TOPSHOT - Syrian soldiers inspect the wreckage of a building described as part of the Scientific Studies and Research Centre (SSRC) compound in the Barzeh district, north of Damascus, during a press tour organised by the Syrian information ministry, on April 14, 2018. The United States, Britain and France launched strikes against Syrian President Bashar al-Assad's regime early on April 14 in response to an alleged chemical weapons attack after mulling military action for nearly a week. Syrian state news agency SANA reported several missiles hit a research centre in Barzeh, north of Damascus, "destroying a building that included scientific labs and a training centre". / AFP PHOTO / LOUAI BESHARA

موسكو، لندن، الرياض – نيويورك – «الحياة»، سامر إلياس

وسط عاصفة من التصريحات تفاوتت بين الشجب والترحيب، وضَع إطلاق أكثر من 100 صاروخ غربي على مواقع سورية فجر أمس حداً لتكهنات كثيرة حول طبيعة رد واشنطن وباريس ولندن على الهجوم الكيماوي في دوما، في وقت أفسحت الضربة أمام دعوات إلى حل سياسي للأزمة السورية، علماً أن الهجوم لم يسفر عن قتلى ولا مفاجآت. ترافق ذلك مع إحباط مجلس الأمن أمس مشروع قرار روسياً يندد بـ «العدوان» الغربي، في وقت أكدت السفيرة الأميركية نيكي هايلي الاستعداد لاستهداف «النظام السوري» مجدداً في حال تكراره استخدام السلاح الكيماوي. وعلى الأرض، عادت الحياة إلى طبيعتها في دمشق والمدن الأخرى بعد ليلة صاخبة لم تشهد سقوط أي ضحية(راجع ص2 و3).

وخرج معظم الأطراف راضياً بعد الضربة، فالنظام السوري أثبت تماسكه في وجه «عدوان ثلاثي غاشم»، والأسلحة السوفياتية القديمة استطاعت، وفق موسكو، إسقاط أو حرف أكثر من ثلثيْ صواريخ « ذكية» توعّد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من دون الحاجة إلى استخدام منظومات «إس 300» و»إس 400» في قاعدة حميميم. في المقابل، أشاد ترامب بضربات «نُفذت بإحكام»، ليعلن أن «المهمة أُنجزت». وأيدته في ذلك غاليبة الدول الأوروبية.

وفي ما بدا أنه توجه نحو الخيار السياسي بعد الضربة، أعلنت فرنسا أنها «تريد العمل منذ الآن» لإحياء العملية السياسية في سورية، مفسحة في المجال أمام توقعات حول طبيعة الحراك، وفيما إذا ما كانت مرحلة ما بعد استخدام الكيماوي كما قبلها. وأيدت ألمانيا الضربة، إلا أنها دعت إلى إحياء عملية السلام وفِعل كل شيء في هذا السبيل. وعارضت الصين الضربة، واعتبرت أنها تعقّد حل الأزمة، معربة عن تأييدها الحل السياسي والحوار. وأكدت روسيا أن الهجوم يضر بمحادثات السلام في سورية.

وقال ترامب في خطاب قصير إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى «وجود لأجل غير مسمى في سورية بأي حال»، في إشارة واضحة إلى تصريحات أعلن فيها نيته الانسحاب من سورية. وأوضح أن «الهدف من تحركاتنا الليلة هو ترسيخ ردع قوي ضد إنتاج أسلحة كيماوية ونشرها واستخدامها». وقال وزير دفاعه جيمس ماتيس إن أكثر من 100 صاروخ أُطلقت من سفن وطائرات استهدفت منشآت الأسلحة الكيماوية الرئيسة الثلاث في سورية، واصفاً الضربات بأنها «ضربة واحدة فقط».

ودان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «بأقصى درجات الحزم الهجوم على سورية حيث يساعد عسكريون روس الحكومة الشرعية في مكافحة الإرهاب»، مشيراً في بيان نشره موقع الكرملين إلى أن الضربات الغربية نُفذت «من دون موافقة مجلس الأمن، وهي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة ومعايير ومبادئ القانون الدولي»، وتشكل «عملاً عدوانياً ضد دولة سيادية تقف في طليعة (الدول) المكافحة للإرهاب»، واعتبر أن الغربيين أظهروا «ازدراء وقحاً» لمنظّمة حظر الأسلحة الكيماوية التي بدأت أمس تحقيقها في دوما، بتنفيذهم «عملية عسكرية من دون انتظار نتائج التحقيق». وقالت وزارة الخارجية إن سورية التي قاومت لسنوات «عدواناً إرهابياً» استُهدفت بالعملية العسكرية الغربية بينما كانت لديها «فرصة لمستقبل سلمي».

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الطيران الفرنسي لم يشارك في الضربة، وأشار رئيس العمليات الفريق سيرغي رودسكوي إلى «اعتراض 71 صاروخاً مجنحاً»، و «منظومات الدفاع الجوي السورية، ومعظمها منظومات الصنع السوفياتي، تصدّت للضربات بنجاح». وأوضح أنه تم استخدام منظومات «إس-125» و «إس-200» و «بوك» و «كفادرات» و «أوسا»، ما يشير إلى «فاعلية عالية للسلاح السوري والخبرة الكبيرة للعسكريين السوريين الذين تم تدريبهم على يد خبراء روس». ونفى تضرر المطارات المستهدفة، مؤكداً أن الدفاعات الأرضية أسقطت جميع الصواريخ التي أطلقت نحوها، كما شدد على «عدم وجود أي مؤسسات لإنتاج السلاح الكيماوي في سورية بشهادة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية». ولم يستبعد أن «تعيد روسيا النظر في مسألة تزويد سورية ودول أخرى بمنظومة إس-300».

وشدّد وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في بيان مشترك مع وزير الدفاع فلورنس بارلي، على ضرورة «التوصل إلى خطة لإنهاء الأزمة بحل سياسي، ونحن مستعدون للعمل عليها الآن مع كل الدول التي يمكنها المساهمة فيها». وكشف أن لدى فرنسا «أولويتين، مكافحة الجماعات الجهادية، خصوصاً داعش، والعودة إلى الاستقرار الذي يتطلب حلاً سياسياً». وكشف أن فرنسا ترغب في «استئناف المبادرات السياسية» للتوصل إلى «تفكيك البرنامج الكيماوي السوري بطريقة يمكن التحقق منها ولا رجعة فيها»، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن حول وقف النار ووصول المساعدات الإنسانية إلى السكان.

وأكّد حلف شمال الأطلسي (ناتو) «دعمه الضربات» التي قال أمينه العام ينس ستولتنبرغ إنها «ستقلّص قدرة النظام على شنّ هجمات أخرى على الشعب السوري بأسلحة كيماوية». وأكدت بريطانيا بعد الهجوم الصاروخي أن الغرب لا يسعى إلى تغيير النظام السوري.

وأعربت الرياض أمس عن تأييدها الضربات على سورية، واعتبر مسؤول في وزارة الخارجية أنها جاءت رداً على هجمات النظام السوري ضد المدنيين الأبرياء. وحمّل النظام السوري مسؤولية تعرض سورية لهذه العمليات العسكرية، في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ الإجراءات الصارمة ضده.

وفي اتصال مع نظيره الإيراني حسن روحاني، أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن «هذا العدوان لن يزيد سورية والشعب السوري إلا تصميماً على الاستمرار في محاربة وسحق الإرهاب».

وعبّرت أوساط في المعارضة السورية عن امتعاض من تأكيد فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة أن الضربة لا تهدف إلى إطاحة النظام السوري، وأن القصف الصاروخي «انتهى ولن يكون هناك قصف آخر»، وأن الضربة تمنح النظام تفويضاً لاستمرار قتل السوريين بأي وسيلة باستثناء الكيماوي، ما يشجعه على تكرار تجارب حلب والغوطة.

وفي نيويورك، أحبط مجلس الأمن مشروع قرار أعدّته روسيا للتنديد «بالعدوان على الجمهورية العربية السورية من الولايات المتحدة وحلفائها انتهاكاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة». ولم ينل مشروع القانون سوى تأييد روسيا والصين وبوليفيا، فيما عارضته ثماني دول، وامتنعت أربع عن التصويت. ولكي يصدر قرار في مجلس الأمن، يتعين أن يحصل على تأييد تسعة أعضاء من دون استخدام حق النقض (الفيتو) من الدول الدائمة العضوية، وهي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

ويندّد مشروع القرار بـ «العدوان ضد سورية الذي قامت به الولايات المتحدة وحلفاؤها في انتهاك للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة»، ويطلب من هذه الدول أن «توقف فوراً ومن دون أي تأخير العدوان، وأن تمتنع عن أي استخدام إضافي للقوة في خرق للقانون الدولي». ويعرب عن «الجزع نتيجة العدوان، والقلق البالغ حياله في وقت بدأت بعثة تقصّي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية عملها لجمع الأدلة عن الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية في دوما»، كما يدعو إلى «تأمين كل الظروف الضرورية لاستكمال هذه التحقيقات».

وقبل التصويت، قالت هايلي في كلمة إن روسيا دعت إلى الجلسة أمس على رغم أنها «منعت المجلس من التحرك ٦ مرات» لاتخاذ موقف ضدّ استخدام السلاح الكيماوي في سورية عبر السبل الديبلوماسية. وحمّلت مسؤولية التصعيد إلى روسيا التي «فشلت في الحفاظ على تعهد بوتين» نزع الترسانة الكيماوية السورية، و «أمنت الحماية لنظام الأسد». وأوضحت أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا «تصرّفت ليس بهدف استعراض القوة بل لردع النظام السوري مجدداً»، معتبرة أن «حملة التضليل الإعلامية الروسية التي انطلقت صباح أمس لن تغيّر الواقع بأن الأسد استهدف شعبه والأطفال بالغازات السامة». وقالت إن على مجلس الأمن تجاوز «الفشل» في المرحلة المقبلة، والتحرك «للدفاع عن القانون الدولي» ضد استخدام الأسلحة الكيماوية «بسبب روسيا».

في المقابل، قال السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا إن «العدوان ضد دولة سيدة… مخالف للقانون الدولي لأنه تمّ من دون تفويض من مجلس الأمن»، معتبراً أنه «هجوم مشابه لما يقوم به الإرهابيون، ويهدف إلى مواصلة محاولات تغيير النظام» في سورية. وقال إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا «إنما تقوّض سلطة مجلس الأمن» من خلال التحرك العسكري المنفرد، و «من الواضح أنها تبرر تصرفاتها في سورية بهدف تقسيم البلاد، وتقويض العملية التي ترعاها الأمم المتحدة».