نص التقرير

في ربيع عام 2012، عبرت مئات من عناصر الميليشيات الإسلامية الحدود من العراق إلى شرق سوريا تحت أعين الجهاز الأمني المشدّد لنظام الأسد. وعند وصولهم، تلقت أجهزة المخابرات السورية مجموعتين من التعليمات.

كانت إحدى هاتين المجموعتين تعليمات مكتوبة، وتضمّنت أسماء ومعلومات عن الجهاديين، مرفق معها تعليمات تأمر باعتقالهم وقتلهم.

لكن هذا لم يكن إلا تمويهاً. وبينما وزّع النظام مجموعةً من التعليمات يأمر فيها بقتل هؤلاء الجهاديين، أرسل النظام سراً مبعوثين رسميين برسالة مغايرة.

قال محمود النصر، وهو مسؤول سابق بالمخابرات شمال سوريا انشقّ في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، إنَّ هؤلاء المبعوثين “أتوا من مقر القيادة، وعقدوا اجتماعات خاصة بجهاز المخابرات، وأمرونا بالابتعاد عنهم وعدم لمسهم”.

وقال النصر إنَّ الجهاديين قدموا إلى سوريا في مجموعاتٍ من 3 أشخاص، وأحياناً 5، ثم أصبحوا مئات. وأضاف قائلاً: “وصلوا إلى سوريا ثم بدأ كل منهم بإحضار أصدقائه”. انضم أغلب هؤلاء الجهاديين إلى جبهة النصرة، وهي جماعة أعلنت انتماءها للقاعدة في أبريل/نيسان عام 2013، وانقسمت بعدها إلى مجموعتين، جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). بينما انضم بعض الجهاديين المتسللين إلى سوريا لتنظيم أحرار الشام، وهي جماعة إسلامية ثالثة أكثر اعتدالاً.

تسلّط هذه التعليمات المتناقضة الضوء على العلاقة الخفيّة بين نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). إذ يزعم الأسد أن المعارضة السياسية المحلية ضده تتكون بأكملها من الإرهابيين العازمين على تدمير الدولة السورية، ويناشد بانتظام المجتمع الدولي طالباً المساعدة في حربه ضد الإرهاب. لكن النظام السوري في الحقيقة سهّل صعود وتوسّع الجماعة الإرهابية الحقيقية في سوريا: تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

لكن هذا التحقيق الذي استمر عامين يكشف صورةً أكثر تعقيداً، إذ يبدو أن نظام الأسد قد نفَّذ عملياتٍ بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بينما حاربه في مراتٍ أخرى، ما كبَّده خسائر فادحة.

وقال مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، في مقابلةٍ حديثة مع صحيفة “ديلي بيست” الأميركية إنَّه “أحياناً هم حلفاء، وفي أوقاتٍ أخرى هم أعداء. أحياناً يتعاونون معاً، وأحياناً يقاتلون بعضهم البعض. إذاً ما هو النمط المتّبع؟ الله وحده يعلم”.

 

علاقة طويلة المدى

 

ما أصبح واضحاً هو أن علاقةً طويلة المدى تربط بين نظام الأسد والدولة الإسلامية، يعود تاريخها لحرب العراق، عندما ساعدت سوريا آلاف المتطوعين على دخول العراق عبر حدودها لمحاربة الاحتلال الأميركي. سجن النظام السوري أكثر من 1000 جهاديّ عقب عودتهم من العراق، لتطلق سراحهم مرة أخرى عام 2011 أثناء قيام السوريين بثورة ضد النظام، كثير من هؤلاء أصبحوا اليوم قادة في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

كانت الخطة العامة هي تسهيل تحركات الجهاديين، مع الحفاظ على قدرٍ كافٍ من الاشتباكات تسمح للنظام بادعاء محاربته لهم.

وعقب وصولهم عام 2012، أدار النظام وجهه عن استيلاء المتطرفين على قواعد حكومية. كما سمح لقوافل الجهاديين بالعبور ذهاباً وإياباً بين سوريا والعراق، ولم يحرّك ساكناً لمنع التنظيم من إرسال أسلحة إلى العراق، وهو ما ساعد التنظيم بالعراق في الاستيلاء على الموصل في يونيو/حزيران عام 2014.

والآن، يقصف النظام السوري قرى خاضعة لحكم التنظيم ببراميل متفجّرة، لكنها تستهدف المدنيين عادةً. بينما يسود الهدوء على خط الجبهة بين الطرفين.

وقالت كارين فون هيبل، وهي مسؤولة سابقة بوزارة الخارجية الأميركية كانت تعمل على القضية السورية لست سنوات حتى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، إنَّه “عموماً، كان النظام السوري يتجاهل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.

وأضافت: “ستجد صعوبةً في إيجاد حوادث لهجوم النظام على التنظيم، والهجمات المتفرقة التي نفّذها النظام استهدفت المدنيين أكثر من مقاتلي التنظيم”.

وكانت فان هيبل، التي تدير الآن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث يقع بمدينة لندن، تستخدم اسماً بديلاً لتنظيم الدولة الإسلامية، إذ كانت تسميه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIL) بدلاً من الاسم الشائع الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (ISIS).

وذهب وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمدى أبعد، عندما قال في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إنَّ الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أطلق سراح 1500 سجين من الجهاديين، هو من أوجد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومعه رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي، الذي أطلق سراح 1000 آخرين.

وقال كيري عقب هجمات باريس الإرهابية إنَّ الأسد أراد بهذا أن يقول “إما أنا أو الإرهابيين”.

وفي مارس/آذار، وجّه النظام السوري اهتمامه تجاه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتمكن بمساعدة القصف الجوي الروسي الذي استمر أسابيع، والمساعدة الوفيرة التي قدمتها ميليشيات حزب الله اللبنانية، من استعادة السيطرة على مدينة تدمر.

ومع ذلك، هناك العديد من الأمثلة على حوادثٍ سهّل فيها النظام استيلاء المتطرفين على مناطق خاضعة لسيطرة قوات الثوار. ولعب مسؤولون بحكومة العراق، التي يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحلفاؤه السنيون على ما يقترب من ثلث مساحتها، دوراً أساسياً لصالح الأسد في صعود التنظيم بسوريا.

قال سعيد الجياشي، الذي كان آنذاك عضواً في جهاز الأمن الوطني العراقي، إنَّ الأسد “ساعد في إنشاء الطريق الذي استخدمه الإرهابيون من كل أنحاء العالم للقدوم عبر سوريا لمحاربة الأميركيين في العراق”. وكان الجياشي يشير إلى فترةٍ ترجع لعشرة أعوام، توافد فيها متطوعون جهاديون أجانب على العراق لقتال القوات الأميركية. وأضاف قائلاً “لاحقاً استُخدمت نفس الطرق لجلب الإرهابيين إلى سوريا”.

وأكد: “أومن شخصياً بأن هناك مستوى من التنسيق بين الطرفين”، ومع ذلك اعترف بأنه لا يعرف كيف نُفذ ذلك المخطط.

 

الخطوة الأولى في الصعود

 

كانت الخطوة الأولى في صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، عندما أرسل أبوبكر البغدادي، الذي كان قائد تنظيم القاعدة في العراق آنذاك، محمد الجولاني، أحد قادة الميليشيات، إلى سوريا لتشكيل جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا.

ثم في ربيع عام 2012، بدأ وصول الجهاديين إلى سوريا، وقال نبيل دينال، وهو سوري من شرق سوريا انشق عن الحكومة في يونيو/حزيران عام 2012، إنَّ النظام “علم بوصول الجهاديين، وعلم بتواجدهم في المناطق الريفية، وأنهم يتحركون عبر القرى، لكنه لم يستهدفهم”.

وقال النصر، مسؤول المخابرات السابق من شمال شرق سوريا، إنَّه “في بعض الحالات، كنّا نقدّم اسماً لأحد رؤسائنا في القيادة، ونقول إنَّ هذا الشخص موجود داخل مناطقنا. لكنني لم أكن أتلقى أية أوامر من القيادة لمراقبته. ولم يكن النظام يوفر أية معلومات أكثر عن هذا الشخص”.

تعرّف زعماء القبائل في المناطق الحدودية على المقاتلين العائدين إلى سوريا، بحسب سلمان شيخ، المدير السابق لمركز أبحاث بروكينغز في قطر، الذي اجتمع مع شخصيات سورية بارزة بانتظام لرسم صورة واضحة لمستقبل البلاد. وقال: “كانوا قد رأوا هؤلاء الأشخاص يعبرون خارج الحدود بين عامي 2003 و2005، والآن رأوهم بأم أعينهم مرة أخرى، ورأوا أنهم لم يعودوا فحسب، بل قوبلت عودتهم بشيءٍ من الترحاب. ولم يتصدى لهم أحدٌ من الحكومة”.

وفي أواخر عام 2012، عندما صنّفت الولايات المتحدة جبهة النصرة كمنظمة إرهابية، كانت قد تحوّلت إلى قوة مقاتلة فعّالة ضد النظام.

وأعلن البغدادي تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أبريل/نيسان عام 2013، لكن الجولاني، الذي تمتع بدعمٍ شعبي محلي نتيجة معارضته للنظام، رفض وقف نشاط جبهة النصرة. ووُلدت عداوة مريرة بين الجماعتين.

وبعد وقتٍ قليل، بدأ البغدادي بإحكام سلطته على شرق وشمال سوريا. وفي مايو/أيار من نفس العام، استولى على الرقة من سيطرة قوات جبهة النصرة، وبدأ بالاستيلاء على مدن شمال سوريا من الثوار المعتدلين المدعومين من قبل أميركا. توسّع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سريعاً بفتح أبوابه أمام المتطوعين من الجماعات الإسلامية أقل تطرفاً، والمتطوعين من خارج البلاد، وذلك لتعزيز أعداد قواته.

 

دولة داخل الدولة

 

مر التنظيم بمواجهات قليلة، إن وُجدَت، مع الجيش السوري، الذي استمر بإدارة قاعدة عسكرية كبرى خارج الرقة. حتى بعد أن رفع التنظيم أعلاماً سوداء ضخمة على مقار حكومية سورية، وجعل الرقة عاصمة لدولته الإسلامية المزعومة، وأعلن سيادته على المنطقة، لم تستهدف طائرة سورية واحدة أياً من تلك المواقع.

ومن داخل مقره في الرقة، أدار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نفسه كدولة داخل دولة. قدّمت لمواطنيها أكثر نسخ القانون تطرفاً، ونفّذت مجموعة من الإعدامات العلنية، واضطهدت السكان المسيحيين حتى فرّوا منها. وفي تطوّرٍ مشؤوم أرسل التنظيم أسلحة ومقاتلين ومؤونة لقواته في مناطق أخرى في سوريا، ومن وإلى العراق، بينما وقف الجيش السوري مراقباً فحسب لما يجري.

وبينما استمر التنظيم في إحكام سيطرته على شمال سوريا، أعلن شنّ هجوم عسكري ضد الثوار المدعومين من قبل الغرب، الذي سماه باسم عملية “نفي الخبث”. واستولى التنظيم على المعبر الحدودي الرئيسي الذي اعتمد عليه الثوار للحصول على إمدادات الغرب والخليج من الأسلحة والمعدات، وهاجم قواعد ونقاط تفتيش الثوار، واختطف مراسلين سوريين وأجانب ليطلق سراحهم مقابل فدية. واغتال التنظيم أيضاً بعض القيادات بقوات الثوار، واختطف آخرين، ثم قدّمهم للمحاكمة وأعدمهم علنياً.

 

استسلام وانسحاب الجيش السوري

 

عندما انضم أبو خليل، حارس الأمن السابق بجامعة حلب، والذي كان يبلغ حينها من العمر 26 عاماً، إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أواخر ربيع 2013، كان يأمل أن تكون أسلحة التنظيم، وأمواله، وقوته العددية قد جعلته خصماً أقوى لحكومة الرئيس بشار الأسد من أحرار الشام، وهي الجماعة الإسلامية السورية التي كان ينتمي إليها سابقًا.

قضى أبو خليل شهراً واحداً من التدريب الأساسي بالتنظيم، وكان يرتدى حزاماً ناسفاً محمّلاً بمادة “تي إن تي” المتفجرة عندما شارك في معارك الاستيلاء على قواعد الحكومة السورية العسكرية. لكنه رفض مبايعة الأمير المحلي للتنظيم وأبو بكر البغدادي، وتقديم ولائه الأبدي لهما.

وأضاف أبو خليل، المقاتل السابق في سوريا، والذي طلب أن يُعرَّف بلقب “أبو خليل” بغرض الحماية، “بقيت معهم لمدة 6 أشهر، لكني لم أفهم شيئاً عنهم. لم أفهم أهدافهم ومطالبهم السياسية. وبالنسبة للبغدادي، لم أكن أعرفه، إذاً كيف أبايعه؟”.

حيّرت أبو خليل، الذي أجريت معه المقابلة في ديسمبر/كانون الأول عام 2014 في شقة صديق بمدينة الريحانية جنوبي تركيا، السهولة التي استولت بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على القواعد العسكرية. قال: “أحياناً كنت أشعر بأن الجيش السوري كان يستسلم وينسحب بلا قتال. هل كانوا خائفين من القاعدة لأن مقاتلي القاعدة يرتدون أحزمة ناسفة؟ أم كان هناك تعاون بينها وبين النظام؟ لم أجد إجابة لسؤالي. ويظل هو السؤال الأهم حتى الآن”.

كان ثلثا مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أجنبيين، طبقاً لكلام أبي خليل، الذي قال إنَّه كان تحت قيادة أمير تونسي مع مقاتلين من الشيشان، وإسبانيا، وألمانيا، وتركيا، والأردن، والعراق، والخليج، وشمال إفريقيا. وكانت التعليمات في المعسكر الذي تدرّب فيه تُلقَى باللغة الإنكليزية، لكنها كانت تُترجّم إلى اللغة العربية.

وقال إنَّهم “كانوا إذا رأوا شخصاً يدخّن سيجارة أو لحيته قصيرة، يقولون إنَّه كافر ويهدّدونه بقطع رأسه”. ووصف أمير التنظيم جبهة النصرة، وهي الجماعة التي كانوا قد انفصلوا عنها مؤخراً، بالمرتدين، ومنع الاتصال بعناصرها.

في سبيل جذب المقاتلين الأجانب، كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يقدم فوائد مادية للمنضمين، منها مرتّب شهري، والأهم، زوجة. وقال أبو خليل: “يأتي المقاتلون ويتزوجون مباشرة. ثم يشترون سيارات يحصلون عليها بأسعار زهيدة”.

وقال إن التنظيم كان يدفع مهر الزوجة السورية للمقاتل، والذي يكون عادةً بحدود 1000 دولار، لكنه يعطيهم أكثر من ذلك، بمقدار يصل إلى 4000 دولار، وقال إنَّ القيادة كانت تقدّم لهم الدعم والأموال، لكنها كانت تستثني مقاتليها السوريين من هذا الرخاء، وهو أحد أسباب انفصال الكثير من السوريين عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكان بينهم أبو خليل، الذي ترك التنظيم في سبتمبر/أيلول عام 2013.

كان أحد أكبر ألغاز ذلك الوقت هو كيف تخلَّص التنظيم في الأسلحة التي كان يستولي عليها. قال أبو خليل عن ذلك “عندما كنا نحصل على غنائم من القواعد العسكرية، لم نكن نراها بعدها أبداً”. ولاحقاً علم أبو خليل أن معظم الأسلحة التي استولى عليها التنظيم أُرسِلت إلى العراق.

 

مدينة الباب

 

إحدى الأمثلة المبكِّرة على دعم نظام الأسد لتوسُّع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من خلال القوة العسكرية كان في مدينة الباب، التي تقع شمال حلب، واستولى عليها التنظيم في سبتمبر/أيلول عام 2013.

قال عصام آل نايف، والذي كان حينها يقاتل ضمن صفوف كتائب لواء التوحيد التابع للجيش السوري الحر، ويعيش الآن في مدينة نيزيب جنوب تركيا، عن سقوط المدينة في يد التنظيم “كان لدينا 500 مقاتل بالمنطقة، واحتجنا إلى الدعم في مدينة الباب”.

أرسل بعدها الثوار تعزيزاتٍ من مدينة منبج القريبة، وأرسل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أيضاً قافلةً من منطقة كويرس، والقريبة من إحدى القواعد الحكومية في الغرب. وأضاف عصام: “تمكننا من اعتراض مكالمةٍ لاسلكية تأمر القوات الجوية بقصف القافلة القادمة من منبج”.

قُتِلَ في هذا القصف 25 مقاتلاً من قوات الثوار. لكن قافلة التنظيم استمرت نحو المدينة بلا أية مقاومة، وهجر الثوار حينها مدينة الباب. (تمكنت القوات الكردية السورية، مدعومةً من قبل الهجمات الجوية الأميركية، وقوة كونتها أميركا من القبائل العربية بالمنطقة، مؤخراً من طرد التنظيم من مدينة منبج).

وفي أواخر عام 2013، كان العديد من السوريين الذين يقاتلون ضمن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مقتنعين بأن التنظيم يتعاون مع حكومة الأسد. وفي مقطعٍ مصور طويل نُشِرَ على موقع “يوتيوب” في مارس/آذار 2014، رياض عيد، أحد المقاتلين السابقين ضمن صفوف التنظيم، الذي ذكر في المقطع أنه من مدينة مارع في محافظة حلب، استشهد بعدة حالات وقفت فيها قوات التنظيم تشاهد قوات النظام السوري وهي تستولي على مدينة تلو الأخرى من قوات المعارضة المعتدلة.

وقال عيد، الذي لم يمكن التواصل معه لاختبائه حالياً، إنَّه كان كلما يحث زملائه في التنظيم على قتال قوات النظام، كان الرد يأتيه بالرفض، ويقولون له: “لا، لا يا شيخ. هناك ما يكفي من المجاهدين لقتالهم. هناك جبهة النصرة، وهي كافية لخوض هذا القتال”.

وأضاف أنَّه عندما كانت مدينة السفيرة، إحدى المدن الكبرى في جنوب حلب، على وشك السقوط في أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، كان مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذين كان يبلغ عددهم 500 مقاتل، يشاهدون من بعيد ولا يفعلون شيئاً. وعندما أرسل لواء التوحيد، وهو جزء من تكتل الجبهة الإسلامية، بعض التعزيزات إلى المدينة، منعها التنظيم من الوصول. وقال عيد: “عندما سألت عن سبب ذلك، قالوا إنَّ طلب المساعدة من المرتدين أمر محظور”.

أدى استيلاء قوات النظام على المدينة إلى نزوح سكانها، الذين كان يبلغ عددهم حوالي 130 ألف شخص، وذلك طبقاً لمنظمة “أطباء بلا حدود”. وتمكن النظام نتيجة لسيطرته على المدينة من التحكم بشكلٍ كامل في مصانع الأسلحة بها، التي بدأت بعدها بفترةٍ قصيرة في إنتاج البراميل المتفجرة، والتي استخدمها النظام لقصف حلب خلال عام 2014.

كما سقطت معظم محافظة الحسكة شمال شرق سوريا في يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في فبراير/شباط ومارس/آذار عام 2014، وذلك بعد أن أرسل التنظيم قواته في قافلةٍ تكونت من 300 مركبة من بلدة الشدادي، وهي القافلة التي لم تتعرض لها الطائرات السورية الحربية، طبقاً لنصر، المسؤول السابق بالاستخبارات.

 

مواجهات مباشرة

 

كانت المواجهات المباشرة بين قوات التنظيم وقوات الأسد نادرة نسبياً. وفي يوليو/تموز 2014، بدأت القوات الجوية التابعة لنظام الأسد في قصف بعض المنشآت التابعة للتنظيم، وفي الشهر التالي، اجتاح التنظيم آخر القواعد العسكرية التي يسيطر عليها النظام السوري خارج مدينة الرقة، وأعدم مئات الجنود السوريين.

بعض الأدلة على التواطؤ بين النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هي أدلة ظرفية، مبنية على فشل الأسد في مواجهة توسُّع جبهة النصرة ومن بعدها تنظيم الدولة الإسلامية. وبعض هذه الأدلة يستند إلى معلومات استخباراتية.

إذ قال أحد المسؤولين الأتراك رفيعي المستوى في لقاءٍ بمدينة أنقرة إنه تمكن من اعتراض مكالمة لاسلكية يخبر فيها أحد القادة العسكريين السوريين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بضرورة إخلاء إحدى المناطق قبل السادسة صباحاً، وذلك لأن القصف الجوي على المنطقة سيبدأ في هذا الوقت. وفي مكالمةٍ أخرى تم اعتراضها أيضاً، كان أحد القادة بالنظام يقترح مكافأة التنظيم على تعاونه مع النظام.

وقال المسؤول التركي إنَّه “إن نظرت إلى الطريقة التي تسير بها الأمور، لم يقم النظام السوري أبداً بقصف أية منطقة يتحكم بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كانوا يقصفون المناطق دائماً بعد رحيل مقاتلي التنظيم، أو قبل بداية هجوم قوات التنظيم على المنطقة”.

 

“شراكة خلف الكواليس”

 

وعلق أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي السابق، مبكراً هذا العام على فكرة التعاون بين النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قائلاً إنَّ “هناك شراكةٌ تجري خلف الكواليس بين النظام السوري وبين التنظيم”.

وقد ثبتت صحة هذا التعليق الذي أدلى به داود أوغلو على أرض المعركة.

عندما قصفت قوات النظام السوري مدينة الرقة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، أغفلت في قصفها كل الأهداف العسكرية الكبرى التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقتلت بدلاً من ذلك عشرات المدنيين، وذلك طبقاً للمراقبين المعارضين للحكومة السورية. وعندما هاجمت قوات التنظيم القواعد العسكرية التابعة للنظام السوري، وأعدمت القوات التي أسرتها، كانت قوات الأسد بطيئةً في الرد على هذه الهجمات، وكانت هجماتها غير فعَّالة.

وفي مدينة الباب، التي كانت خاضعةً أيضاً لسيطرة التنظيم شمالي سوريا، قصفت الطائرات الأميركية مقراً لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 28 ديسمبر/كانون الأول 2014، وقتلت فقط مجموعة من المدنيين المُحتَجَزِين بالمقر عن طريق الخطأ. وبعدها بأيام، قصفت طائرات القوات الجوية السورية أجزاءً عديدة من المدينة، لكنها، طبقاً للمواطنين بالمدينة، لم تستهدف أياً من منشآت التنظيم هناك. واستمر النظام فقط في قصف الأهداف المدنية في مدينة الباب.

وعندما هاجمت قوات التنظيم مدينة تدمر القديمة في مايو/أيار عام 2015، أخلى الجيش السوري معظم قواعده العسكرية بالمدينة قبل الهجوم، ولم يدافع عن المدينة سوى بشكلٍ متواضع، وسمح بوقوع مخازن الأسلحة الخاصة به في يد التنظيم. وأثناء ذلك، كان النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يتشاركان في أكثر حالات التعاون وضوحاً في سوريا.

إذ إنه في ربيع عام 2015، وبينما كانت قوات النظام تترنح بسبب خسائرها الكبيرة في شمال سوريا، تواصل النظام السوري مع التنظيم لتغيير الموازين على ساحة المعركة.

كانت قوات الثوار قد استولت حينها على محافظة إدلب بالكامل، واستولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة تدمر، ولم يكن الجيش السوري المُحبَط، الذي كان يتراجع حينها بسبب هزائمه المستمرة، قادراً على استعادة أياً من المدينتين.

وبعد اجتماعٍ بين النظام السوري وممثلي التنظيم في إحدى منشآت الغاز الكبرى في مدينة الشدادي شرق سوريا في 28 مايو/أيار، انطلقت قوافل جيش التنظيم من مدينة الرقة، ومدنٍ أخرى تحت سيطرة التنظيم، باتجاه مدينة مارع، التي تقع شمالي حلب، على إحدى طرق الإمداد الهامة من تركيا.

وبعد قيام طائرات الجيش السوري بقصف مواقع قوات المعارضة المعتدلة، تحرك مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باتجاهها لاحتلالها. واستطاعت حينها قوات التنظيم السيطرة على حوالي ثلث المدينة، قبل أن تصل تعزيزات قوات الثوار وتهزم قوات التنظيم وتجبرها على التراجع.

وأكد أحد المسؤولين الأميركيين هذا التعاون.

 

تأكيد أميركي

 

وقال أحد المسؤولون بوزارة الدفاع الأميركية، والذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، إنَّهم قد رأوا “قوات الأسد توفر الدعم الجوي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لابد أن هناك اتفاقاً ما بينهما. وقد حدث هذا أكثر من مرة”.

وكشف مسؤولو الأمن الأتراك تاريخ، وموقع، وهويات المشاركين بهذا الاجتماع، واستطاع أحد المراسلين تأكيد التفاصيل الأساسية بخصوصه.

كان هجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة مارع في يونيو/حزيران 2015، والذي دعمته قوات النظام، ضربةً مذهلة. أرسل التنظيم القوافل التي تكونت من حوالي 60 مركبة من عدة أماكن بشمال سوريا للوصول إلى المنطقة الحدودية، ووصلت حتى كان بينها وبين المعبر بين سوريا وتركيا حوالي 6 أميال. لكن قوات الثوار اتجهت من عدة مناطق إلى مدينة مارع، ومنعت التنظيم من قطع الطريق القادم من تركيا، والذي تتدفق من خلاله المساعدات العسكرية والإنسانية إلى حلب.

ومن الأمثلة الحديثة لهذا التعاون الواضح بين قوات النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2015، عندما اضطرت قوات الثوار للانسحاب من مدرسة المشاة السابقة بشمال حلب، التي استولى عليها الثوار في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. إذ شنت قوات التنظيم هجوماً عنيفاً على الموقع باستخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة والسيارات المُفَخَّخة، لكنها لم تستطع السيطرة عليه، وذلك طبقاً لأحد المتحدثين باسم كتيبة الصفوة، إحدى الفصائل المقاتلة في سوريا.

وبعد ذلك، وأثناء قيام طائرات النظام السوري بقصف المدرسة، تحركت قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حول المدينة لقطع طريق الهرب على قوات الثوار. وبعد مقتل عدد كبير منها، وصل إلى حوالي 70 فرداً، اضطرت قوات الثوار إلى الانسحاب من مواقعها بالمدينة وتركها للتنظيم، والذي سلمها بعدها إلى قوات النظام السوري.

وفي فبراير/شباط الماضي، جمع الثوار بعض الأدلة والصور التي تثبت أن النظام وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بينهما اتفاقٌ فعَّال بعدم الاعتداء. إذ قال أسامة أبو زيد، المستشار القانوني للمعارضة السورية، إنَّه عندما استخدم الثوار طائرات بدون طيار لتصوير الجبهة التي تمتد إلى 35 ميلاً بين قوات الأسد وبين قوات التنظيم، اكتشفوا عدم وجود تحصينات على الجانبين، وعدم وجود أية أدلة على حدوث اشتباكات بين الطرفين.

وأضاف: “كان هناك عددٌ قليل من المقاتلين على جانبي الجبهة، لكن العدد كان أقل جداً من أن تكون هناك حربٌ بين الطرفين”.

وقال أسامة إنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يستمر في استخدام السيارات المٌفَخَّخة، سلاحه المفضل، ضد قوات المعارضة المعتدلة، لكنه لا يستخدمها ضد قوات الأسد أو حلفائه، أو حتى ضد الميليشيات الكردية، والمعروفة باسم وحدات حماية الشعب، التي تتحالف معها الولايات المتحدة الأميركية. وأثناء هجوم قوات النظام بمساعدة الطائرات الروسية لإنهاء حصار الثوار لمدينتي نبل والزهراء، لم يطلق التنظيم رصاصةً واحدة.

ويعتقد بعض المراقبين أن هذا التعاون الواضح بين قوات النظام وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لن يستمر للأبد. لكنهما، في الوقت الراهن، يعملان جنباً إلى جنب.

ويرى بسام بربندي، الدبلوماسي الروسي السابق والمقيم بواشنطن حالياً، إنَّ سبب هذا التعاون بين النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واضح، ويقول إنَّ “كلا الطرفين يعلمان أنه لا يمكن لكلاهما البقاء، لكنهما يريان أنه قبل الوصول إلى الخطوة الأخيرة في الحرب، يجب عليهما أن يقتلا كل المعتدلين. وهذا هو الأمر الذي يعمل فيه الطرفين معاً بشكل وثيق”

هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي

By:  روي غوتمان