورية سيسمح باستمرار الهجمات ضد هذه الفئات وهذا سيجعل في نهاية المطاف وقف الأعمال العدائية (لا معنى له)، لكنه أضاف أن سماح موسكو بدخول شحنات المساعدات إلى المناطق المحاصرة هو أمر مهم”.
وأردف: “إن مصداقية روسيا الآن على المحك_ فإن لم تضمن وتحث النظام السوري على التعاون لإيصال المعونات للمحتاجين، فلا حاجة بعد الآن لاعتبار موسكو كشريك في العملية السياسية في هذه المرحلة”.
وقالت ميشيل برسا، الخبيرة في الشؤون السورية في معهد الأمن الشمولي، وهي مجموعة تعمل مع منظمات المجتمع المدني السورية: “حتى لو تم الاتفاق، هناك قضايا لا تبدو مثيرة للجدل ظاهرياً، مثل إيصال المساعدات الإنسانية، ولكنها خارجة عن نطاق السيطرة، فما نسمعه هو أنه فور وصول المساعدات، تصادر من قبل الأجهزة الأمنية السورية ويعاد توزيعها بشكل انتقائي من قبل القوات الموالية للنظام”.
وقال الكسندر كوشاركوف، وهو محلل روسي رفيع المستوى: “إن الخوف الأساسي هو أن الاتفاق الأخير يمكن أن يكون تكرار لتكتيكات روسيا القديمة: بوعود في المستقبل لوقف إطلاق النار مع الاستمرار في النضال من أجل السيطرة على مزيد من المناطق على الأرض – استراتيجية اتُهمت روسيا بممارستها في أوكرانيا الشرقية العام الماضي، فقبل عام من هذا الشهر، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اتفاق لوقف اطلاق النار في مينسك يهدف الى إنهاء القتال بين الحكومة الأوكرانية ومتمردين مدعومين من موسكو، ولكن بعد ستة أيام، تم الاستيلاء على المدينة الأوكرانية دبالتسيفي، وهي مركز السكك الحديدية الاستراتيجي، من قبل الانفصاليين، و في نهاية المطاف، تم الاتفاق على هدنة، ولكن فقط بعد أن سيطر الانفصاليون الموالون لروسيا على البلدة، ولذا ينبغي توخي الحذر في المحادثات السورية الحالية”.
وأردف كوشاركوف: “إن التزام روسيا بوقف إطلاق النار لا ينبغي أن يؤخذ ظاهرياً من قبل الموقعين على الاتفاق”.