مناف الحمد

ردًا على مقالة جهاد الزين في النهار بتاريخ 6 أيلول 2018 بعنوان:

ملاحظات على مقابلة رياض الترك: جيل معارض بكامله أفلس في سوريا

لا تحتاج أن تكلف نفسك مؤونة كبيرة لكي تستكشف أسباب محاولة البعض تفكيك خطاب رياض الترك تفكيكًا انتقائيًا قائمًا على عدة ناقصة في تحليل الخطاب السياسي، وبالانطلاق من مسبّقات تصادر على المطلوب.

في نقد جهاد الزين مثلًا لا تفلح البداية التي يحاول أن يخصف بها قشرة إنسانية على سوءة نقده عندما يبدي تعاطفًا واضح التكلف مع لقاء الترك بابنتيه.

وهي لا تفلح؛ لأنها شبيهة إلى حد ما بتعاطف أسماء الأسد مع أمهات الشهداء، بينما يأمر زوجها بالتنكيل بالمعتقلين ويقتل الأطفال والشيوخ في سورية بالسلاح الكيماوي..

على عكس ما يؤكد الكاتب لم يربط الترك ربطًا سببيًا بين العسكرة والأسلمة، ففي هذا الادعاء بالتسبيب نزع لكلام الترك من سياقه؛ لأنه قبل أن يتحدث عن تعاقب بينهما كان قد وصف ما جرى من “تقدم  كثيرين إلى الساحة تحت مسميات إسلامية”، الفرق كبير بين الأمرين هذا فضلًا عن أن التعاقب شيء والتسبيب شيءآخر.

وتلمح في أسلوب الكاتب مستبدًا صغيرًا اعتدنا على مصادفته لدى من استمرؤوا الذل في خدمة المستبدين، ومثال ذلك تعريفه للعسكرة تعريفًا يحاول أن يفرضه فرضًا على أنها تسليم الحدود للقوى الإقليمية والدولية التي اجتاحت الداخل.

وهو تعريف لا جامع ولا مانع، فضلًا عن أنه تعريف للظاهرة بنتيجة من نتائجها بطريقة تفتقر إلى أدنى حدود النزاهة في مقاربة الظاهرة، هذا إذا سلمنا جدلًا أن وصفه لهذه النتيجة وصف دقيق.

وفي تنكر قبيح لنضال ثائرين سوريين عديدين يجعل الكاتب رياض الترك ورزان ورفاقها استثناء علمانيًا وحيدًا مقاتلًا على الأرض، وهو جهل أو تغافل عن نسبة لا يستهان بها من الشباب العلمانيين الذين قتلوا في المظاهرات، و الذين لقوا حتفهم في أقبية الجريمة الأسدية، هذا إذا لم نذكر رفاق الترك من قيادة الحزب التي لا يزال أكثرها في الداخل السوري.

وإذا فرضنا قدرًا كبيرًا من الغفلة على أنفسنا تجعلنا نصدق أن  الكاتب لم يسمع بفايق المير القيادي في حزب الشعب، والذي لا يزال في غياهب المعتقلات إلى اليوم ولا يدرى ما مصيره، وأنه لم يسمع بعبد العزيز الخير وخليل معتوق وإياس عياش وغيرهم من مئات الناشطين والمعارضين العلمانيين.

وفي عظمة متكلفة تكشف النقص الذي يعانيه  المستبدون الصغار يحدد الكاتب لرياض الترك ما يحق له وما لا يحق:

“فلرياض الترك الحق في التمسك بسورية ديمقراطية ولكن ليس من حقه ألا يعلن عن عدم الصلاحية المطلقة للإسلام السياسي”، ولن نناقش الخلط  غير العلمي في وضع الإسلام السياسي بكل تياراته في كفة واحدة، ولكننا نعترض على ممارسة الكاتب المضحكة لوهب الحقوق ومنعها.

يمكن النقاش في ما يقوله البعض عن سمات للحرب الأهلية اتخذتها الثورة السورية بعد تطاول زمنها وتعقد أحداثها، ولكن لا يمكن قبول وصفها وصفًا حاسمًا لا يقبل الجدل بأنها حرب أهلية، ومن دون توضيح لأسس وصفها بهذا الوصف الذي هو محلّ أخذ ورد، فهذا موقف يفتقر إلى الحد الأدنى من المنهجية.

ولعل الكاتب الذي يضحكه رأي الترك عن عدم وجود دعم غربي للثورة السورية يعبر بجرأة مستهجنة عن تغييب لفروق عديدة منها:

الأول: الفرق بين دعم غربي لم يكن موجودًا لتحقيق أدنى توازن بين شعب يذبح -وقد دفع إلى التسلح لأسباب عدة على رأسها عنف النظام، ومن ضمنها إطلاقه سراح المتشددين الإسلاميين من سجونه ليصبغوا ثورة السوريين بصبغة أخرى- وبين نظام يقتل هذا الشعب بكل أصناف الأسلحة.

والثاني: الفرق بين شرعية طلب البعض ممن يذبحون هم وأبناؤهم النجدة، وبين شرعية استجلاب النظام حلفاءه بعدتهم وعديدهم ليساعدوه في البقاء قابعًا  على قلوب السوريين.

وهو تدخل عسكري كان للترك موقفه المتميز منه على عكس ما يحاول الكاتب الإيحاء به من أنه موقف استعداء الغرب على البلاد، وهو لم يكن موقفًا من التدخل غير مشروط، وهو ما عبر عنه معارض من رفاق الترك في اجتماع مبكر من اجتماعات المعارضة في اسطنبول.

لو عاد الكاتب كما يطالب في نهاية مقاله إلى التاريخ القريب لوجد أن السلطوية الأسدية ذات سمة صلبة لا تقارن بها سلطوية من قبلها، وقد اتخذت هذه السمة بالاستفادة من تجارب البعث قبلها ومن تجربة الوحدة التي كانت سلطوية رخوة أدرك الأسد الأب انها لا تكفل له تثبيت أركان حكمه، ولا بقاءه أطول فترة ممكنة.

ولا يمكن تفكيك خطاب الترك الذي واجه هذه السلطوية المستبدة على مدى عقود من دون ربطه بتاريخ صراعه معها، ومن دون القبض على الأركان الأساسية لموقفه التي يبدو أن الكاتب يجهلها جهلًا مطبقًا وهي أركان بدأ الترك بترسيخها منذ عقود عندما انشق عن بكداش ودفع هو ورفاقه ثمنًا باهظًا في معارضتهم لحكم الأسد الأب والابن قبل الثورة وخلالها، ثم ارتسمت معالمها الجديدة في انتهاج  التحول نحو الديمقراطية.

وهي أركان وتحولات تجعل من مقارنة حكم المعارضين إذا حصل بحكم الأسد مقارنة متحاملة و ظالمة.

خطاب الترك موقف نقدي له ما بعده؛ لأنه يطالب بإجراء المراجعات النقدية، وليس مطلوبًا من لقاء صحفي أن يشمل كل ما يمكن قوله، ونقد جهاد الزين نقد اختزالي وسطحي وقاصر، فضلًا عن أنه يفتقر إلى أبسط حدود الإنصاف، ولا عجب في ذلك فهذه حال من يتغنى بالديموقراطية عندما لا تقلق من يحظون بإعجابه من المستبدين، ويناصب المناضلين لأجلها العداء عندما يقضون مضاجعهم.

https://newspaper.annahar.com/article/858769-%D8%B1%D8%AF%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D9%86-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%B6