ساطع نور الدين

المدن

بدأ موسم البحث الجدي عن حل سلمي للازمة السورية. الدافع الاهم وربما الاوحد الى افتتاح ذلك الموسم الجديد، هو التدخل العسكري الروسي المباشر الذي جاء للحؤول دون إنهيار سابق لأوانه للجيش والدولة والنظام في دمشق. عندما جرى استدعاء الرئيس بشار الاسد الى الكرملين قبل يومين، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يود ان يعلن على الهواء مباشرة ان بلاده ليست قوة محاربة فقط في سوريا، بل هي قوة تسعى الى حل سلمي. كان يوحي بانه يدرك جيداً حدود القدرة العسكرية الروسية، التي يبدو انها بلغت ذروتها السورية، وهي لن تستطيع قلب موازين القوى على أرض المعركة، بل يمكنها فقط تعديلها بما يقنع طرفي الصراع السوري بالجلوس الى طاولة المفاوضات.  كان الاعتقاد السائد، والثابت، ان موسكو ابلغت الاميركيين والاوروبيين والعرب والاتراك قبل بدء غاراتها الجوية في نهاية الشهر الماضي انه سيكون لديها عرض للتسوية في غضون شهرين او ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، وهي المدة التي تستغرقها عملية اعادة الثقة الى وحدات الجيش السوري المتهالكة. لكن الاسراع في الانتقال الى البحث السياسي، سواء باستدعاء الاسد الى موسكو او بإستعجال لقاء فيينا اليوم، يشي بان ثمة تغييرا طرأ على جدول الاعمال الروسي. في مراجعة سريعة للاسابيع الثلاثة الاولى من الحملة العسكرية الروسية يمكن ان يسجل عنصر وحيد فقط يثير الغرابة: قالت موسكو انها تتدخل لحماية الجيش السوري، فاذا بها تزجه في معارك استنزاف ضارية على خمس جبهات حيث كانت قوات المعارضة تنتظره للنزول من الجو والدخول في الاشتباك المباشر، الذي لم تكن حصيلته مبشرة حتى الان اذ انه لم يفلح في إسترداد مواقع مهمة ما عدا بعض القرى والدساكر المعزولة التي خرج منها المعارضون نتيجة الغارات الروسية المكثفة والدقيقة، ويمكن ان يعودوا اليها في اي لحظة. ثمة نظرية متداولة في اكثر من عاصمة، ليس فقط في العواصم العربية، وهي تحظى بما يشبه الاجماع ، مفادها ان التدخل العسكري الروسي في سوريا في صيغته الراهنة، لم يكن له سوى هدف مركزي وحيد هو اخراج القوة الايرانية من المعادلة السورية واستعادة زمام المبادرة من يد الايرانيين، الذين سلموا أصلا بتراجع مكانتهم العسكرية والسياسية في سوريا. وهو ما كان ولا يزال يشكل اختباراً عملياً، لسلوك طهران الاقليمي في اعقاب الاتفاق النووي.  تدخلت روسيا لهذا الغرض ليس إلا. ولم تكن صدفة ان تقرر اطلاق صواريخها البعيدة المدى من بحر قزوين لكي تعبر الاجواء الايرانية بينما كان بامكانها ان تطلق مثل هذه الصواريخ من بحار أقرب الى البر السوري. وهناك من يمضي بالخبث الى حد إعتبار تحطم ثلاثة صواريخ روسية داخل الاراضي الايرانية خطأ مقصوداً.. مع ان مثل هذه الاخطاء يمكن ان تحصل، وهي حصلت مراراً وتكراراً مع الاميركيين تحديداً الذين لطالما انحرفت صواريخهم الدقيقة عن أهدافها الافغانية او العراقية او اليمنية او حتى السورية، وأصابت مستشفيات ومدارس وقاعات زفاف!  لا شك ان العامل الايراني حُيد، لكنه لم يعزل. ولا جدال في ان الحملة الروسية دبت الروح في دمشق. لكن هذين العنصرين ليسا كافيين على الاقل حتى الان للحديث عن مواعيد وتفاصيل الحل السياسي السوري: ُجلب بشار الى موسكو قبل يومين لسؤاله عما لديه من عرض جديد ، يمكن ان يحمله الوفد الروسي الى فيينا.  وعلى الرغم من انه بدا في اللقاء مع بوتين مثل طالب ابتدائي يخضع لامتحان مدرسي، فان التكهن بانه اصبح اكثر استعداداً او اكثر مرونة للحل، يحتاج الى خيال واسع جداً.  لن يكون من الصعب القول ان ما كان الاسد يرفضه قبل الغارات الروسية لن يقبله بعدها، وهو لن يتورع عن طلب تغيير الأنظمة في جميع البلدان المعادية له قبل ان يوافق على البحث في تغيير نظامه..عندها يفترض ان تكون الكلمة النهائية لروسيا التي لم تصدر حتى الان ولن تصدر في إجتماع فيينا الاول، ولا الثاني او الثالث..على ما تفيد تجربة المدينة النمساوية مع المفاوضات النووية الايرانية الماراتونية.