روزانا بو منصف

بادر مفتي سوريا أحمد حسون في قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس ميشال عون بتوجيه التحية بالقول “صباح حلب الحلو”. بدا الامر غريبا ومستغربا الى حد بعيد، اولا لانه تزامنا مع زيارته، تقصف طائرات النظام وحلفائه من غير السوريين اهالي المدينة واطفالها وشيوخها، وثانيا كيف يمكن ان يكون صباح حلب حلوا؟ واي حلب هي المقصودة؟ علق احد الوزراء على الفور بأنه عندما تحدث المفتي السوري عن حلب أجهش بالبكاء كل من سيف الدولة وأبو الطيب المتنبي. لعل الوقع الثقيل لهذه الكلمة من حيث الموقع الذي اطلقها منه او الظروف غير المناسبة، دفع على الارجح الى سحب هذه العبارة من كلمة المفتي السوري لتعذّر أن يحملها قصر بعبدا، لان قولها في الموقع والسياق غير مقبول. كما ان الاستغراب يطاول الزيارة في ذاتها، اذ لا سياق او معنى لها، ولو ان الرئيس الجمهورية قد يكون احرج بالزيارة التي قد لا يكون يرغب في ان يستخدمها النظام من اجل فتح قنوات توحي بفك عزلته او تضغط على لبنان وصيغته الهشة من خلال محاولة اللعب على طوائفه عبر استخدام انفتاح العلاقة مع المسيحيين، كما توحي زيارة حسون لكل من بعبدا وبكركي. إلا أن منتهى التوظيف في القول عن “صباح حلب الحلو” من لبنان، وكأن لبنان شريك كدولة ومنبر للتعبير عن الغبطة بما يصيب المدينة. وعلى رغم انقسام البلد وانخراط فئة كبيرة منه، هي “حزب الله”، في الحرب في حلب، فإن الاغتباط بصباح حلو في حلب على لسان مفتي النظام السوري يهدف الى جعل لبنان شريكا في انتصار زائف يستعد له النظام على دماء ابنائه. واذا كان لقصر بعبدا عدم القدرة على رفض الزيارة، فكان يتعين على الكنيسة المارونية في رأي مصادر سياسية عدة ان تعتذر عن الزيارة وتوقيتها في زمن تدمير حلب في شكل خاص، وفي ضوء استغلال المفتي الموالي للنظام السوري والمبشر بأفضاله، المنبر المسيحي في لبنان من بعبدا اولا، ثم من بكركي، فيما هناك قطيعة كاملة مع الطائفة السنية التي يستهدفها النظام في سوريا، ولن يجد من يستقبله بين ابناء هذه الطائفة في لبنان. لعل النظام يعتقد وفق ما بات يعرف اللبنانيون عنه جيدا انه يستطيع ان يضع المسيحيين في مقابل السنة في لبنان، او ان يخترق الواقع السياسي ويتلاعب به كما كان يفعل سابقا. ثمة توازنات دقيقة يشكو منها المسيحيون في لبنان، في الوقت الذي لا يمكنهم، في ظل محاولة اقتناعهم بأداء دور متوازن بين السنة والشيعة في لبنان، بحيث يتعين عليهم الا يؤخذوا منبرا او واجهة للنظام أو لأي فريق آخر في مواجهة الافرقاء الداخليين. اقحام موضوع حلب من مفتي النظام جاءه الرد عليه من مرجعين لبنانيين، أحدهما الزعيم الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي غرد قائلا : “عملية قتل وفرز وتهجير وتدمير لحلب وأهاليها”. فيما غرد الرئيس سعد الحريري بدوره : “أكثر من أي يوم آخر نؤكد تضامننا مع الشعب السوري ومع مدينة حلب في مواجهة سياسات القمع والابادة”. ثمة انقسام كبير في لبنان حول سوريا لا يغفله او يقفله انتخاب رئيس جديد ولا تأليف حكومة جديدة نتيجة اختلاف جذري في الموقف من الوضع السوري. وكثر يثقون بأن النظام السوري، ولو انه يعتمد في بقائه على ايران وروسيا، يسعى الى تثبيت حضوره أو وجوده من خلال لبنان عبر ترجيح كفة الحكم الجديد لمصلحته، في حين أنه مشروع او وهم متجدد للهيمنة السورية على السياسة اللبنانية، في ظل محاولة تصوير او توظيف انتخاب العماد عون على انه مكسب او انتصار للنظام نفسه في لبنان. واذا قيست الامور من زاوية الرهان على سيطرة النظام على حلب والوهم بأن ذلك يمكن ان يثبت سيطرته او يوسعها على سوريا، فيما سبق ان لمح “حزب الله” في بعض مواقفه الاخيرة الى ضرورة مراجعة البعض حساباته، وهو ما سيدفع بلبنان الى ان ينفتح على النظام السوري ويعيد العلاقات معه تفهم محاولات القوطبة او الالتفاف على الحكم في لبنان ومحاولة استدراجه الى ان يكون في محور معين على نحو قسري، او على الاقل اشعار الجميع بأن الامور ستكون في اتجاهات معينة، وهي لن تتغير كثيرا عما سبق، بناء على زيارتين سوريتين لقصر بعبدا حتى الآن، خلال شهر وبضعة ايام على وصول العماد عون الى القصر الجمهوري.

لعل من المفارقات ان المفتي السوري، وهو ينقل التحية من “صباح حلب الحلو”، فاته ان يقرأ قبيل زيارته لبنان، وفيما تدمر المدينة مسقط رأسه على رؤوس ابنائها، ما قاله مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية علي خامنئي من “اننا ندافع عن ايران في حلب”، في معرض تبرير القتلى الايرانيين في سوريا وردا على معارضة واضحة في ايران لوقوع ضحايا ايرانية في حلب، وليس في المزارات الشيعية التي قالت ايران انها تدافع عنها في معرض انخراطها في الحرب السورية، او هو ايضا لم يطلع على آخر المواقف الروسية المهددة بأن من لم يخرج من حلب بعد سيعتبر ارهابيا وسيقتل. لذلك ليست مريحة ولا بريئة زيارة المفتي السوري لاستخدام لبنان منبرا لكي يسمع الخارج صوته، غير المسموع من دمشق.

“النهار”